كتب

قراءة في يوميات الرحالة ديفيد رآوبيني والطريق إلى فلسطين

قصة رحالة يهودي في اتجاه أرض "إسرائيل" في كتاب باللغة العربية- (عربي21)

الكتاب: "يوميات ديفيد رآوبيني (1520- 1525)".
دراسة وترجمة وتعليق: د. مصطفى وجيه مصطفى 
الناشر: حوران للطباعة والنشر والتوزيع- دمشق؛ بالتعاون مع مرايا للطباعة والنشر والتوزيع- دبي. ط1، 2019.

يجب الإقرار في مطلع العرض لهذا الكتاب النادر فعلا، المتصل بيوميات الرحالة اليهودي "ديفيد رآوبيني"، بملاحظة سجلها ناشر هذا الكتاب نفسه، وهي ملاحظة تشكك في الكتاب نفسه وأنه لم يحظ بثقة العلماء اليهود أنفسهم.

لكن الناشر أيضا أشار إلى أن أهمية الكتاب، الذي يقع في 272 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف من تصدير بقلم د. أحمد العدوي ومقدمة المترجم ومدخل وثلاثة فصول وخاتمة وترجمة اليوميات، ويعالج في موضوعه الرئيس رحلة ديفيد رآوبيني، تكمن بحسب الدكتور أحمد العدوي في "أنها من أقدم ما كُتب عن فكرة عودة اليهود إلى فلسطين، بمساعدة القوى الأوروبية، التي فكر اليهود بالتحالف معها لمواجهة الخطر الذي شكلته الدولة العثمانية على شرق أوروبا، وسواحل الدول الأوروبية شمالي البحر المتوسط" (ص 8). 

ومن شأن هذا الكتاب الذي يعرض له الباحاث الفلسطيني أحمد الدبش، أن يقدم صورة ولو مختصرة عن تاريخ الاهتمام الدولي بفلسطين، وهو اهتمام لا يزال يمثل بؤرة اهتمام العالم وقواه الرئيسيةـ وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

يشير د. مصطفي، مترجم اليوميات، إلى أن دعوة رآوبيني وجدت "آذانًا صاغية له في العالم المسيحي الغربي حين قدم مشروعه الذي يقضي بالتحالف بين يهود العالم والغرب الأوروبي لأجل خلق كيان خادم للتطلعات الغربية في الشرق، على أن يقوم الغرب بتمويل هذا الكيان بالسلاح حتى يتمكنوا من احتلال فلسطين، ويصبح اليهود تابعين للغرب وعبيدا لهم" (ص 18). 

المدخل

يتساءل د. مصطفى، مترجم اليوميات، هل هناك تشابه بين مخطط ديفيد رآوبيني ومخطط هرتزل؟ (ص 25). ويلخص نقاط التشابه بين المخططين (ص 33). ويرجح المُترجم لليوميات، "اطلاع هرتزل على مخطط رآوبيني، ثم تطويره ليصبح مقبولًا في الطرح، وقابلًا للتحقيق أيضًا" (ص 34).

من هو ديفيد رآوبيني؟ 

"لم يتمكن الباحثون من التعرف على اسم ديفيد رآوبيني الحقيقي، ولا أصله" (ص 37). ومصدرنا الرئيس لمعلوماتنا عن حياته هي "يومياته" أو بالأحرى رحلته، فيقول: "أنا ديفيد بن الملك سليمان، وشقيقي الملك يوسف الذي يكبرني، وهو الجالس على عرشه في مملكته في برية خيبر Habor، والذي يحكم ثلاثمئة ألف من سِبط جاد Gad، وسِبط رآوبين Reuben، ونصف سِبط منسى Manasseh" (ص 136- 137).
 
الدوافع الحقيقية لرحلة رآوبيني

زعم رآوبيني في "يومياته" أن دافعه للارتحال، هو، "بتكليف من شقيقي الملك، وبطانته من مستشاريه. أَعني السبعين الكبار؛ الذين كلفوني أن أذهب أولًا إلى روما مقر البابا" (ص 137). "لأجل صلاح إسرائيل" (ص 177). بشأن"توقيع اتفاق سلام بين الإمبراطور وملك الفرنجة بكل السبل الممكنة، حيث سيكون الأفضل لك، ولهما أن يسري مثل هذا السلام، فأكتب لي رسالة أحملها إلى هذين الملكين، ولسوف يقدمان لنا يد المساعدة، ومن ثم سوف نساعدهم، واكتب لي رسالة أيضًا إلى نجاشي الحبشة" (ص 181). 

تلقي رآوبيني كتابا من البابا، "رسالة إلى الملك برسترجون Prester John، وكتبت إلى ملك البرتغال، وكتبت إلى النصاري الذين سوف تجتاز بديارهم، وطالبتهم بتقديم يد العون لك لأجل الرب، ولأجلي" (ص 190 ـ 191).

وبحسب مُترجم اليوميات، "لقد كانت أغراض ديفيد رآوبيني من رحلته تلك سياسية وعسكرية منها شراء أسلحة وتدريب اليهود المنفيين من أسبانيا والبرتغال، وإرسالهم شرقًا عبر القرن الأفريقي لمحاربة الأتراك" (ص 46).

الطريق إلى أرض إسرائيل

عندما وصل رآوبيني إلى البرتغال، استقبله الوجهاء، نصارى ومارونيون ومعهم النسوة والأطفال. "وفي كل مدينة وصلنا إليها كان المارونيون [لفظ أطلق على طوائف من اليهود في إسبانيا والبرتغال، حيث أجبروا على دخول المسيحية وقت الحكم المسيحي الكاثوليكي] يستقبلوننا، رجالًا ونساء كبارًا وصغارًا، يقبلون يدي. وأظهر النصارى الغيرة مني، وقالوا للمارون: عظموه وأكرموه كما تشاؤون، ولكن لا تقبلوا يده، حيث إن هذا لا ينبغي إلا لملك البرتغال. (...) جئت لمساعدة مليككم، وحتى أرشدكم إلى طريق الخير والهداية، وإلى أرض إسرائيل" (ص 204).

مثل رآوبيني بين يد ملك البرتغال، "وقلت للملك: شقيقي الملك يوسف طلب مني استئذانكم في إرسال عدد من صانعي الأسلحة إلى مملكته (أما رد فعل ملك البرتغال على ذلك) إن الأمر متروك للرب، أنني أرغب أن أفعل هذا، إنني أرى أن الأمر حسن العاقبة، وكذلك في عيون جميع السادة الآخرين" (ص 208).  فقد "وعد الملك أن يقدم لي في شهر نيسان ثماني سفن محملة بأربعة آلاف قطعة سلاح نادرة ما بين الصغيرة والكبيرة" (ص 224).

 

بحسب مُترجم اليوميات، "لقد كانت أغراض ديفيد رآوبيني من رحلته تلك سياسية وعسكرية منها شراء أسلحة وتدريب اليهود المنفيين من أسبانيا والبرتغال، وإرسالهم شرقًا عبر القرن الأفريقي لمحاربة الأتراك"

  

في البرتغال أقام رآوبيني شبكة اتصالات قوية امتدت إلى ملك فاس ويهود شمال أفريقيا. يشير رآوبيني، في "يومياته" إلى أنه "جاء إلى سيد نبيل مسلم كبير، وهو قاض لدى ملك فاس، أرسله ذلك الملك إلى ملك البرتغال، وهو رجل موقر وصديق لليهود، ولديه عشرة من الخدم. جاء هذا القاضي إلى منزلي، لأن ملك فاس سمع عني، وأمره أن يذهب أولًا إلى ملك البرتغال، ثم أن يأتي لمقابلتي وتسليمي رسالة من يهود فارس"(ص 209 ـ 210).

يقول رآوبيني، في معرض رده على أسئلة القاضي: "إننا تعلمنا فنون الحرب منذ ريعان شبابنا، ونحن نستخدم السيف والرمح والقوس، ونحن نعد العدة على أمل المساعدة من الرب، للمسير إلى أورشليم حتى نحرر أرض إسرائيل من المسلمين إلى يوم الدين استعجالًا لمجئ الخلاص، ولقد جئت (إلى ملك البرتغال) للبحث عن الحرفيين في صناعة الأسلحة ولا سيما الأسلحة النارية، فآخذهم معي إلى بلادنا يصنعون الأسلحة، ويعلموا جندنَا استعمالها" (ص 211).
 
عند سؤال رآوبيني، ماذا ستفعل بكل اليهود المنتشرين في ديار الغرب، هل تأتي للغرب لأجلهم، وكيف تتعامل معهم؟ أجاب: "إن الخطوة الأولى أن نأخذ الأرض المقدسة وما حولها، وقيادات حشودنَا تتقدم بقوة نحو الغرب والشرق حتى تجمع اليهود من الشتات" (ص 212).
  
فشل المشروع

اعتبر المارونيون في مملكة البرتغال، وكل اليهود في إيطاليا، وكل الديار التي مر بها رآوبيني، أنه "نبي، بل حكيم قبالي" (ص 212).
 
استدعى ملك البرتغال رآوبيني، وقال له: "إنني سعيد أنكم جئتم لأجل مساعدتي، وسمعت أنكم جئتم لأجل رد المارونيين إلى الديانة اليهودية(...) أخرج من البلاد إن أردت أن تسدي لي معروفًا" (ص 220 ـ 221). وخاطب رآوبيني مرة أخرى بالقول: "إن أعبائي كثيرة، ولسوف أعجز على أن أوفر لك سفينة تحملك إلى الشرق، سواء هذا العام أو حتى العام المقبل، فإذا كنت في عجلة من أمرك، وترغب في الرحيل إلى بلدك فأرحل في سلام، ولسوف أعطيك إذنًا بالخروج، وسوف أباركك وأشكرك على هذه الأيام التي قضيتها هنا لخدمتي ومساعدتي، أذهب إلى الإمبراطور، إذا شئت، وقص عليه، أو إذا رغبت العودة إلى روما أو فاس فأنت بالخيار، (استشاط رآوبيني غضبًا)، وقال: أرغب في الذهاب إلى روما" (ص 224 ـ 225).

في هذا السياق، يقول مُترجم "اليوميات"، "هكذا فشل رآوبيني في تحقيق الحلم اليهودي ـ الذي كان منتظرًا ـ بمساعدة ملك البرتغال، وأخذ طريقه في العودة إلى روما ثانية، وتشير اليوميات إلى سوء المعاملة التي لقيها رآوبيني طوال الطريق حتى روما من قبل رجال ملك البرتغال، على عكس ما أُتبع معه حين كان قادمًا للبرتغال" (ص 93).