منطقة الشرق الأوسط تشهد حاليا تطورات متسارعة وتمر بمرحلة حساسة وخطيرة تتطلب أي خطوة في أي اتجاه ألف حساب وتفكير طويل، لأنه قد لا يكون هناك خط للرجوع عن الخطأ وتكون فاتورة خطوةٍ خاطئةٍ أكبر مما يمكن تصوره. ولا يمكن أن تظل
تركيا في مأمن من تداعيات ما يدور حولها وما ينتظر المنطقة في الأيام المقبلة. وفي مثل هذه الظروف يفترض أن تستشعر جميع الأحزاب المعارضة مسؤوليتها تجاه أمن البلاد ومصالحها العليا.
المعارضة التركية منذ أن قام الشاب التونسي محمد بوعزيزي بإضرام النار في نفسه لم تستوعب مدى أهمية رياح التغيير التي تهب في المنطقة ولم تدرك ما تعنيه ثورات
الربيع العربي وتطلعات الشعوب وحجم التغيرات. وهذا الخلل ما زال يلقي بظلاله على طريقة تفكيرها ومواقفها من مختلف القضايا الساخنة.
تركيا تناقش هذه الأيام الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بـ"
داعش"، كما أن البرلمان التركي يستعد لمناقشة مذكرة تفويض الجيش للقيام بعمليات عسكرية خارج الحدود، إلا أن التصريحات المتناقضة الصادرة من قادة حزب الشعب الجمهوري تدل على أنهم ما زالوا بعيدين كل البعد عن استيعاب أهمية الوضع وجديته.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو اتهم أردوغان في شهر أغسطس/ آب الماضي، قبل أن يتولى أردوغان رئاسة الجمهورية، بأنه يحاول أن يجر تركيا إلى الحرب بحجة محاربة "داعش"، مضيفا أنهم يرفضون دخول تركيا إلى مستنقع الشرق الأوسط. ثم أعلن بعد حوالي شهر أن تركيا عليها أن تبذل الجهد لحل المشاكل في الشرق الأوسط وأن تنضم إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لتدعم جميع العمليات التي سوف تستهدف "داعش"، إلا أنه عاد قبل أيام وقال إنهم لا يريدون أن يدخل الجيش التركي إلى أراضي دولة أخرى. وإن بدت تصريحات كلتشدار أوغلو في الوهلة الأولى متضاربة إلا أنها منسجمة مع موقف الحزب الداعم للنظام السوري وتدعو إلى ضرب مواقع "داعش" دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط النظام.
البرلمان التركي سيناقش يوم الخميس مذكرة تفويض الجيش التركي للقيام بعمليات عسكرية خارج الحدود في سوريا والعراق عند الضرورة، ومن المتوقع أن يصادق البرلمان على هذه المذكرة. وتشير تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري الأخيرة إلى أن الحزب لن يصوت في البرلمان لصالح المذكرة. وأما حزب الحركة القومية الذي لم يوضح حتى الآن موقفه من المذكرة فأعتقد أنه سيصوت لصالحها كما صوت قبل عامين لصالح مذكرة مشابهة، مراعيا لحاجة تركيا ومصالحها.
تركيا تكمل استعدادها لإقامة مناطق آمنة داخل الأراضي السورية للنازحين الجدد أولا، ليتم فيما بعد نقل بعض المخيمات الموجودة حاليا في تركيا إلى تلك المناطق. وقد تكون المناطق الآمنة على شكل شريط على طول الحدود التركية السورية أو على شكل جيوب في بعض المناطق بعمق 30 أو 35 كيلومترا أو أكثر حسب الحاجة. ويقول الكاتب التركي عبد القادر سيلفي في مقاله الأخير بصحيفة يني شفق المقربة من الحكومة، إن رئيس الأركان التركي الجنرال نجدت أوزل قائد القوات المسلحة طلب في اجتماع مجلس الوزراء -الذي شارك فيه بناء على طلب الحكومة ليطلع أعضاءها على الوضع والاستعدادات- إقامة مناطق آمنة داخل سوريا قبل دخول موسم الشتاء وإن اقتضى الأمر أن تقوم بهذا تركيا بمفردها.
تركيا جاهزة للمشاركة في الحرب على "داعش" بشروطها، والجيش التركي أيضا جاهز للقيام بإقامة مناطق آمنة داخل الأراضي السورية، وقد تشارك الجيش التركي في هذه المهمة قوات أجنبية، لأن مذكرة التفويض التي سيناقشها البرلمان تجيز استخدام القوات الأجنبية للأراضي التركية. ولن يكون لمعارضة حزب الشعب الجمهوري معنى يذكر في ظل تحمس الجيش التركي للقيام بالمهمة التي ستوكلها الحكومة إليه.