كتاب عربي 21

تركيا بين العنصريين والمتربصين

إسماعيل ياشا
تركيا تعاني منذ فترة من التساهل مع الأحداث التي تمس بالأمن والأمان، ويقف وراءها شباب تأثروا بالأفلام والمسلسلات التي تمجد رجال المافيا والعصابات- (الأناضول)
تركيا تعاني منذ فترة من التساهل مع الأحداث التي تمس بالأمن والأمان، ويقف وراءها شباب تأثروا بالأفلام والمسلسلات التي تمجد رجال المافيا والعصابات- (الأناضول)
امتلأت وسائل الإعلام التقليدية والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة بأنباء ضحايا الانتهاكات والجرائم التي وقعت في تركيا بسبب تحريض العنصريين ضد العرب عموما واللاجئين السوريين على وجه الخصوص.

وتباينت الآراء والتعليقات بين تحذير المخلصين من عواقب تفشي العنصرية في تركيا، وركوب المتربصين على الموجة لينشروا أكاذيبهم من أجل تنفيس أحقادهم وتشويه سمعة الشعب التركي بأكمله وكأن العنصرية ليست مصيبة يعاني منها كل شعب من شعوب العالم، ولو بدرجات متفاوتة.

ونشرت وسائل إعلام روسية وعربية تقارير كاذبة تصور حادثة قتل شاب تركي في محل لبيع الخمور من قبل شاب تركي آخر بعد تلاسن جرى بين الطرفين، على أن الضحية شاب سوري يعمل في البقالة وأن جريمة القتل ارتكبها الأتراك بدوافع عنصرية. وشنت اللجان المعروفة باسم "الذباب الإلكتروني" حملة تشويه وتحريض ضد تركيا، رغم تحسن العلاقات التركية الخليجية في الآونة الأخيرة.

تقارب تركيا مع العالم العربي من الخليج حتى أقصى المغرب يقض مضاجع قوى دولية وإقليمية، كما أن هناك معارضة تركية ترى أن هذا التقارب يصب في صالح الحكومة، وبالتالي فهي تعتبره خطرا عليها حتى لو كان لصالح البلاد. ولذلك، يتوقع أن تكون هناك محاولات مختلفة للإيقاع بين العرب والأتراك لضرب التقارب العربي التركي. إلا أن هذا الأمر المتوقع لا يعفي الحكومة التركية من المسؤولية.

صناع القرار في البلاد لا ينبغي أن يتصرفوا وكأنهم مجرد محللين أو كتاب رأي يعلقون على الأحداث، ولا يملكون صلاحيات لاتخاذ القرارات، ولا يتحملون مسؤولية تفرض عليهم البحث عن حلول للمشاكل والأزمات. ولم يعد الوضع يحتمل الاكتفاء بإلقاء تصريحات وخطابات رنانة عن الأخوة ورفض العنصرية والكراهية. بل نحن بحاجة ماسة إلى قوانين رادعة، وتطبيقها بشكل حازم لتحقيق العدالة.

الحكومة التركية يبدو أنها لم تدرك حتى الآن مدى خطورة التساهل مع جرائم العنصرية والتحريض ضد اللاجئين. لأن الأزمة تتفاقم يوما بعد يوم وتسير نحو جر البلاد إلى الهاوية. وتشير كافة المؤشرات إلى أن عدم وضع حد لحملات التحريض وجرائم العنصريين سيهدم كل ما تم بناؤه خلال العقدين الأخيرين من صورة مشرقة ومواقف مشرفة وآمال في نصرة المظلومين. كما أن لعنة العنصرية لن تقف عند معاداة اللاجئين فحسب، بل ستطال  كافة العرب، كما رأينا في حادثة الاعتداء على الطفل اليمني وأخيه في إسطنبول، وستستهدف أيضا المواطنين الرافضين لجرائم العنصريين.

تركيا تعاني منذ فترة من التساهل مع الأحداث التي تمس الأمن والأمان، ويقف وراءها شباب تأثروا من الأفلام والمسلسلات التي تظهر رجال المافيا وشبكات الجرائم المنظمة كأبطال. وفي هذا الإطار، ذكر رجل أعمال تركي في حسابه على موقع تويتر أنه تعرض لهجوم مجموعة من الشباب المغامرين حين أراد أن ينبه صاحب سيارة كانت تغلق باب موقف السيارات، كما أنه نشر مقطع فيديو يظهر تلك اللحظات، مضيفا أنه لم يتم فتح التحقيق في الحادثة لتحال إلى القضاء رغم مرور 150يوما.

تقارب تركيا مع العالم العربي من الخليج حتى أقصى المغرب يقض مضاجع قوى دولية وإقليمية، كما أن هناك معارضة تركية ترى أن هذا التقارب يصب في صالح الحكومة، وبالتالي تعتبره خطرا عليها حتى لو كان لصالح البلاد. ولذلك، يتوقع أن تكون هناك محاولات مختلفة للإيقاع بين العرب والأتراك لضرب التقارب العربي التركي. إلا أن هذا الأمر المتوقع لا يعفي الحكومة التركية من المسؤولية.
الأتراك أنفسهم كثيرا ما يطالبون بعقوبات رادعة تجعل المجرمين يفكرون ألف مرة قبل أن يرتكبوا جرائمهم، ويشتكون من أن المجرمين يتم إطلاق سراحهم بعد يوم أو يومين من الاعتقال أو لا يتم اعتقالهم في كثير من الأحيان.

إن كان الأتراك أنفسهم يعانون من أعمال العنف فيعني ذلك أن الخطر الذي يهدد اللاجئين وغيرهم من العرب أكبر، نظرا لوجود حملات التحريض التي تستهدفهم، كما أن الأتراك يعيشون في بلادهم وبين ظهراني أسرهم وأقاربهم، بينما يعيش اللاجئون وغيرهم في الغربة، ويخافون من الترحيل القسري في حال استنجدوا بأصدقائهم للدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي يجعلهم مكشوفين أمام أعمال العنف أكثر من الأتراك.

القول بأن الاعتداء على الطفل اليمني مشاجرة بين عائلتين تبسيط للمشكلة، كما أن التبرير بأنه من الأعمال الفردية يؤدي إلى تفاقم الأزمة وانتشار الجرائم. ومن المؤكد أن رمي المسؤولية برمتها على زعيم سياسي عنصري لا يتمتع الآن بالحصانة البرلمانية هروب من الاعتراف بالتقصير والقيام بالواجب، علما بأنه كان على الحكومة التركية أن تعاقب جرائم العنصرية في بدايتها لتكون عبرة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على اللاجئين أو غيرهم من السياح والمقيمين.

المتربصون سيستغلون الثغرات وأعمال العنصريين للنيل من تركيا، ولكنهم لا يلامون على ذلك، لأنهم يقومون بمهامهم. بل الواجب على الحكومة التركية ألا تمنح لهم هذه الفرصة من خلال لجم العنصريين. وحينئذ لن يجد المتربصون آذانا صاغية لأكاذيبهم وستفشل -بإذن الله- محاولات الإيقاع بين العرب والأتراك تلقائيا.

*كاتب تركي
التعليقات (5)
حنين بوظو
الأربعاء، 02-08-2023 09:30 م
نعم، لا بد من عقوبات صارمة تنفذ بحق الجاني، والا تحولت البلاد الى غابة، للأسف فالتراخي يعني المزيد من العنف والمزيد من الفوضى، وهذا ما لاتحمد عقباه
عربي محب لتركيا
الأربعاء، 02-08-2023 07:38 م
من الأهمية أن تقف الحكومة التركية التي فرح العرب من المحيط إلى الخليخ لفوزها بالانتحابات، أن تقف في وجه العنصرية التي بدأت تطل برأسها منذ فترة، وأن التقاعس عن محاربة هذه الشوفانية المقيتة مرفوص جملة وتفصيلا، حيث أن حب العرب لتركيا لا يعني التفريط بكرامتهم... لم نسمع عن عربي أهين في إيران الشيعية التي يمقتها أغلب العرب، مع علمنا عن عنصرية الفرس وكرههم الشديد للعرب منذ معركة القادسية وحتى يومنا هذا. إذن لصالح من التلكأ في القضاء على العنصرية ومحاسبة كل من تسول له نفسة بالإساءة لتركيا ودق الأسفيل بين العرب وتركيا، وهنا على المسؤولين في تركيا الإجابة. وليكن معلوم إن لم يتم الضرب بشدة على ايدي مثيري الفتنة فمن المؤكد أن العرب، أقصد الشعوب العربية، سيعدوا النظر في علاقاتهم الأخوية من تركيا وفي الحكومة التركية، وستخسر عندها تركيا كثيرا، وبالطبع هذه ما يريده أعداء تركيا والعرب.... يرجى تحكيم العقل وتفعيل رابط الايمان والتاريخ الذي يجمعنا معكم، فالعرب والأمة الإسلامية تعلق على حكومة تركيا الآمال فلا تخيبوا ظنها، هذا إن كنتم كما روجتم لأنفسكم كحملة للواء توحيد الأمة والدفاع عن قضاياها، ... أنتم الآن أمام أول اختبار ... إن كنتم قوميون إتراك فاخبروا الامة حتى تبحث عن غيركم .... أو يهيأ لها الله عز وجل من يعيد لحمتها ويبني مجدها.... وما ذلك على الله ببعيد .... اكتب ذلك بعد تردد كبير لكن عنصرية بعض أبناء جلدتكم قتلتنا
صلاح الدين الأيوبي
الأربعاء، 02-08-2023 06:58 م
مشكور أخي الكاتب، بالطبع تحذير في محله، وسيقوله أي محب مخلص لتركيا. تركيا تخسر كثيرًا ليس ما حققته في العقد الماضي من سمعة طيبة فحسب بل تخسر اقتصاديا واستراتيجيا بشكل هائل بهروب نخبة العرب الذين قلنا مرارا وتكرارا أنهم ثروة قومية وقوة ناعمة وخشنة سقطت على تركيا من السماء ودون عناء يذكر بفضل فشل الربيع العربي، لكن القاعدة تقول الكفران بالنعمة يوجب العقاب، وقد بدت بشائره لمن يعقل، أما لو استمر التجاهل فالعاقبة ليست وردية لهذا البلد. وعموما الجزاء من جنس العمل. ولله الأمر من قبل ومن بعد
همام الحارث
الأربعاء، 02-08-2023 04:47 م
العنصرية هي من اختراعات إبليس اللعين أو الشيطان الرجيم حيث من المعلوم من الدين بالضرورة أنه في بدء خلق البشر ، أمر الله سبحانه و تعالى الملائكة و معهم الجنَي إبليس أن يسجدوا لآدم أول البشر فرفض إبليس تنفيذ الأمر و قال قولته المشهورة " ... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " أي أنه جعل "عنصر" النار أفضل من "عنصر" الطين بحماقة بالغة و بضيق فِكْرٍ لا يتفق مع بديهيات العقل و المنطق و القياس السليم . جاء الإسلام ليرسي قاعدة "أن لا تفاضل ولا تمايز بين الناس إلا بالتقوى و ما ينبثق عنها من العمل الصالح النافع " مصداقاً لقوله جلَ جلالُهُ في الآية 13 من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". صهر هذا الإسلام أتباعه ، من أصول و منابع شتى ، في بوتقة واحدة و أصبحوا بنعمة الله إخواناً متحابين و مضت قرون على تأليف قلوبهم حتى قدوم الأعداء الحاقدين على الدين المنزل من رب العالمين و كانت بداية تحرك الأعداء غزو ثقافي فكري يُفسِد العقول و يبث الكراهية بين قوميات المسلمين الكبرى " العرب ، الأتراك ، الأكراد" و لقد بذل الأعداء الأموال الكثيرة و الجهود الضخمة في سبيل ذلك . تجاوبُ هذه القوميات ، مع التضليل الاستعماري المُعادي ، أوجد الفُرْقة و التنازع مما أدى إلى نجاح الغزو العسكري و تفتيت الدولة العثمانية "آخر دولة كانت تجمع أمتنا الماجدة" . الغريب العجيب أن مِن أبناء جلدتنا في القوميات الثلاثة من يدافع بضراوة عن "قُدسية" حدود سايكس – بيكو و مشاريع و خطط الاستعمار القديم و الاستعمار الجديد . هذا المُدافِع إما أنه لا يدرك أنه فريسة للتضليل و الخداع أو أنه يرتكب متعمداً خيانة الأمة و يضحَي بمصلحتها في سبيل مطامع شخصية " منصب ، مال ، شهرة ..." مع أن الحكمة الماثلة عبر التاريخ هي " قطعت المطامع أعناق الرجال" . أين القوميين العرب الآن ؟؟؟ حسب معرفتي الشخصية : لقد صاروا في خبر كان و لم يعودوا بالنفع لا على أمتهم و لا على أوطانهم و لا على أخصَ أقاربهم . خلاصةُ ما فعلوه كان في مثلٍ تقوله العامة البسطاء " أحْرُث و أدْرُس لبطرس" !
أنثروبوليجيست
الأربعاء، 02-08-2023 03:19 م
نرجو من كاتب هذا المقال أن يترجمه ويرسله للرئيس رجب اردوغان والى وزير شرطته والى رئيس مخابراته.وليقم هو بتوزيعه على حكام الولايات ورؤساء البلديات خصوصا بلدية بولو وإمام أغلو.والبقية المعروفين والفاعلين فى الحكومة من العنصريين..ونرجو ان لايمسى من إرساله لضباط جوازات المطارات. والحدود فالعنصرية والغلظة مع العرب بصفة خاصة يمكن ان توثق وقد تحدث عنها الجميع. أنا أعرف تركيا من كارس الى ادرنه ومابينهم ومن ريزا الى أخر نقطة فى جنوب غرب تركيا واعرف التركية من ضمن لغات اخرى..العنصرية التركية هى نسخ وتقليد وتطبيق لنفس العنصرية النازية الفاشية الالمانية والتى يعامل بها التازيين الاتراك المهاجرين أقتصاديا لألمانيا.فالتبرير والهروب وزعم ان من يشتكى من عنصريين نازيين فاشيبن اتراك هو عملةذباب الكترونى..هو ايضا عبث وهروب وتمويه وإنكار لواقع شاهدناه وسمعناه مئات المرات من اتراك من مختلف الطبقات..كزعمهم ان السوريين مثلا يتلقون مرتبات من حكومة تركيا وانهم يأخذوا الوظائف والاعمال وانخم سبب الغلاء والتضخم الى آخر تلك الاكاذيب التى عمل اردوغان وحزبه واتباعه على ترويجها عند قدوم السوريين لتركيا هربا من بش سفاح سوريا. أردوغان اليب المسلم الذى اكن له كثيرا من المودة..يبدو انه شاخ..هرم..وبات همه هو اصلاح الخراب الاقتصادى الذى تعيشه تركيا..تضخم..وانخفاض قيمة الليرة واحزاب معارضه تكتسب شعبية جارفه رغم كل عيوبها..وتلعب فى ميدان البطالة والعابثين والماديين وتجندهم وترحب بهم. أردوغان الطيب المسلم..دخل او ادخل فى جحر الميكافيليه..همه الفلوس بأى طريقة ومن أى مصدر..حتى من قتلة او فاسدين دينيا او جبابرة طغاة. أردوغان من أسف دخل عالم الكلام والإعلام للإستهلاك الشعبى ليضمن إستمرارية حزبه بعد تقاعده او مرضه لاسمح الله. لعل أردوغان يفعل شيئا ملموسا عمليا فاعلا لحماية اللاجئين والغرباء فى تركيا من أفغان او عراقيين سنة لاينشروا التشيع بين الاتراك كما يفعل شيعتهم وشيعة إيران تحت غطاء حبوآل البيت، وليت اردوغان يقضى او يوقف بعدالة المسلم الحق..لا المسلم بياع الكلام والخطب.يوضع قوانين ونظم تحمى فعليا الغرباء وتعاقب بجديه وصرامه النازيين الأتراك فى كل المجالات ومهما كانوا. حمى الله تركيا وجعل الإسلام العملى الحقيقى منهجها..لا إسلام المظاهر والرياء والوصوليه. والله غالب على امره.

خبر عاجل