قضايا وآراء

حراك الطلاب في أمريكا والغرب ودلالاته

عصام تليمة
فاجأ الطلاب في أمريكا، في جامعة كولومبيا العالم كله بحراكهم تضامنا مع غزة، والقضية الفلسطينية.. (الأناضول)
فاجأ الطلاب في أمريكا، في جامعة كولومبيا العالم كله بحراكهم تضامنا مع غزة، والقضية الفلسطينية.. (الأناضول)
فاجأ الطلاب في أمريكا، في جامعة كولومبيا العالم كله بحراكهم تضامنا مع غزة، والقضية الفلسطينية، ولم تكن المفاجأة في أن التظاهرات في أمريكا، بل كانت على عدة مستويات، من حيث مستوى من قاموا بها، ففي أكبر جامعات أمريكا، وطلبة وأساتذة من مستوى النخبة الأمريكية، أي: أنهم في مستوى وعي سياسي لا يمكن التشكيك به، ولا بدوافعه ونواياه وأهدافه.

ومن حيث وجود طلبة وأساتذة من اليهود في أمريكا والغرب، نزلوا تضامنا مع غزة، ومنددين بالتناقض الصارخ في سلوك الأمريكان والغرب تجاه المجازر التي ترتكب ليل نهار، في ظل تواطؤ الغرب، وسقوط دعاواه في الدفاع عن حقوق الإنسان.

وكذلك من حيث آثاره القريبة التي رآها العالم كله، حيث انتشرت المظاهرات في عدة جامعات أخرى، ووصلت إلى جامعات غربية كبرى، منها: جامعة السوربون في فرنسا، والأمر مرشح للاتساع من حيث رقعة التظاهر، ومن حيث الآثار التي ستترتب على هذا الحراك.

وهنا دلالة مهمة من حيث أعمار من قاموا بالحراك، ومن حيث الآثار المرجوة منه، فأما الأولى، وهي المتعلقة بالأعمار كطلبة الجامعات، فإن هذا العمر لا يستهان به في كل بلد، فإذا كان أثره كبير في بلادنا العربية والمستبدة، والتي لا يزال سقفها في الديمقراطية والحرية متدنيا، بل منعدما، فما بالنا بدول يرتفع السقف فيها إلى درجات كبيرة؟

من قبل كانت مظاهرات الطلبة في جامعة القاهرة سببا في وقف الحرب على العراق، وقت أن كانت القاهرة مركزا للحراك العربي والإسلامي لقضايا الأمة، وكانت الجامعات تنتفض طلبة وأساتذة، وكان قلب مصر النابض آنذاك، مفتاحا لكل خير، ولذا انتبه لذلك الحكم العسكري بقيادة السيسي، فكان أول ما قضى عليه الحراك الطلابي، وحول مباني الجامعات إلى ثكنات عسكرية وأمنية، وحول كل أمر يجري بالانتخاب من اتحاد الطلبة إلى عمداء الكليات، إلى التعيين، وإلى ملف أمني يديره الأمن الوطني، وأصبحت أنفاس الطلبة والأساتذة معدودة، وذلك تمهيدا مبكرا لمثل هذه الأحداث.

فكم من حراك طلابي في جامعات مصر من شرقها لغربها، من جامعة الأزهر بكل أقسامها وفروعها، إلى جامعات القاهرة بكل فروعها كذلك، كانت المظاهرات على كل حدث يتعلق بالأقصى وفلسطين، يجوب جنبات الجامعات، ويتردد صداه في الإعلام، والنقابات المهنية: أطباء، ومهندسين، وغيرها.

إذا كان أثر المظاهرات الطلابية في بلادنا بهذا الحجم، فما بالنا بدول كأمريكا والغرب؟ الأثر أقوى وأشد، وهو ما أصاب نتنياهو والكيان الصهيوني بالرعب والهلع، لخسارتهم على أكثر من مستوى، سواء الشعبي، أو السياسي، أو الإعلامي.

ما نراه من بعض المعاملات الشديدة مع الطلبة، والاعتقال، وفض الاعتصامات، لولا هذه المجتمعات القوية، وما بها من مؤسسات، لما فرق أداؤهم عن دول العالم الثالث تماما، وهو ما بدا من عبارة ترامب الرئيس الأمريكي السابق حين قال عن السيسي ممتدحا إياه بقوله: ديكتاتوري المفضل، فهو يعبر عن نفسية معظم الزعماء الغربيين، فهم بداخلهم يتمنون الاستبداد، ولو أتيحت له الفرصة لفعل، ولا يردعه عن ذلك خلق أو تربية سياسية أو حقوقية.
أما الدلالة الثانية من هذا الحراك الطلابي، فهي دلالة: أن المجتمعات القوية، تظل حصانة كبرى ضد الاستبداد، فلولا مؤسسات المجتمع القوية في أمريكا والغرب، لفعلوا مثلما يفعل في بلادنا بالمتظاهرين تماما، ولا يتورع سياسي أو أمني عن فعل أي درجة من التجاوز.

فما نراه من بعض المعاملات الشديدة مع الطلبة، والاعتقال، وفض الاعتصامات، لولا هذه المجتمعات القوية، وما بها من مؤسسات، لما فرق أداؤهم عن دول العالم الثالث تماما، وهو ما بدا من عبارة ترامب الرئيس الأمريكي السابق حين قال عن السيسي ممتدحا إياه بقوله: ديكتاتوري المفضل، فهو يعبر عن نفسية معظم الزعماء الغربيين، فهم بداخلهم يتمنون الاستبداد، ولو أتيحت له الفرصة لفعل، ولا يردعه عن ذلك خلق أو تربية سياسية أو حقوقية.

وما كان يردده البعض عن أن ما يفعله الحكام العرب بشعوبهم، أشد فظاعة مما يفعله الكيان بالفلسطينيين، والمقارنة بين عدد الشهداء في غزة، وعدد الشهداء في رابعة، هو كلام عاطفي لا ينطلق من حقائق، فمن يقدم على قتل شخص بريء، دون رداع له، لن يتورع عن قتل آلاف عندما تحين له الفرصة، الذي يمنع أو يترك الباب مفتوحا: هو المساحة المتاحة للإجرام والاستبداد، وهذا أمر يختلف من مكان لمكان، حسب المؤسسات الموجودة في هذا البلد، فكلهم في الإجرام سواء.

وهو ما تجلى في سلوك رئيس جامعة كولومبيا، والتي عاشت سنين عددا في أمريكا، وتركت مصر منذ سنوات طويلة، ولكن ذلك لم يصنع منها أكاديمية حرة، تحترم العرف الأكاديمي، والمجتمع الحر الذي تعيش فيه، ولتنظر إلى العربي والغربي في الغرب، يحترم إشارة المرور، لكنهما عندما يأتيان لبلادنا كلاهما يكسر الإشارة، ويفعل ما يفعله الناس الجهلة بعدم تقدير الأمر.

فالذي يصنع احترام الحقوق والدساتير والقوانين: المجتمعات القوية، وهو ما حرص الغرب على عدم توفره في بلادنا، ودعم المستبدين وبقائهم في سدة الحكم. وهي النقطة المهمة التي أغاظت الكيان الصهيوني، أن قضية غزة وصلت لمثل هذه المجتمعات، وسواء كان للمسلمين والعرب في الغرب فضل في ذلك أم لا، فهي نقطة تحول في القضية، ينبغي السعي لتكبيرها ورعايتها، فإن غزة وأهلها يستحقون أكثر من ذلك، فيكفي أن شعبا عاش أكثر من ستة أشهر يقصف ليل نهار، ويباد بكل ألوان الأسلحة، ومن جنود من شتى بقاع الأرض، ولا يزال صامدا، مستمسكا بحبل الله المتين، وبحقه في البقاء والعيش على أرضه.

[email protected]
التعليقات (0)

خبر عاجل