قضايا وآراء

أسلوب التفاوض الإسرائيلي والإثيوبي

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
لإسرائيل مدرسة في المفاوضات لكنها لم تنشر عنها شيئا وظلت قواعد صامتة عند أطقم التفاوض الإسرائيلية، وقد بحثت عام 1991 عن ملامح هذه المدرسة بمناسبة مفاوضات مع إسرائيل، برفح في كانون الأول/ ديسمبر 1991، حول مخلفاتهم بعد انسحابهم من سيناء، وهي في الواقع مخلفات نستحق عنها أرضية والتزاما إسرائيليا برفعها وتنظيف سيناء منها، بينما هم كانوا مصرين على اقتضاء تعويض عنها.

ويمكن تلخيص ملامح المدرسة الإسرائيلية في التفاوض في إطلالة أولية، آملا في أن أضع كتابا عنها أو نكلف أحد طلبة قسم العلوم السياسية بأن يجعل الموضوع أطروحة للماجستير أو الدكتوراة.

على أن هناك فارقا بين خبرة التفاوض ومدرسة متكاملة في المفاوضات، فقد كان لدى أبناء وزارة الخارجية خبرات متعددة في التفاوض مع إسرائيل بعد زيارة السادات المشؤومة للقدس في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، ولكن مباحثات الكيلو 101 التي قادها الفريق الجمسي رحمه الله كانت أول احتكاك بين القيادات العسكرية الميدانية في البلدين بسبب الثغرة التي تسبب فيها السادات، تماما كما فعل هتلر مع القيادات العسكرية الألمانية الفذة فأورد ألمانيا - بجهله وغروره - موارد التهلكة.

ننبه إلى أن هناك فرقا بين آلاف الكتب والمقالات عن نظرية المفاوضات وتطبيقاتها وبين ممارسة التفاوض عمليا، حيث يلمس المفاوض الهوة الثقافية والسياسية في تركيب السلطة. فالسلطة المستبدة لا تترك حرية للمفاوض وإنما تقيده في كل خطوة، ولكن في كل الأحوال فإن الإدارة السياسية للمفاوضات تخدم الإدارة الفنية والإدارية (انظر كتابنا الإدارة الدبلوماسية وتطبيقاتها المعاصرة- القاهرة 2019).

ويبدو أن هناك تفاعلا إثيوبيا إسرائيليا في ما يتعلق بمفاوضات مياه النيل، لأنه تردد أن إسرائيل تساعد إثيوبيا في بناء السد وفي تخزين المياه، حتى إذا ضاقت الأرض بمصر وقاربت من الجفاف تدخلت إسرائيل في حركة عنترية، وكأنها تنقذ مصر وتجري مفاوضات مع مصر والحبشة هدفها الإفراج عن بعض المياه من السد لمصر، بحيث تكون لإسرائيل حصة منها مقابل ذلك وبالطبع هيمنة مقابلة.

وبذلك تتسلط إسرائيل وإثيوبيا على حياة مصر من خلال مياه النيل وتجد إسرائيل صمام الأمان لتوجيه مصر إلى ما تريد، إلى جانب ذلك فإن العقلية الإسرائيلية تشبه العقلية الحبشية في البلطجة وإنكار الحقوق ببجاحة تحسدان عليها.

فالحبشة تغتصب حقوق مصر المائية، وإسرائيل تغتصب حقوق الفلسطينيين الشاملة، السياسية والاقتصادية والمائية، وكلاهما يتحكم بالحق في الحياة. وأذكر أن وزير خارجية إسرائيل السابق ليبرمان قام عام 2010 بجولة في دول منابع النيل ورتب المؤامرة على مصر، ولكن مصر لم تبد اهتماما، وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية إن جولة ليبرمان لا تعنينا، فأدركت أننا دفعنا حياة مصر ثمنا لكامب ديفيد، حيث يصور مسلسل هابط في رمضان، وهو "ملوك الجدعنة"، سلوك الرئيس السادات الفهلوي المستبد مقابل بيجين الرصين الديمقراطي. فقد أعلن السادات بفخر أنه وحده صاحب القرار، أما بيجين فأصر على التشاور مع المؤسسات الديمقراطية، وفات السادات طبعا أن الديمقراطية الإسرائيلية هي سبب تميز إسرائيل عن الوسط العربي المتخلف.

وهذا الخط في الموقف المصري متهاون مع إسرائيل لاعتبارات مفهومة، فلما قامت الثورة على مبارك (كنزهم الاستراتيجي) بادرت إسرائيل باتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان استمرار هذا الخط لصالحها وقمع الثورة، ولذلك فإن دور إسرائيل في ذلك يحتاج إلى توثيق وتحقيق دون الركون إلى الفرضيات.

ملامح مدرستي التفاوض الإسرائيلية والحبشية:

أولا: تشتركان في امتهان القانون الدولي ويطوعان القانون لمصلحتهما.

ثانيا: تعتمدان على فرض الأمر الواقع بدل القانون، والإصرار على مزاعم على أنها حقوق لهما وتصدقان هذا الزعم.

ثالثا: تتسم المدرسة الإسرائيلية التي كان لي خبرة معها بأنها تتعمد إرهاق الخصم، حتى إذا عاد إلى نقطة البداية من غابة التفاصيل والجزئيات شعر بالنصر وتنفس الصعداء. وعندما طبقت ذلك معهم أبدوا ارتباكا واضطرابا، ولم يصدقوا أن مخططهم قد انكشف ويطبقه الأغيار.

رابعا: كلتاهما تستخدم المفاوضات لكسب الوقت، وهو رسم لنفسه أهدافا ثابتة ويراوغ لإقناع الطرف الآخر بها. فقد استخدمت إسرائيل المفاوضات من أجل الاتفاق، ثم انتهت إلى أن المفاوضات من أجل المفاوضات ثم المفاوضات من أجل استسلام الطرف الثاني.

خامسا: كلتاهما تعتمد على تغذية الطرف الآخر بآمال ووعود كاذبة ثم تقودانه إلى مرحلة اليأس من أي إنجاز، ولا تتورعان عن إذلال الخصم وكشف قواعد اللعبة علنا والاعتزاز بذلك. وقد نكلت إثيوبيا بمصر وسوف يكتب التاريخ أن مصر لا تستحق ما عانته من مهانة على يد الحبشة، مما يكشف عن أسرار خطيرة في المستقبل، كما سوف تتكشف صفحات مؤلمة من تاريخ العلاقات المصرية مع إسرائيل، وما دامت مصر موالية لإسرائيل فهي في موقع المعادي لأعداء إسرائيل، وتلك لحظة فارقة في الفرق بين حسابات السلطة ومصالح الوطن.

سادسا: كلتاهما تعتمد على الأكاذيب ومحاولة استغلال ضعف وجهل الطرف الآخر وعجزه وتحقيق أهدافه بالضربة القاضية، حتى يدرك الخصم أنه يقنع من الغنيمة بالإياب، وهذا ما حدث في حالتي مصر وفلسطين مع الثعالب الصهيونية والحبشية.

سابعا: كلتاهما تعمل على حرمان خصمه من دعم الوسط الذي ينتمي إليه ويوقع بينهما، تماما كما تمكنت إسرائيل من فصم عرى العلاقة بين مصر والعالم العربي، وهو عين ما فعلته الحبشة حين استدرجت رجال الأعمال في الخليج رغم قوة تحالف مصر مع حكوماتهم وفصم العلاقة المصلحية عن المصالح القومية العربية. فقد سجلت أرقام كثيرة من الدعم المالي الرسمي للحبشة من السعودية والإمارات، ورحم الله القذافي الذي حاول أن يعوض انسحاب مصر من أفريقيا بدعم المصالح العربية والإسلامية فكان أن لقب نفسه بملك ملوك أفريقيا.

ثامنا: تميز إسرائيل بين المفاوض المصري والأردني واللبناني والفلسطيني، ولكن هذا التمييز تراجع بعد أن ظنت أنها تمكنت من مصر وكل المفاوضين العرب، وخاصة الفلسطينيين الذين تحولت المفاوضات معهم إلى دفع الأطراف الفلسطينية إلى التنافس على كسب رضى إسرائيل لحسابهم الشخصي وحساب خاصتهم، ولذلك يجب على الشعب الفلسطيني أن يحبط هذه اللعبة برغم كل الظلم والضغوط.

أما الحبشة فلا تميز بين مصر والسودان وتسعى إلى الوقيعة بينهما، وتسوق الأكاذيب والدجل مستغلة ضعف مصر والسودان وعدم جديتهما في مواجهة الحبشة بالحقائق.

تاسعا: كلتاهما تفرض الأمر الواقع بل وتهدد بأن تؤدب عسكريا الأطراف الضعيفة التي تضن عليها بالكوي والنحيب، وكلتاهما توسع حركتها بالغش لكسب الرأي العام حتى داخل هذه البلاد وفي المحيط الإقليمي. فقد اشتكت إسرائيل مصر للأمم المتحدة واتهمتها بأنها انتهكت ميثاق الأمم المتحدة عندما استخدمت القوة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية عام 1973، بينما صمت الجانب المصري تماما وكأنه قبل بهذا الزعم. ولا يزال صمت مصر ضمن مواقف تثير الحيرة والتعجب.

أما الحبشة فقد اتهمت مصر بأنها هيمنت على الحبشة واغتصبت مياهها، كما عمد رئيس الوزراء الحبشي إلى تعبئة الشعب والجيش الحبشي ضد الشعب المصري، ولم تهتم الحكومة المصرية بالمواقف الإثيوبية بل ولم يهتم الإعلام المصري ببيان الحقائق للشعب رغم اقتراب موعد الكارثة. بل إن عملية إلهاء الشعب ماضية خاصة في رمضان، حيث سجل 370 مشهدا للمخدرات والدعارة لجذب الشباب لقدوة فاسدة كما في مسلسل ملوك الجدعنة، وهذا مقصود لصرف الشباب عن قيمة رمضان وإيقاعهم في بحور الهلاك.

عاشرا: كلتاهما حسمت موقفها، فإسرائيل كشفت عن أنها تريد كل فلسطين والقدس ولا مكان للفلسطينيين في أرضهم، والحبشة كشفت عن كل أركان جريمة إبادة الشعب المصري.

وكلتاهما كشفت عن قسوة غريبة في إبادة الفلسطينيين وإبادة العرق المصري، ومع ذلك لا تزال الحكومة المصرية تعول على المفاوضات رغم انسداد كل الأفق.
التعليقات (0)