مظاهرات الطلبة في الغرب، واعتصاماتها السلمية؛ تعاطفا مع
غزة،
وتضامنا مع قضيتها، واتساع رقعة التظاهر، وما يتوقع من آثار لهذه المظاهرات
والتفاعل مع ما يجري بشكل بات يخيف نتنياهو والكيان الصهيوني، من فقدان التعاطف
العالمي الذي كان مضمونا طوال عقود مضت، ولا شك أن هذا الحراك كله خير، والمتوقع
من آثاره أن يحدث تغيرا في معادلة القوة الناعمة تجاه أهل غزة، وقضية
فلسطين بوجه
عام.
لكن من أهم الآثار الإيجابية والمهمة في هذا الحراك، هو ما رصد من رد
فعل السلطات الغربية من أمريكا ودول أوروبية، تجاه هذه الاعتصامات الطلابية
السلمية تماما، فقد رأينا الشرطة في أكثر من مكان تنزل وتعتقل وتفض الاعتصامات
بشكل فيه خشونة، ذكر الناس بسلوك السلطات والشرطة في البلاد العربية ودول العالم
الثالث، وأضحى واضحا للجميع أنه لا فرق بين مستبد الشرق والغرب، فهما وجهان لعملة
واحدة، كل ما هنالك أن وجها ناعما بعض الشيء في العملة يبرز للناس، لكنه لو قلبها
على الوجه الآخر سيجد بقية الوجه الحقيقي وهي القوة الخشنة والمفرطة.
ما كنا نراه من مشاهد جذب الطلبة والطالبات من الشرطة المصرية،
لقيامهم بمظاهرات ضد الانقلاب العسكري في مصر، وما كنا نراه من مستبدي بلادنا في
مواجهة المظاهرات والاعتصامات السلمية، وفض هذه الاعتصامات على مرأى من العالم
كله، فقد كان فض رابعة وبقية الميادين تحت سمع وبصر العالم الغربي والعربي جميعا،
ثم دعم هذا العالم الغربي للسيسي المنقلب.
بل الأنكى أنه كانت تأتي السيدة كاثرين آشتون لمصر، ممثلة أنها تقوم
بدور وساطة بين قادة الانقلاب وقيادات الاعتصام السلمي، وفي فترة وجودها يتوقف
العسكر عن مجازره، وبمجرد ركوبها الطائرة وخروجها من مصر، تبدأ المجازر، وكنا
نلاحظ أن أكبر المجازر التي تمت على يد الانقلاب العسكري، كانت تتم بعد مغادرتها
مباشرة.
نفس السياق هو ما نراه حاليا في مأساة غزة، حيث تفضح الحكام الغربيين
تصريحاتهم وأعمالهم الحقيقية على الأرض، فتخرج تصريحات للأمريكان بتهديد الكيان
الصهيوني بأنها ستتوقف عن مده بأسلحة لعدم تجنبهم قتل المدنيين، ثم بعد أيام قلائل
تصرح نفس القيادات السياسية الأمريكية، بأنهم دققوا في الأمر، وأن الصهاينة لا
يتوسعون في قتل المدنيين، وأنهم برآء من الأمر!!
وبالطبع لم يكن تهديد الأمريكان جادا ولا حقيقيا، بل هو من باب ذر
الرماد في العين، أو اصطناع الحياد، وبايدن نفسه قد فضحته تصريحاته، وفضحت سياسته
وسياسة أمريكا، حيث كان يصرح بأنه لن يرتاح حتى عودة الأسرى الإسرائيليين، وكأن
الأمر لا أهمية فيه سوى للأسرى الصهاينة، بينما أسرى الفلسطينيين في سجون
الاحتلال، وقتل المدنيين ليل نهار لا يمثل أدنى أهمية في إدارته، وهو نفس ما يصرح
به ترامب من باب كسب الدعاية الانتخابية ضده.
تفضح الحكام الغربيين تصريحاتهم وأعمالهم الحقيقية على الأرض، فتخرج تصريحات للأمريكان بتهديد الكيان الصهيوني بأنها ستتوقف عن مده بأسلحة لعدم تجنبهم قتل المدنيين، ثم بعد أيام قلائل تصرح نفس القيادات السياسية الأمريكية، بأنهم دققوا في الأمر، وأن الصهاينة لا يتوسعون في قتل المدنيين، وأنهم برآء من الأمر!!
لا يختلف الموقف كثيرا عند السلطة المصرية، فالمعلن شيء والفعل مناقض
تماما له، فالمعلن هو تنديد السلطة في مصر ضد احتلال إسرائيل لمعبر رفح، ومن ثم
إغلاقه، والتلويح بالتضامن مع جنوب إفريقيا في قضيتها ضد الكيان، ومطالبة إسرائيل
بأنه لا بد من فتح معبر لمساعدة المدنيين إنسانيا، هذا ما يتاجر به النظام في مصر،
بينما يسجن ويعتقل من تضامنوا أو تظاهروا لأجل غزة، وهو ما يكشف أن الاحتجاج وطلب
فتح معبر، هو بهدف عودة سبوبة الأموال التي تدفع لمن يعبرون من غزة لمصر، فيما
نشرته عربي 21 ومواقع أخرى، بما يفضح النوايا الحقيقية لهذا المواقف التمثيلية.
لا جديد في السياسة المتبعة تجاه غزة وأهلها، وتجاه القضية
الفلسطينية، من الدول الغربية التي صنعت الكيان الصهيوني على عينها، ولكن الجديد
هو هذا الحراك الطلابي الذي فضحهم، وعراهم تماما أمام العالم، وأن رعايتهم الحريات
التي يدعونها هو للاستهلاك، ولا وجود له على أرض الواقع حين يتعلق الأمر بالملف
الإسرائيلي الفلسطيني، ولو لم يكن من فضل لحراك الطلبة في الغرب وأمريكا سوى هذه
التعرية لكفى.
وهو حراك من طلاب يضحون بمستقبلهم، وحياتهم، بعد أن كنا نظن أن
التظاهر مهلكة في بلادنا فقط، لكنه الآن يأتي من طلاب يعدون من نخبة المجتمع
الجامعي وصفوته، وما ينتظرهم من عقاب من اللوبيات الصهيونية في الغرب وأمريكا، قد
يؤدي إلى التضييق عليهم بعد التخرج من العمل، ومع ذلك أقدموا على خطوة التظاهر
والاعتصام السلمي، فهو حراك يؤدي لإيجابيات على عدة مستويات، وإن كان يجعلنا نقف
خجلى أمام عالمنا العربي والإسلامي الذي لم يقم بربع ما قام به هؤلاء الطلاب.
[email protected]