مع إطلاق
صواريخ عابرة من بحر قزوين واستخدام
طائرات حربية قادرة على تدمير أهداف من على مسافة بعيدة، لم يتوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عرض قوته في
سوريا بهدف إظهار نهوض
روسيا وقدرتها على مواجهة الغربيين.
فمنذ أواخر أيلول/ سبتمبر أبدت
موسكو قوتها من خلال إطلاق حملة قصف مكثفة في سوريا التي تشهد نزاعا، لتحجب التحالف بقيادة الولايات المتحدة وتثير غضب الغربيين.
وهذا التدخل الكبير هو أول عملية عسكرية تقوم بها موسكو خارج حدود الاتحاد السوفياتي السابق منذ الحملة الكارثية في أفغانستان في 1979.
وهو يحصل في منطقة تعتبر منذ سنين منطقة نفوذ للغربيين في طليعتهم الولايات المتحدة. ويرى الخبراء أن الكرملين إنما يسعى من وراء ذلك إلى استعادة القليل من مكانته السابقة كقوة عظمى.
ومع استخدامها أحدث طائرات السوخوي ونماذج سوفياتية قديمة، تؤكد روسيا أنها دمرت العديد من مراكز قيادة ومعسكرات تدريب "إرهابيين"، كما أنها تؤكد دعمها للعملية العسكرية التي يشنها الجيش السوري النظامي.
وقد أقحمت روسيا أيضا في المعركة أسطولها المرابط في بحر قزوين، فأطلقت صواريخ عابرة على أهداف تبعد أكثر من 1500 من موقع الإطلاق.
وهي سابقة ترمي بشكل واضح إلى إظهار القوة العسكرية الروسية.
وقال المحلل السياسي غريغوري محمدوف: "لا أستطيع حقا القول إن كان لذلك معنى عسكريا.. إطلاق صواريخ من بحر قزوين"، وأضاف: "لقد أظهرنا قوتنا، لمن؟ للإسلاميين؟ لا بل للأمريكيين قبل أي شيء آخر".
ومع إطلاق الحملة الروسية، فقد عاد فلاديمير بوتين إلى واجهة المسرح السياسي الدولي بالرغم من عزلته النسبية منذ ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية في آذار/ مارس 2014 وبدء النزاع في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، لفت الخبير ألكسندر باونوف من مركز كارنغي في موسكو إلى "أن بوتين ليس لديه النية في العيش في عزلة على رأس دولة مارقة".
ويعتبر المحللون أن دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد ليس الهدف الوحيد الذي يصبو إليه الكرملين، لكن يبدو أن التدخل الروسي محاولة أوسع للدخول في مزاحمة مع الغربيين، أو حتى ترهيبهم.
ورأى ماتيو رويانسكي مدير مؤسسة كينان، ومقرها واشنطن، أن "التوترات ليست مرتبطة بسوريا أو (تنظيم) الدولة بل بالمبادئ العامة" المتعلقة بالسيادة والتدخل في الخارج.
وأوضح أن "الخلاف (بين روسيا والغربيين) ذهب إلى أبعد من المناورات الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية. وصل إلى حد استخدام القوات العسكرية لإبراز حجة".
لكن الحملة العسكرية في سوريا تجري في وقت تواجه فيه روسيا أزمة اقتصادية خطيرة تفاقمت مع تدهور أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة عليها. ويعتبر بعض المراقبين أن مثل هذه المحاولة الباهظة الثمن لاستعادة هيبتها على الساحة الدولية قد يكون وقعه كارثيا.
وقد أبقى الكرملين النفقات العسكرية بمستوى مرتفع بالرغم من تراجع عائدات الدولة الروسية مع ميزانية دفاعية تقدر هذه السنة بـ46.4 مليار يورو، وهو مبلغ يوازي أكثر من 4% من إجمالي ناتجها الداخلي.
إلا أن التدخل العسكري لفترة طويلة في الشرق الأوسط قد يتسبب بصعوبات اقتصادية إضافية بالنسبة لروسيا، وهو خطر يبدو أن الشعب والسلطات مستعدان لمواجهته، شرط أن يصل إلى غاياته على الساحة الدولية.
وقال محمدوف: "إن الشعب الروسي لن يسمح بصعوبات اقتصادية لخوض حرب ضد تنظيم الدولة، لكنه سيخوضها لهزم الغرب".
ومن تبعات المحاولات الروسية للعودة إلى ساحة الشرق الأوسط، إثارة الانقسامات في المنطقة حيث أدانت دول عديدة تدخل موسكو.
وخلص باونوف إلى القول: "إن السنة يريدون أن تغادر روسيا سوريا لكن الشيعة يريدون أن تبقى".
لكن المحلل فاسيلي كاشين، اعتبر أن حملة روسيا في سوريا "نتيجتها محتومة" وهي تدهور علاقاتها مع تركيا والسعودية وقطر، وهي دول مشاركة في التحالف الأمريكي الذي يشن بدوره غارات جوية في سوريا.
ومنذ الأيام الأولى للعملية الروسية، تصاعد التوتر بين موسكو وأنقرة بعد أن انتهكت طائرات روسية المجال الجوي التركي.
لكن الخبراء لا يعتقدون أن تدخل روسيا سيسيء بشكل دائم إلى علاقاتها مع شركائها العرب.
ورأى رويانسكي أنه "ليس لهذا السبب سيقرر السعوديون فجأة عدم التحادث مع الروس. فهناك كم هائل من المصالح المشتركة، والأمر سيان مع تركيا".