قضايا وآراء

القاطرة الصينية والعصا السحرية الأمريكية

1300x600

حسّن صندوق النقد الدولي توقعاته لأداء الاقتصاد العالمي لـ2020، بالقول إن الناتج المحلي الإجمالي العالمي انكمش بنسبة (-4.4%) بعد توقعات أعلن عنها في حزيران (يونيو) الماضي قدر فيها حجم الانكماش بـ(- 5.2%).

تحسن قاد من جديد إلى تحسن في تقديرات صندوق النقد لتوقعات النمو العالمي للعام 2021 قدرت بـ(5.2%).

تراجع مؤشرات الانكماش للعام 2020 أرجعه الصندوق للأداء الإيجابي للاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام الحالي؛ إذ سجل نسبة نمو بلغت 1.9%؛ ليقود التعافي النسبي للاقتصاد العالمي الذي قدرت خسائره بأكثر من 12 تريليون دولار؛ ما يعادل 10% من الناتج الإجمالي العالمي للعام 2020.

كريستينا جورجيفا رئيسة صندوق النقد الدولي عقبت على توقعات الصندوق يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) بالقول: "إن الاقتصاد العالمي يعود من أعماق الأزمة، لكنه يواجه ما أُسميه صعودا طويلا"؛ فالتوقعات تُشير إلى صعود صعب وغير منتظم وغير مؤكد، بالإضافة إلى أنه عرضة للنكسات بحسب قولها؛ ذلك أن النمو العالمي يواجه العديد من المعيقات على رأسها قدرة الدول على التعامل مع الوباء وفاعلية اللقاحات وتباين معدلات النمو والتعافي بين الدول والأقاليم.

نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ريتشارد كلاريدا عكس هذا التباين يوم الأربعاء 14 تشرين الأول (أكتوبر) بالقول: "إن ركود فيروس Covid-19 ألقى الاقتصاد في حفرة عميقة للغاية، وسيستغرق الأمر بعض الوقت" فالعود من الأعماق رحلة طويلة من وجهة نظره؛ إذ توقع (كلاريدا) أن يحتاج الاقتصاد الأمريكي إلى عام آخر أو ربما أكثر حتى يعود إلى مستويات النشاط التي كان عليها قبل انتشار الوباء.

توقعات تعكس البيئة السياسية الداخلية الأمريكية المتوترة والمقرونة بفقدان المبادرة واليقين السياسي والاقتصادي؛ فأمريكا ما زالت تقف على عتبات البحث عن حلول مقترحة للركود والانكماش الاقتصادي؛ كان آخرها قانون لضخ أكثر من تريليوني دولار في السوق الأمريكية؛ في حين اتجهت الصين إلى خفض القيود على بنوكها في تعاملاتها المحلية والدولية عوضا عن ضخ المزيد من الأموال؛ وسارعت لتبني عملة البينكتون الرقمية في المعاملات التجارية والتسوق المحلي وعمدت لشراء السندات اليابانية كبديل للأمريكية.

الاقتصاد الأمريكي لم يعد القاطرة التي تقود الاقتصاد العالمي للتعافي والنمو بعد تفشي كوفيد 19؛ فهو أقل قدرة على المبادرة؛ بمعدلات نمو سالبة بلغت -4.1%؛ وتوقعات نمو تقدر بـ3.1% في العام 2021، يقابلها 8% من المتوقع أن تحققها الصين العام المقبل.

 

رغم تفاؤل كيسنجر في مجال الاستراتيجيا والتفوق العسكري؛ إلا أن الرهان على التفوق الاستراتيجي الأمريكي في الحرب التجارية مع الصين بات معادلة صعبة المنال في ظل وجود قوى دولية تظهر ممانعة للتوجهات الاستراتيجية الأمريكية؛ وعلى رأسها روسيا بل وأوروبا ودول إقليمية كإيران وتركيا.

 



تحولات مذهلة عبر عنها هنري كيسنجر أكثر من مرة خلال هذا العام الحالي بالقول "إن العالم بعد كوفيد 19 مختلف عما قبله"؛ بل وعاد مؤخرا للتعبير عن ذلك بوضوح أكبر في مناقشة افتراضية استضافها النادي الاقتصادي الجديد لنيويورك بالقول: "يتعين على قادتنا وقادتهم (الولايات المتحدة والصين) مناقشة حدود المواجهة، حتى يتم تجاوز التهديدات"؛ وأردف قائلا: "إن أمريكا في حاجة إلى طريقة جديدة في التفكير تدرك فيه أن العالم معقد للغاية؛ بحيث لا يمكن لدولة واحدة تحقيق مثل هذا التفوق الأحادي الجانب في كل من الاستراتيجية والاقتصاد".

رغم تفاؤل كيسنجر في مجال الاستراتيجيا والتفوق العسكري؛ إلا أن الرهان على التفوق الاستراتيجي الأمريكي في الحرب التجارية مع الصين بات معادلة صعبة المنال في ظل وجود قوى دولية تظهر ممانعة للتوجهات الاستراتيجية الأمريكية؛ وعلى رأسها روسيا بل وأوروبا ودول إقليمية كإيران وتركيا.

الأهم من ذلك أن النزعة الأمريكية للتقهقهر باتت أقوى من نزعة المواجهة التي حذر كيسنجر من أن تقود العالم إلى حرب عالمية مشابهة للحرب العالمية الأولى بحسب زعمه؛ فانسحاب أمريكا من أفغانستان ومسارعتها لإخلاء قاعدة باغرام؛ وترددها في العراق وسوريا سيقود إلى المزيد من النزيف الاستراتيجي الأمريكي الذي تراهن عليه الصين كما تراهن عليه روسيا والعديد من القوى الإقليمية والدولية. 

ختاما: رغم المؤشرات الاقتصادية السلبية ورغم المؤشرات الاستراتيجية غير المريحة للولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن العديد من الخبراء الاستراتيجيين والمراقبين يعتقدون أن الولايات المتحدة ستتعافى بتسارع مضطرد يفاجئ الجميع؛ وستحسم أمرها بمجرد تجاوز الانتخابات الرئاسية للعام 2020؛ وستندفع بقوة لقلب المعادلة الدولية المختلة لصالحها؛ تقديرات إن صحت فإنها تعني أن الرئيس الأمريكي القادم يحمل عصا سحرية.

 hazem ayyad
@hma36