قضايا وآراء

القصف الإعلامي على البنية الاقتصادية التركية

ياسر عبد العزيز
تروج تقارير اقتصادية وإعلامية أن الأزمة في تركيا لن تحل إلا برحيل أردوعان- جيتي
تروج تقارير اقتصادية وإعلامية أن الأزمة في تركيا لن تحل إلا برحيل أردوعان- جيتي
على الرغم من أنها شملت روح وفلسفة القيادة للقرن القادم والتي تشمل قيم النجاح والرأفة والقوة لأصحاب الحق، شملت رؤية تركيا للقرن الحالي أيضاً الرؤية للعلم والنجاح والإنتاج، على أمل أن يكون القرن الحالي هو الاستدامة، ما يعني أن الرؤية الاقتصادية المبنية على القيم هي ما شكّلت محور مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ ما يزيد عن شهر.

مشروع أثار جدلاً واسعاً على مستوى المؤيدين الذين رأوا فيه طموحاً كبيراً رغم الظروف الاقتصادية التي تعيشها تركيا مدفوعة بأزمات متتالية يعيشها العالم، قبل أزمة الإغلاق الذي عاشه بسبب جائحة كورونا في ظل حالة انكماش اقتصادي عالمي شبهها بعضهم بالأزمة الاقتصادية العالمية التي هددت اقتصادات دول كثيرة وانهارت بسببها البورصات العالمية، لتفاقم جائحة كورونا والإغلاقات التي شهدها العالم وأثرت على سلاسل الإمداد؛ الأزمة الاقتصادية العالمية. وتأتي الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا لتؤكد المؤكد وتفاقمه، مع توقف شبه كامل للنفط والغاز الروسي، الذي تعد تركيا محوراً مهماً لمروره للعالم، الأمر الذي أثر بطبيعة الحال، مع كل ما سبق، على الوضع الاقتصادي في تركيا.
تصاحب هذه السياسات الاقتصادية والمالية عمليات قصف إعلامي اعتادته الحكومة منذ سنوات، قصف لا يراه المراقبون مبنياً على منهج حقيقي ولا يقدم حلولاً بديلة، فيما لو كانت هناك رؤية، لكنه مؤثر إلى حد بعيد، تؤكده الحالة الاقتصادية التي يعيشها العالم ومن ثم تركيا

الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه العالم ومن ثم تركيا؛ حاولت أنقرة تفادي آثاره بحزمة من الحوافز الاقتصادية على مستوى القوانين، وتصفير المشكلات ومحاولات استعادة الأموال الفارة من السوق التركي بعد محاولة الانقلاب في 2016، لأسباب سياسية لا اقتصادية، وترميم ما أفسده سحب تلك الأموال في الاقتصاد المبني بالأساس على الأموال الساخنة، وهو ما قابلته قرارات في السياسة المالية. قد يبدو لبعضهم مخالفة هذه السياسات الاقتصادية الإصلاحية سالفة الذكر، منها التصميم على خفض سعر الفائدة، ما يعني حرمان السوق التركي من الأموال الساخنة، سبب انتعاش السوق في السنوات العشرين الماضية، من جهة، وعدم معالجة التضخم الذي يعيشه العالم وتركيا من جهة أخرى.

تصاحب هذه السياسات الاقتصادية والمالية عمليات قصف إعلامي اعتادته الحكومة منذ سنوات، قصف لا يراه المراقبون مبنياً على منهج حقيقي ولا يقدم حلولاً بديلة، فيما لو كانت هناك رؤية، لكنه مؤثر إلى حد بعيد، تؤكده الحالة الاقتصادية التي يعيشها العالم ومن ثم تركيا. هذا القصف لم يكن مؤثراً في الماضي في ظل معدلات التنمية المتصاعدة، ونسب التضخم الثابتة والتي كان يغطي عليها النمو، وهو ما لم يعد يستشعره المواطن العادي، وتحول مع التحولات، رغم الزيادات في الحد الأدنى للأجور والمعاشات المستمرة لتخفيف العبء عن الفئات الضعيفة والمهمشة، والحفاظ على مستوى الفئات المتوسطة الأوسع بين شرائح المجتمع.

لكن القصف الآن بدا وكأنه منظم بعد أن بدأ إعلام المعارضة يستعين بمؤسسات غربية، منها ما هو مغمور، للتدليل على ضعف أداء الحكومة وفشل سياساتها في المستقبل. ولعل اللافت خلال هذا الأسبوع، ما أوردته إحدى صحف المعارضة وتناقلته باقي المنصات الصحفية الإعلامية المعارضة في نقل ينافي حتى المهنية.. فبحسب هذه الصحف والمواقع فإن الاقتصاد التركي يعاني إلى حد وصل إلى حافة الانهيار، مستندين في الوصول إلى هذه النتيجة على تقرير لبنك ويلز فارجو الأمريكي الذي تناول خلاله الانتخابات الرئاسية التركية كأحد المحاور الأساسية لعام 2023. وأشار التقرير إلى أن الانتخابات الرئاسية القادمة قد تغير مسارات الاقتصاد، وأن معدلات التضخم قد تتغير لو تغير النظام ورئيسه، ويبنون في ذلك على أن الرئيس الجديد سيعتمد بالنتيجة سياسة اقتصادية ونقدية مختلفة عن المتبعة الآن، ما سيحقق حالة من الانتعاش الاقتصادي ومن ثم ستدفع الدولة إلى الرفاهية الاقتصادية، بعد السيطرة على التضخم الذي تسببت فيه الإدارة الحالية، متناسين كل العوامل العلمية والواقعية للاقتصاد العالمي والذي تأثر به بالضرورة الاقتصاد التركي.

وعلى فرض أن التقرير الاقتصادي الأمريكي يستند إلى شواهد علمية، لكن حديث التقرير عن أن تغيير النظام في تركيا هو الحل لخروج البلاد من أزمتها، حيث ترفض الإدارة المالية التركية رفع نسب الفائدة في حالة عدم تماه مع البنك الفيدرالي الأمريكي، أو بمعنى آخر، أن الإدارة التركية تتمرد على النظام المالي العالمي الذي يضع خطوطه ومحدداته الفيدرالي، حيث أوضح تقرير البنك أن تركيا غارقة في معدلات تضخم مرتفعة، وأن الإدارة الجديدة -لو تمت الإطاحة بالحالية- ستطبق سياسات جديدة ستدفع الدولة إلى الرفاهية الاقتصادية.. فكأن البنك قد عرف من سيأتي ويعرف خططه، بل يبدو من صيغة التقرير أن هناك اتفاقات مسبقة بين راسمي السياسات المالية في العالم وبين من سيحل محل الإدارة الحالية.

ملحوظة على هامش الحديث عن بنك ويلز فارجو، فهو واقع في سلسلة من الفضائح المالية والإدارية جعلته محل مساءلة من الكونجرس الأمريكي، أشهرها الاحتيال لمنع مجلس الاحتياطي الفيدرالي من الوصول لحقيقة قاعدة أصوله التي تبلغ قيمتها تريليوني دولار.

وكالة رويترز، هي الأخرى، كشفت عن تلك النوايا الدفينة تجاه الإدارة التركية الحالية، بإعلان تطلب فيه صحفيين للعمل كمراسلين لها من تركيا، وصدرت طلب التوظيف بكلمات، ليس فقط تقذف بها في هاوية الصحافة الصفراء، بل تضعها تحت طائلة القانون، حيث كتبت رويترز في إعلانها..

"خلال عقدين من حكمه، أبعد رجب طيب أردوغان تركيا عن التقاليد العلمانية الحديثة، وركز على وجود دبلوماسي وعسكري طموح في مناطق تمتد من جنوب القوقاز إلى شمال أفريقيا. يواجه أردوغان خطر خسارة الانتخابات المقبلة بسبب مشاكل التضخم وتراجع الليرة التركية، نحتاج إلى أشخاص بارعين في الكتابة وتجهيز التقارير حول هذا النوع من المواضيع".
على الرغم من أن تركيا العدالة التنمية طورت كثيرا في صناعتها العسكرية، لا تزال الصناعة الإعلامية في تركيا العدالة والتنمية تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد والاستفادة من الخيرات المهنية المتواجدة على أراضيها بعد الربيع العربي ومن الكوادر التركية الوطنية المخلصة المنتشرة في أنحاء العالم

هذا الإعلان بوسم الخيانة، فكأن الوكالة تطلب عميلاً لا صحفياً، ومع الأسف ستجد من الكارهين والطامحين والطامعين من يلبي طلبها لينضم إلى كتيبة القصف الإعلامي ضد هذا البلد وإدارته التي تريد لشعبها أن يُعتق من رق يقع فيه الشرق الأوسط، إلا الاحتلال في فلسطين. فتركيا ترغب أن تشكل حالة يقتدي بها جيرانها وتتحرر من قيود سياسية واقتصادية، وتدعو في ذلك جيرانها وكل الرازحين تحت وطأة الاستعمار بأشكاله ومنها الإعلامي الذي لا يزال الغرب يسيطر عليه رغم أن بني جلدتنا على رأس مؤسساته.

وعلى الرغم من أن تركيا العدالة التنمية طورت كثيرا في صناعتها العسكرية، لا تزال الصناعة الإعلامية في تركيا العدالة والتنمية تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد والاستفادة من الخيرات المهنية المتواجدة على أراضيها بعد الربيع العربي ومن الكوادر التركية الوطنية المخلصة المنتشرة في أنحاء العالم. وهنا لا يمكن إنكار التطور الكبير الذي شهدته السنوات الماضية في هذا المضمار، لكن ومع ذلك، فإن الملحقات الثقافية التابعة للسفارات يجب أن تكون أكثر نشاطاً باستقطاب تلك الكوادر وتتحول من الدفاع إلى الترقب وفي بعض الأحيان الهجوم، فالقادم ليس سهلاً، وبما أن المشروع طموح فيجب أن تكون كل الأدوات وعلى رأسها هذه الأداة السحرية، التي تستطيع تغيير الأنظمة، على قدر هذا المشروع.
التعليقات (0)