تزايدت الدعوات في
مصر في الأسابيع الأخيرة لمقاطعة العديد من السلع والخدمات، من السيارات للدواجن، مرورا بالخضروات والأسماك؛ بسبب ارتفاع أسعارها.
وانتشرت حملات
المقاطعة التي يروج لها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل حملة
"خليها تصدي" لمواجهة ارتفاع
أسعار السيارات، و"خليها تحمض"
لمواجهة غلاء أسعار الخضراوات والفاكهة، و"خليها تعفن" لمواجهة غلاء
اللحوم، وحملة "خليها تعنس" لمواجهة تكاليف الزواج الباهظة.
ولكن تأثير هذه
الحملات في السوق كان متباينا، حيث حقق بعضها نجاحا، بينما لم يكن نجاح البعض
الآخر على المستوى المتوقع.
"خليها تصدي
وتكاكي وتحمض"
وكان رواد مواقع
التواصل الاجتماعي قد أطلقوا حملة لمقاطعة شراء السيارات، تحت اسم "خليها
تصدي"؛ لدفع الشركات وتجار السيارات إلى تخفيض الأسعار، وتقليل هوامش أرباحهم،
خاصة بعد قرار إعفاء السيارات الأوروبية من الجمارك.
ونجحت الحملة
بالفعل في تحقيق جزء من أهدافها، حيث أكد تجار عبر مداخلات تلفزيونية أن حركة
البيع أصيبت بالشلل التام بعد ظهور الحملة، التي تجاوب معها المواطنون بشكل كبير،
مؤكدين أنهم تعرضوا لخسائر فادحة، وأن بعض الشركات المصنعة هددت بسحب
التوكيلات منهم.
وأكد خبراء أن حملة
"خليها تصدي" أحدثت ركودا في سوق السيارات، وأنها كانت أحد أسباب انخفاض
سعر الدولار أمام الجنيه في الفترة الأخيرة؛ بسبب تراجع استيراد السيارات.
كما أطلق نشطاء حملة
جديدة لمقاطعة شراء الدواجن تحت عنوان "خليها تكاكي"، بعد الارتفاع
الملحوظ في أسعارها بالأسواق خلال الأيام الماضية بنسبة 40%، لتسجل 39 جنيها للكيلو
جرام، بعد أن كان سعر الكيلو 26 جنيها.
كذلك أطلق مواطنون
حملة "خليها تحمض"؛ لمحاربة غلاء أسعار الفاكهة في الأسواق، في ظل الفارق
الكبير بين شرائها من المزارعين وسعر بيعها للمستهلك لمصلحة مجموعة من التجار
الكبار الذين يتحكمون في سوق الفاكهة.
حملة مماثلة دشنها
عدد من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان "خليها تعفن"؛ لمقاطعة شراء اللحوم، وذلك بعد ارتفاع كبير في أسعارها.
واستمرت حملات
المقاطعة إلى أن وصلت إلى جوانب اجتماعية، بعد إطلاق نشطاء حملة لمقاطعة الزواج؛ بسبب ارتفاع المهور، والمغالاة في متطلبات الزواج، أطلقوا عليها اسم "خليها
تعنس".
لكن هذه الدعوة لم
تلق الترحيب المتوقع من المجتمع، بحسب مراقبين، خاصة بعدما أطلقت بعض الفتيات حملة
مضادة بعنوان "خليك جنب أمك".
"أثبتت
نجاحها"
وردا على التساؤلات
حول مدى نجاعة حملات المقاطعة وقدرتها على التأثير في الأسعار، أكد عضو مجلس النواب، أحمد عبده الجزار، أن هذه الحملات أثبتت نجاحها في مواجهة جشع التجار، مضيفا أن
المصريين استخدموا سلاح المقاطعة لمواجهة الغلاء الذي أصاب السلع والخدمات.
وأوضح الجزار، في بيان صحفي الأسبوع الماضي، أن الحملات التي دشنها المصريون في الفترة الماضية تأتي
بعدما فشلت كل المحاولات في مواجهة الاحتكار وجشع التجار، مطالبا بضرورة تفعيل دور
الأجهزة الرقابية لمنع استغلال بعض التجار.
وقال رئيس شعبة
الثروة الداجنة بالغرف التجارية، عبد العزيز السيد، إن المقاطعة ثقافة جديدة على
الشعب المصري، لكن الأمر يحتاج إلى دراسة قبل إطلاق حملة المقاطعة، بحيث تتضمن
الدراسة التكلفة الحقيقية للمنتج، لمعرفة هل هناك مغالاة في الأسعار من جانب التجار
أم لا؟
"حق
أصيل"
وتعليقا على هذه
الحملات، قال الخبير الاقتصادي، محمود عبد العظيم، إن لجوء المستهلك إلى مقاطعة شراء
أي سلعة أو خدمة يحدث عند شعوره بوجود مبالغة في سعر هذه السلعة، مشيرا إلى أن
أغلب هذه الحملات كانت تدعو لمقاطعة السلع التي تشهد زيادات كبيرة وغير مبررة
يستفيد منها التجار.
وأضاف عبد العظيم، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن "المقاطعة حق أصيل للمستهلك، ولا يمكن أن
يجبره أحد على الشراء، لذلك لجأ المواطنون إلى استخدام هذا السلاح منذ عقود طويلة في مواجهة جشع بعض التجار"، مشددا أن "السلع التي يرى المستهلكون أن
بائعيها يحصلون على هوامش ربح معقولة لا يقاطعها أحد".
وتابع: "لاقت
بعض الحملات ترحيبا واسعا من مختلف فئات الشعب؛ لأنهم رأوا أنها طريقة فعالة للضغط
على التجار؛ بهدف كبح جماح الأسعار، وسط غياب تام لأي دور حكومي في هذا الشأن، بحجة
أن البلاد تطبق سياسة السوق الحرة، ولا يمكنها التدخل في تحديد الأسعار".
ونفى الخبير
الاقتصادي أن يكون لهذه الحملات تأثير سلبي على السوق المصري كما يروج بعض التجار،
مشيرا إلى أن المنافسة وتقديم أسعار عادلة للمستهلكين يفيد الطرفين، ويزيد من
الشراء والاستهلاك، وبالتالي يزيد من الإنتاج وفرص العمل والأرباح، وهو ما يفيد
الاقتصاد المصري في النهاية.
ورأى محمود عبد
العظيم أن هذه الدعوات والحملات تعدّ نوعا من أنواع الحراك المجتمعي الإيجابي،
مؤكدا إمكانية انتقالها إلى قطاعات أخرى غير اقتصادية، مثل السياسة أو الجوانب الاجتماعية في المستقبل، قائلا إن "التوسع في هذه الحملات وارد جدا، وحدث بالفعل
الانتقال من الجوانب الاقتصادية إلى الجوانب الاجتماعية، كما شهدنا في حملة
"خليها تعنس".