كتاب عربي 21

شارع شيكاغو بين تطبيق "الشريعة" وتطبيق الشريحة

1300x600
نظامنا الشبحي المنضم، يسوسنا بمنهجين متقاربين، توحدهما القبلة والحب والسلام؛ فإما بوسة للبوط العسكري وإما بوسة شارع شيكاغو.

وقد شحت البراميل، بسبب طائرات بيرقدار، وها هو ذا نظام الفواخر والفخار يقصفنا بسلاح جديد شديد الذكاء، وعميق الأثر، وقوي العاطفة، هو: سلاح القبلة الساخنة، أو ما يوحي بها، إذ تقف حسناء الفخار السورية التي زارت الثكنات زيارة التعبئة وزودت العساكر بالطاقة السكرية، تقبّل العكيد ذا الشارب الثخين.

لم يخترع نظام الأسد طائرات مسيّرة، فهو لا يستطيع سوى البراميل، لكنه ابتدع البطاقة الذكية، فالشعب بين هلاكين، فإما داعش وادعاء تطبيق الشريعة وإما النظام وتطبيق الشريحة.

ليس لنظام البوط الفريد بنتاغون، لكنه بارع في تجارة الكبتاغون. والشعب بين فكي تمساح: فإما الشريعة الداعشية وإما العلمانية العسكرية.

ليس له أقمار صناعية، لكنه لديه فروع مخابرات أقوى من الأقمار الصناعية التي تتجسس على الرعية، وأقمار أنثوية مثل فواخرجي والغادة بشور.

قد ظهرت حسناء الشاشة الفضية، على راية مسلسل شارع شيكاغو، وبرزت على بوستر الدعوة والإشهار، ونعت جمهورها المتخلف الذي غار عليها، ووجدت فتوى عند كبار الفنانين المصريين، فاستهدت بالنجمين الهاديين في الظلمات، عبد الحليم وميرفت أمين في فيلم أبي فوق الشجرة، فهي تسبق زمانها، أو إن السوريين تقهقروا عن زمانهم العظيم فباتوا يرتعدون من غوريلا القبلة، ويفكرون في السيوف، والخناجر، والحدود.

اسم المسلسل شارع شيكاغو، واسم الشارع أمريكي، وليس اسما روسيا اشتراكيا، فلا يوجد في كل سوريا الاشتراكية شارع باسم لينين أو ستالين، وقد صارت في سوريا عصابات مثل عصابات مدينة شيكاغو الشهيرة بعصاباتها، والعصابة الحاكمة أقوى العصابات الحالية في سوريا.

يتلمس القارئ في بيانات المسلسل القادم، أن صانعي المسلسل يستشعرون أنه شديد، فيتوسلون رعاية مجتمعهم القاصر، بالتدرج في تطبيق الشريحة، وتعليمه فن القبلة الحارة السارة، فرأوا بثه في قناة مشفرة بداية، على أن يبث على قنوات مشكوفة لاحقا. القبلة، أو شبه القبلة كما استعارت لها الصحافة وصفا، من الكائن الهندسي شبه المنحرف في مملكة الهندسة، ستأتي على جرعات، حتى يمتص الشعب السوري الصدمة ويرتشف القبلة، وسيتعلم فن الحب الصعب، ليس في خمسة أيام من دون معلم، ربما يتعلم في شهر، على يد المعلمة الحسناء، والمخرج العظيم.

يقول المخرج النابغة، سليل الأجداد العظماء الفاتحين، الذي يحسبه العرب كرديا ويحسبه الكرد عربيا، إن القبلة لها إعراب، وهي فتح مبين، وليست مجانية، ومحلها الرفع من شأن الأمة السورية التي تردت بجهل الجاهلين البداة. إنها قبلة ثمينة، وليست رخيصة، غايتها بثّ الحب والمصالحة الوطنية.

ويندد المخرج بالمجتمع السوري القبلي البدوي الجديد الذي بات يرتعب من قبلة، وينسى هذا المخرج الفطحل أن هذا الشعب الشجاع صمد أمام البراميل وسبح في الدم، وهو يهتف الشعب السوري ما بنذل، فرأى الذل الصافي على الشاشة السورية، مرة بتقبيل البوط ومرة بالإشارات الحمراء، ربما كان من الأولى به أن يهتف: الشعب السوري بدو يبوس.

القبلة ستساعد الشباب على النمو العاطفي والروحي والبلد على التنمية، سيكبر من هم دون الثامنة عشرة ويصيرون رجالا، ويحبون النساء، الحب هو الحياة. وإني أرى في القبلة حياة، يبشرنا المخرج بأن ثمة قبلات كثيرة داخل العمل، قل اعملوا فسترى إسرائيل عملكم وقبلاتكم، وتراه أمريكا. وقد تصعق إسرائيل من الرعب من هذه القبلة النووية، وتزيد من تحصينات ثكناتها فوق ذرى الجولان، ولكل قبلة دلالة كما يقول، هذه قبلة نضال، وهذه قبلة صمود وتصدي، وهذه قبلة مقاومة وممانعة، وهذه قبلة نقد ذاتي، وهذه برهان العلمانية الحقة.

لولا القبلة لكان العمل ناقصا برأي المخرج، ولا يقتدي النظام السوري بشريكه الإيراني المتدين، فشركته الأصلية والاجتماعية والعقائدية مع روسيا، وقد وجد نفسه مضطرا للتحالف مع إيران التي تجمعه بها كراهية دين الشعب البدوي المتخلف. هي مع روسيا، فأفلام إيران تنافس على الجوائز العالمية، والسعودية ليس لها أفلام، ليس لها سوى طاش ما طاش، فمسلسلاتها طيش كلها، وقد نالت سينما إيران جوائز تقديرية من كل مهرجانات العالم من غير أي قبلة!

هذا الشعب المعادي للقبل السينمائية وتضحيات الممثلات الجميلات في جبهة الفن، هو البيئة الحاضنة للدواعش، حسب قول المخرج الكبير. شارع شيكاغو غرضه حرب داعش والفكر الداعشي، بالقبلة. القبلة والمشاهد الساخنة مستقاة من الحياة كما يقول، حياتنا كانت كلها قبلات، في الستينيات. المخرج قد يصدق في نقل الواقع الاجتماعي، لكنه ينافق في نقل الواقع السياسي ولا يجرؤ على نقله.

إننا نقضي عشرين سنة من حيواتنا في المراحيض حسب معدل العمر، فهل نعرضها على الناس؟ وقد يعيش الانسان من غير قبلة، لكن لن يعيش من غير كنيف.

المخرج العظيم كوبولا العرب، يريد أن يحاكي الستينيات، حيث كانت الحريات الاجتماعية سائدة كما يقول.

لا يذهب إلى جلسات البرلمان آنذاك، ولا إلى سيرة الرؤساء أمثال القوتلي أو الأتاسي، ولا يذهب إلى المكتبة الظاهرية، بل يذهب إلى شارع شيكاغو!

ويندب ظهور الحركات الجهادية التي تعادي القبلات، وهو لا يقصد الحركات الجهادية بالمخابرات فلم يكن سواها في سوريا، قبل عشر سنوات، وكانت تجاهد كثيرا، وتأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف.

القبلات هدية أيتها الشريحة، المخرج يقود التنوير، ما أن نرى قبلة سلاف فواخرجي حتى نستنير.

والقبلة غالية أيضا، فقد كلف المسلسل الكثير، ونال أبطاله على تضحياتهم آلاف الدولارات.

لم يذهب ميناء طرطوس ولا ميناء اللاذقية هدرا، فهما مؤجران، ولم تذهب قبلة الممثلة الحسناء فهي تمثل أحسن تمثيل بنات سوريا الرائدات.

سينال المخرج جائزة مثل أدونيس، أما العلماء والمفكرون فيقتلون إما في سجون النظام وإما يغتالون غدرا في بيوتهم، حتى لا نتعلم فنَّ تقبيل القمر.

twitter.com/OmarImaromar