علق المحلل في شؤون الشرق الأوسط في جمعية هنري جاكسون كايل أورتين في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي"، على مساعدة الأكاديميين الغربيين في نشر
البروباغندا التي يروج لها النظام السوري، وجاء تقرير أورتين ردا على ما جاء في مقالات لعدد من الأكاديميين والصحافيين الغربيين الذين يروجون لتضليل نظام
الأسد.
ويقول الكاتب: "بالنسبة لنظام الأسد، فإنه يجد مساعدة عندما يقوم أكاديميون وسياسيون ومحللون مستقلون وصحافيون بنشر روايته، وليس هو ذاته أو المتحدثون باسمه".
ويضيف أورتين: "منذ بداية الحرب السورية قام النظام السوري، الذي لقي مساعدة من إيران وروسيا، بحرب إعلامية مدروسة، تقوم على تصوير نفسه بأنه ضحية لمؤامرة دولية، وأنه العدو الوحيد للإرهابيين من تنظيم القاعدة والجماعات الخارجة عنه، التي تم استخدامها من دول أجنبية، أي دول الخليج وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة؛ من أجل الإطاحة بدولة في محور المقاومة".
ويتابع الكاتب بأن "الجزء الثاني من استراتيجية إرسال الرسائل، والموجهة تحديدا إلى الغرب، الذي يتهمه الأسد بدعم الإرهاب السلفي الجهادي، فهي تقول إن الأسد هو البديل الوحيد عن الإرهاب، وعليه، فإنه يجب على الغرب دعمه، ورغم كونه مجرم حرب، إلا أنه يزعم حماية الأقليات التي يهددها؛ لأنه بدأ حربا طائفية ضد الغالبية السنية، وعزز التكفيريين داخل حركة التمرد لتشويه الحركات المسلحة التي يمكن التحاور معها داخل المعارضة كلها".
ويستدرك التقرير بأنه مع أن تفوق قوات الأسد البرية يأتي من كونها مشكلة من حركات طائفية وجهاديين شيعة أجانب، يعملون تحت إدارة إيران، وبعضهم عراقيون مسؤولون عن مقتل ربع الأربعة آلاف أمريكي، الذين قتلوا أثناء الغزو الأمريكي للعراق من عام 2003 إلى 2011، مشيرا إلى أن هؤلاء الجهاديين مندمجون في الشبكة الإرهابية التي تديرها الدولة، حيث قاموا بضرب أهداف يهودية وغربية حول العالم.
ويجد الموقع أن وجود أصوات غير صوت النظام تقوم بنشر دعاية النظام، يعطيها مصداقية، مشيرا إلى مثالين حاضرين في لعبة النظام الدعائية: الأول هو الصحافي المخضرم ستيفن كينزر، الذي عمل في صحف مثل "نيويورك تايمز"، والذي كتب في "بوسطن غلوب"، وجيفري شاس، وهو أكاديمي واقتصادي الذي يعمل في جامعة كولومبيا، الذي كتب في "هافنغتون بوست"، جامعا بين نظريات المؤامرة والحقائق المبتورة والأكاذيب الحقيقية والتضليل، حيث قام كل من كينزر وساش بتقديم نسخة من رواية النظام.
ويرى أورتين أن الجزء المهم في ما كتبه كلاهما من تضليل هو أن الولايات المتحدة راغبة بشكل كبير بالإطاحة بنظام الأسد، لافتا إلى أنه عندما اندلعت الثورة السورية "وجدت المخابرات الأمريكية والجبهة المعادية لإيران، إسرائيل والسعودية وتركيا، الفرصة سانحة للإطاحة وبشكل سريع بالأسد، وبالتالي تحقيق نصر جيوسياسي"، كما جاء في مقال ساش.
ويقول الكاتب إن "القائمة التي وردت في مقال ساش ضمت الدول التي وقفت ضد الأسد، ويمكن المغفرة لساش عندما يفكر بهذه الطريقة، ففي عام 2011 كانت الدول التي تدعو إلى احتواء إيران هي التي تدعو إلى الإطاحة بالأسد، خاصة أن
سوريا هي بوابة إيران إلى العالم العربي، وشريان الحياة لحزب الله، ووكيل إيران قرب دولة هي عضو في حلف الناتو، إلا أن السياسة الأمريكية كانت عكس ذلك تماما".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه في الوقت الذي قال فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في آب/ أغسطس، إن على الأسد الرحيل ورسم الخط الأحمر بشأن استخدام السلاح الكيماوي في آب/ أغسطس وكانون الأول/ ديسمبر 2012، فإنه لم يكن ينوي فرض أي منهما، لافتا إلى أن الهدف الرئيس كان هو البقاء بعيدا عن سوريا.
ويذكر الموقع أنه في كانون الأول/ ديسمبر، قال أوباما لرئيس الوزراء العراقي في حينه نوري المالكي، الذي تعود علاقته بالمخابرات الإيرانية إلى عقود طويلة: "ليست لدينا نية بالتدخل عسكريا في سوريا"، مشيرا إلى أن دعاية النظام نجحت، فقد كانت الولايات المتحدة تعبر عن قلقها من الثورة السورية بالطريقة ذاتها التي كان يعبر فيها النظام في بداية عام 2012، وأصبح الحديث فيما بعد عن بقاء الأسد جزءا من تعديل السياسة الأمريكية.
ويؤكد أورتين أن أوباما جاء للمنصب مصمما على التقليل من بصمات أمريكا في الشرق الأوسط، الذي استثمرت فيه الولايات المتحدة بشكل كبير، بحسب ما تحدث مستشار الأمن القومي السابق توماش دونيلون، حيث كان الرئيس يحاول التقارب مع إيران كونه وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
وينوه التقرير إلى أنه من خلال احترام مصالح إيران في المنطقة، كان أوباما يحاول العثور على مصالح مشتركة، مثل محاربة
تنظيم الدولة، "مع أن هذا الهم المشترك يظل وهما"، وبهذه الطريقة كان الرئيس الأمريكي يأمل بخلق توازن يحمي نفسه، بوجود أمريكي ضمن الحد الأدنى، حيث كان الاتفاق النووي كفيلا بتسهيل عمليات تقارب بين الولايات المتحدة والإيرانيين، ويعطي لطهران فرصة للاستفادة من المصادر المتاحة، كي تواصل مصالحهما المتداخلة.
ويستدرك الموقع بأنه "رغم أن هذا التفكير كان فانتازيا، إلا أن له تداعيات عملية، حيث إن لدى إيران قوات القدس، وغيرها من الأدوات، بشكل يعني أن أي محاولة "لموازنة" القوى بين إيران وجيرانها ستكون لصالح إيران، فقد رأت إيران في تخفيض الولايات المتحدة وجودها في المنطقة محاولة لبناء هيمنتها، وكانت في الطريق لتعزيز وجودها بدعم روسي، ولأن الولايات المتحدة كانت تريد اتفاقا على الورق، وليس التأكد من نزع سلاح إيران، فقد كانت الميزات في الاتفاق النووي تميل لصالح إيران، وعنت أن إيران يمكنها الحصول على تنازلات، وتهدد بالخروج من المفاوضات إن لم تحصل عليها.
ويذهب الكاتب إلى أن أوباما أعطى سوريا لإيران؛ كي تكون مجال نفوذها في المنطقة، مقابل الحفاظ على اتفاقه النووي ومفهومه للنظام الجديد في المنطقة، مشيرا إلى أنه تم تبليغ إيران مقدما قبل أن تبدأ الولايات المتحدة غاراتها الجوية على تنظيم الدولة، وتم إبلاغ الأسد أنه لن يتعرض لهجمات، ما يعني ضمانا أمريكيا أمنيا، ومن هنا قامت إيران بتحويل القوات الأمريكية إلى رهائن، ما أعطى الإدارة فهما بعدم إغضاب إيران في سوريا.
ويجد أورتين أن الإطار الذي كتب فيهما المقالان لم يكن صحيحا، وهو يعود إلى التحليل السيئ، واعتماد كبير على التصريحات العامة ورسائل الإدارة الأمريكية، بدلا من التركيز على الأفعال.
ويتحدث التقرير في السياق ذاته عن فكرة تقديم الأسد كونه منقذا، مشيرا إلى تشريد
روسيا 35 ألف سوري من سكان ريف حلب باسم حماية النظام، وما مجموعه 120 ألف نسمة ممن تم تشريدهم، إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة جراء القصف الروسي، الذي سمح لعمليات النظام والقوات الموالية له بالتقدم.
ويوضح الموقع أنه خلال أيام من التقدم سمح الطيران الروسي لقوات النظام والجماعات الموالية لها بقطع خطوط الإمدادات من تركيا إلى شرق حلب، وهو ما أدى إلى رحيل حوالي 70 ألفا من السكان؛ خشية أن يفرض عليهم حصار، كما فرض على 49 بلدة ومدينة، لافتا إلى أن من بقي في حلب كان من الذين تشردوا في السابق، ولم يكن لديهم ما يكفي من مصادر تعطيهم القدرة على الرحيل.
ويشير الكاتب إلى الجرائم التي ارتكبها الروس، بحسب ما أوردت منظمة "أمنستي إنترناشونال" والغارات المتكررة على المدنيين، واستهداف قوات الدفاع المدني السورية أو "الخوذ البيضاء"، الذين أنقذوا حياة عشرات الآلاف من المدنيين، وكيف استهدف الروس البنى التحتية المدنية من مدارس ومستشفيات.
ويقول أورتين إن "الأسد، الذي تلقى الدعم في كل مرة من الروس والإيرانيين، يتحمل مسؤولية الضحايا الذين سقطوا في الحرب كلهم، فقد حول احتجاجات سلمية إلى حرب دينية، وتفوق على تنظيم الدولة من ناحية القتل والتعذيب، حيث تحولت جرائمه إلى جبال من الوثائق، وشملت على تصفية 11 ألف سجين، واعتقال حوالي 200 ألف شخص في ظروف لا إنسانية، وتسبب النظام بوفاة السجينات؛ من خلال تركهن ينزفن حتى الموت، وإدخال الجرذان الميتة في أعضائهن الخاصة".
ويضيف الكاتب أنه "في الوقت الذي حرق فيه تنظيم الدولة طيارا أردنيا وهو حي، فإن إيران تدير مليشيا الدفاع الشعبي، التي حرقت عائلات كاملة في بيوتها، وهذا كله قبل أن يتبنى النظام الحرب الشاملة والبراميل المتفجرة والقصف العشوائي والسلاح الكيماوي وصواريخ سكود وتدمير المدن، وهذا كله لا يحتاج إلى معرفة، لكن كينزر يكتب عن إمكانية احتلال مدينة حلب (في هذا الشهر حصل أهالي حلب على بصيص أمل)، فيما كتب ساش عن الروس الذين يستخدمون المحادثات من أجل تغطية تقدمهم على جبهات القتال في حلب، وعلى أمل اعتراف المجتمع الدولي بأن (سياسة الولايات المتحدة، منذ كلينتون حتى وقت قريب، كانت تغيير النظام أولا، ومن ثم وقف إطلاق النار لاحقا".
ويواصل أورتين قائلا إن "محاولة كل من ساش وكينزر تقديم الأسد كونه ضحية يعني تحميل طرف آخر مسؤولية الكارثة السورية، حيث إن الطرف الملام، وبناء على دعاية النظام، هو الولايات المتحدة، وبناء على هذه الرؤية يحمل ساش أمريكا مسؤولية انهيار وقف إطلاق النار، الذي عقده كوفي عنان عام 2012، ويقول كينزر الكلام ذاته: (في عام 2012 انضمت وزيرة الداخلية هيلاري كلينتون، وبجهد ناجح إلى السعودية وتركيا وإسرائيل، لقتل خطة السلام التي اقترحها كوفي عنان؛ لأنها تتكيف مع إيران وتبقي الأسد في السلطة)، وهو كلام غير صحيح، فقد انهار اتفاق وقف إطلاق النار عام 2012؛ لأن النظام قام بقصف الزبداني، وحولها إلى أنقاض، وارتكب نظام الأسد، وبشكل مقصود، مذبحة طائفية في الحولة في 25 أيار/ مايو 2012، وقتل فيها 100 مدني".
ويفيد التقرير بأنه كان من الواجب على ساش وكينزر تشويه سمعة المعارضة المسلحة، التي هي "تمرد تقوده (سي آي إيه)"، كما يقول ساش، وحيث "تم إرسال المرتزقة للإطاحة بنظام الأسد، الذين هم أنفسهم متشددون جهاديون"، حيث يقول ساش دون أن يقدم دليلا واحدا: "لو تمت معرقة الحقيقة، فإن الفضيحة ستنافس بالتأكيد فضيحة ووتر غيت، التي هزت المؤسسة الأمريكية"، ويشير كينزر إلى المقاتلين السوريين باعتبارهم "متشددين عنيفين"، وهم من سيطر على حلب، و"بدأوا موجات من الاضطهاد".
ويكشف الموقع غن أن ساش وكينزر اتهما
الإعلام الغربي بالتغطية على ما يجري في سوريا، حيث يتساءل ساش: "أين هي مؤسسة الإعلام من هذه المهزلة"، وكتب كينزر أن "معظم الإعلام الأمريكي يقوم بنقل عكس ما يجري في الواقع"، لافتا إلى أنه في الوقت الذي يثني فيه كينزر على مراسلي الحرب، إلا أنه يقول إن تقاريرهم المصورة عادة ما تضيع في التفاصيل، و"تتغلب عليها لغة الإجماع في واشنطن، التي تتلقى تعليماتها من النخبة الحاكمة والكذب".
ويقول الكاتب إن "كينزر، الذي لم يذهب نفسه للتغطية الإخبارية، يحاول أن يشوه من يعارضون رؤيته، فمن الصعب أن تجد أحدا يتبنى رواية النظام من ماري كولفين إلى أوستين تايس وجيمس فولي وسام داغر ومايك غيغليو إلى رانيا أبو زيد، مثلما تبناها كل من ساش وكينزر".
ويعتقد أورتين أن كلا من مقالي كينزر وساش يعبر عن أجندة وأوهام تقوم على نظريات مؤامرة، حيث يقول كينزر: "لا توجد لدينا معلومات عن المقاتلين"، مع أن سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا وضح في منتصف عام 2014 أن الولايات المتحدة كانت تعرف من هم المقاتلون منذ البداية، ومع ذلك يقول كينزر إن الأسد وحلفاءه هم فقط من يقاتلون تنظيم الدولة، ويترك كينزر دون توضيح أن حلفاء الأسد هم جماعات طائفية جهادية، أي فيلق القدس وحزب الله اللبناني وكتائب حزب الله العراقي.
وينقل التقرير نصا حرفيا من مقالة كينزر، التي يدافع فيها عن النظام وحلفائه الإيرانيين، و"يشوه الجماعات المعتدلة التي يربطها بجبهة النصرة، ويقول فيها إن السعودية قامت بتمويل تنظيم الدولة، وهو غير صحيح، بالإضافة إلى مزاعم أخرى عن دعم تركيا للجهاديين".
ويعلق الموقع بأن "تنظيم الدولة على خلاف تنظيم القاعدة، تجنب الاعتماد على المتبرعين الخارجيين، حيث لا تشكل هذه التبرعات سوى نسبة 5% من ماليته، ولو أراد كينزر البحث عن مصادر تمويل تنظيم الدولة، فما عليه إلا أن يبحث عن علاقته بالنظام الذي يشتري منه البترول، ويوفر له الطاقة الكهربائية، ولا تختلف نبرة ساش واختلاقه الأكاذيب عن نبرة زميله".
ويخلص أورتين إلى أن "التغطية الإعلامية للحرب في سوريا عانت من مظاهر قصور، فمحاولة النظام وتنظيم الدولة تقديم ما يجري هناك على أنه خيار بينهما، أدى إلى حملة تشويه ضد الإعلام المستقل، فعندما انسحب النظام السوري عام 2012 من شمال البلاد، قام عملاء تنظيم الدولة بملء الفراغ الذي كان شاغرا، وأول شيء فعله التنظيم هو اختطاف الصحافيين، ما جعل من الصعوبة بمكان على الصحافيين العمل فيها، وهو ما نتج عن احتكار النظام والإيرانيين والروس وتنظيم الدولة لما يجري من أحداث هناك، وكان المقاتلون مشغولين بدرجة كبيرة حتى يغطوا الحرب، فهم واجهوا حربا على ثلاثة محاور: النظام ووكلاء حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة".