كتاب عربي 21

في ظل ازدياد الصراع الدولي في المنطقة: أين يقف الإسلاميون؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
حرصت القوى والحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي منذ تأسيسها على رفع شعار أساسي على صعيد الصراع الدولي وهو: "لا شرقية ولا غربية إسلامية إسلامية"، وذلك انطلاقا من الآية القرآنية: "زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار"، كما أنه بعد الثورة الإسلامية في إيران رفع الإمام الخميني شعارا أساسيا وهو: "جمهورية إسلامية لا شرقية ولا غربية".

وكانت القوى والحركات الإسلامية تعدّ الإسلام والمشروع الإسلامي هو البديل الفكري والحضاري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي عن بقية المشاريع الفكرية والسياسية الوضعية، ولاسيما الماركسية والشيوعية والاشتراكية والليبرالية والديمقراطية والرأسمالية، وإن كان بعض الكتاب والمفكرين الإسلاميين حاولوا أحيانا التوفيق بين الفكر الإسلامي والطروحات الأخرى سواء الاشتراكية أو الديمقراطية.

أما على صعيد الصراع الدولي فقد كانت القوى الإسلامية وكذلك الدول التي قدمت نفسها كمشروع إسلامي تؤكد دوما أنها مع الاستقلالية وضد التبعية للدول الكبرى، وكان التحليل السياسي الذي قدمه حزب التحرير الإسلامي منذ تأسيسه: أن العالم قائم على أساس الصراع بين بريطانيا وأمريكا، وأن على المسلمين أن لا يكونوا تابعين لأي محور، ورغم تغير الأوضاع الدولية فقد بقي حزب التحرير يقدم التحليل نفسه.

من جهتهم الإخوان المسلمون أعلنوا مرارا موقفهم المستقل من الصراعات الدولية والإقليمية وإن كانت بعض القوى والحركات الإسلامية المتأثرة بفكر الإخوان انحازت في بعض الأحيان لبعض التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة والعالم واستفادت من الصراعات المختلفة لحماية دورها ووجودها.

ورغم إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران عن استقلاليتها السياسية؛ فإنها دخلت في الصراعات الدولية وعمدت لإقامة تحالفات مع دول إقليمية ودولية من أجل حماية مصالحها ومواجهة أعدائها ولعل ما جرى في أفغانستان والعراق من تلاقي مصالح إيران وأمريكا احد الأدلة على ذلك ومن ثم التقارب الروسي – الصيني – الإيراني في أكثر من ملف.

كما أن القوى الإسلامية الجهادية وبعض التيارات السلفية وبعض الحركات ذات الخلفية الإخوانية تلاقت مع المشروع الاميركي – السعودي – الباكستاني لمواجهة الاحتلال الشيوعي والسوفياتي لأفغانستان في نهاية السبعينات من القرن الماضي. وكان نشوء تنظيم القاعدة كنتيجة لهذا الصراع، وإن كان هذا التنظيم قد عاد وخاض صراعا قويا مع السعودية وأمريكا والدول الغربية.

وأما على الصعيد الفكري فقد شهدنا في السنوات الأخيرة جهودا مكثفة من قيادات وحركات ومراكز إسلامية للتوفيق بين الديمقراطية والإسلام.

لكن التطور الأخطر الذي برز في السنوات العشر الأخيرة كان انخراط بعض القوى والحركات والدول الإسلامية في تحالفات دولية من أجل تحقيق مصالحها أو الدفاع عن مكتسباتها، وتراجع الموقف السلبي الذي كانت ترفعه القوى الإسلامية ضد التدخلات الدولية في الشؤون العربية والإسلامية.

وبعد أن كان الإسلاميون سابقا وخصوصا في النصف الأول من القرن العشرين يرفعون دائما شعار: مواجهة الاحتلال الأجنبي والتصدي لقوى الاحتلال، أصبحنا اليوم نجد قوى وحركات وقيادات ودولا إسلامية ترحب بالتدخلات الدولية في الصراعات الداخلية، وبعض هذه الحركات أصبح منخرطا ضمن تحالفات دولية لإسقاط نظام معين، أو للدفاع عن نظام ما أو مصالح معينة.

ولا تعني الاستقلالية السياسية والفكرية عن الصراعات الدولية عدم الاستفادة من هذه الصراعات، أو عدم البحث عن النقاط المشتركة مع هذه القوى، لكن ما نشاهده اليوم من دخول قوى ودول إسلامية في تحالفات دولية وإقليمية في مواجهة قوى ودول إسلامية أخرى، يؤدي إلى نهاية الموقف الاستقلالي الذي كانت ترفعه هذه الدول والقوى.

ومن هنا تأتي الحاجة لمراجعة أداء هذه القوى والحركات، فإما أن ما تقوم به اليوم هو أداء خاطئ وخطير، وإما أن الشعارات التي رفعتها هذه القوى والحركات الإسلامية كانت شعارات طوباوية وخيالية وخاطئة، وفي كل الحالات نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة ونقد عميق للتجربة الإسلامية على الصعيد السياسي والفكري والواقع الدولي؛ كي نعرف إلى أين نحن سائرون وأين موقع الإسلاميين من الصراعات الدولية في العالم وفي المنطقة.
التعليقات (0)