قضايا وآراء

التطبيع مع إسرائيل والشرق الأوسط الجديد

1300x600

ذهبت بعض التحليلات السياسية إلى وصف تطبيع العلاقات الإماراتية مع إسرائيل، بأنه خطوة جوهرية لتشكيل نواة لشرق أوسط جديد جرى الحديث عنه كثيراً بعد انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية في نهاية عام 1991. وقد سعى شمعون بيريس الرئيس الإسرائيلي في منتصف التسعينيات لرسم صورة للشرق الأوسط الجديد في كتابه الذي حمل نفس العنوان، بحيث تكون إسرائيل القطب المالي والمائي والسياسي في ذات الوقت، لكن نتنياهو أصدر كتاباً فيما بعد بعنوان (مكان تحت الشمس)، ليؤكد فيه أن بناء علاقات مع الدول العربية يجعل من إسرائيل دولة متخلفة اقتصادياً، ولهذا كان يفضل بناء علاقات مع دول أوروبية متطورة حتى لو كان اقتصادها صغيرا كلكسمبورغ. 

وتبعاً لذلك يمكن الجزم بأن تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يحقق أهدافا سياسية لنتنياهو شخصياً بسبب ملاحقته بتهم فساد، وتالياً محاولة تعميم ثقافة مفادها بأن إسرائيل دولة طبيعية، رغم عنصريتها المتفاقمة ضد الشعب الفلسطيني والمجازر التي ترتكبها على مدار الساعة.

أوسلو والشرق الأوسط الجديد

مرّ على اتفاقات أوسلو سبعة وعشرون عاماً (1993 ـ 2020)، من دون نيل الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه الوطنية، بل على العكس من ذلك، ارتفعت وتيرة النشاط الاستيطاني وتمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على عشرات الألوف من الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس، وتفاقمت عنصرية إسرائيل خلال العقد الأخير إزاء الأقلية العربية والمقدسيين، وتوضح ذلك من خلال إصدار رزمة من القوانين العنصرية، ومن أخطرها قانون القومية الإسرائيلي الذي يرسخ فكرة يهودية الدولة.  

وكانت  طفت إلى السطح بعد كرنفال توقيع اتفاقات أوسلو في 13 ـ 9 ـ 1993، مشاريع لرسم صورة شرق أوسط جديد وفق تصورات أمريكية وإسرائيلية، بحيث تكون فيه إسرائيل قطباً اقتصادياً وسياسياً ومالياً في ذات الوقت، وكان الهدف الاستراتيجي من تلك المشاريع بدء التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي مع إسرائيل بعد صراع طويل ودام مع العرب. لكن رغم مرور سبعة وعشرين عاماً على اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لم تتحقق خطوات جوهرية لجهة جعل الشرق الأوسط الجديد حقيقة ماثلة للعيان كما روج البعض. 

 

بعد نحو ثلاثة عقود على انعقاد مؤتمر مدريد وما تمخض عنه من اتفاقات إسرائيلية مع بعض الأطراف العربية التي حضرت جلساته، ما تزال الأطروحات الشرق أوسطية تراوح مكانها، لأن العرب لم تتم استشارتهم ومشاركتهم لرسمه أو التخطيط له في الأساس،

 



ومن جديد تسعى ادارة ترامب لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وكان لها ذلك بأن طبعت الإمارات علاقاتها مع دولة الاحتلال، وذلك بغرض فرض الإدارة الأمريكية أجندتها بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ومحاولة الانقضاض على الثوابت الفلسطينية وفي المقدمة منها قضية اللاجئين الفلسطينيين، وذلك عبر إيقاف المساعدات لوكالة الأنروا لتغييب دورها في تقديم الخدمات التعليمية والصحية لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في عام  2018، فضلاً عن ذلك ألغت إدارة ترامب مساعداتها لقطاع الصحة الفلسطيني بغية إخضاع الفلسطينيين للقبول بصفقة القرن، وتالياً البدء في فرض صورة شرق أوسط جديد قديم بآليات أمريكية، تكون فيه إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية، ومن بين أولويات المشروع إيجاد مؤسسات شرق أوسطية مركزها إسرائيل، عوضاً عن مؤسسات الجامعة العربية المختلفة.

وقد طرح الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس رؤيته للمشروع وآليات نجاحه سنة 1993، وأكد على ضرورة إنشاء بنك شرق أوسطي مقره إسرائيل، هذا فضلاً عن حرية دخول رأس المال الإسرائيلي إلى الأسواق العربية واستثماره هناك، كما تمحورت وجهات النظر الإسرائيلية ـ الأمريكية بعد مؤتمر مدريد في عام 1991 حول ربط دول الشرق الأوسط الجديد بروابط يصعب الانفكاك عنها، مثل أنابيب السلام للمياه التي تربط تركيا بإسرائيل والمنطقة العربية، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث أكدوا على ضرورة بناء جامعة شرق أوسطية تكون فيها إسرائيل عضواً فاعلاً ومؤثراً، لكن كافة التصورات لم تخرج من حيز المشاريع الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة.

الرهان الخاسر

بعد نحو ثلاثة عقود على انعقاد مؤتمر مدريد وما تمخض عنه من اتفاقات إسرائيلية مع بعض الأطراف العربية التي حضرت جلساته، ما تزال الأطروحات الشرق أوسطية تراوح مكانها، لأن العرب لم تتم استشارتهم ومشاركتهم لرسمه أو التخطيط له في الأساس، ناهيك عن كون المشروع يلبي أهدافا إسرائيلية أمريكية في الشرق الأوسط بعيداً عن أهداف الشعوب العربية، هذا في وقت عارض ويعارض فيه العديد من القادة والاستراتيجيين الإسرائيليين مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومن بين هؤلاء رئيس  الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أكد في كتابه (مكان تحت الشمس) بأن بناء جسور العلاقة التجارية لإسرائيل مع بعض الدول الأوروبية قد تكون أكثر جدوى من انخراط إسرائيل في مشروع شرق أوسطي يضم الدول العربية.

وبالعودة إلى المصطلح، تجمع الدراسات المختلفة بأن الشرق الأوسط ليس له ملامح جغرافية محددة المعالم، لكن البعض يشير إلى أنها المنطقة الجغرافية الواقعة حول وشرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتمتد إلى الخليج العربي. ويستعمل هذا المصطلح للإشارة للدول والحضارات الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية. ويشار هنا إلى أن هذه المنطقة سميت في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين بالعالم القديم وهي مهد الحضارات الإنسانية وكذلك مهد جميع الديانات السماوية. ويمكن القول بأن الكيانات السياسية في هذه المنطقة تتمثل بالدول التالية: العراق، السعودية، فلسطين، إسرائيل، الكويت، الأردن، لبنان، البحرين، قطر، الإمارات، اليمن، سوريا، مصر، سلطنة عمان، السودان، إيران، أرمينيا، تركيا، قبرص. 

ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توترا أمنيا، حيث شهد حسب الدراسات المختلفة إحدى عشرة حرباً، منها الحروب العربية الإسرائيلية والحرب العراقية الإيرانية، والاحتلال الأمريكي للعراق في ربيع عام 2003، فضلاَ عن الحرب في جنوب لبنان في صيف العام 2006، والعدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين بأشكال مختلفة وبشكل خاص على قطاع غزة منذ نهاية عام 2008.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا