هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف تقرير حديث عن بنك "كابيتال ايكونوميكس"، أن صعود الجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة 15% منذ مطلع العام الجاري، يرجع
لزيادة التدفقات الأجنبية في محافظ الأوراق المالية نتيجة الفائدة التنافسية التي
تقدمها أذون الخزانة المصرية، والتي تعد الأكبر في الأسواق الناشئة.
وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن
استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، ارتفعت خلال عام 2019 بنحو 5.1 مليار دولار
بنسبة 47.6%، مقارنة بقيمتها نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2018.
وحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ"عربي21"، فإن البنك المركزي المصري يقدم العديد من الإغراءات للمستثمرين الأجانب لشراء أذون
الخزانة المصرية بفائدة تصل لـ10%، وهو ما كان سببا في تراجع الصادرات المصرية،
مقابل إيجاد سيولة دولارية للحكومة تمكنها من سداد القروض قصيرة ومتوسطة الأجل.
"نتائج كارثية"
ويصف الخبير الاقتصادي المصري المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، محمد كمال عقدة، سياسة البنك المركزي فيما يتعلق بسعر الفائدة الممنوح لأذون الخزانة بالكارثية على الاقتصاد المصري، موضحا أن الحكومة تقوم بتثبيت سعر الفائدة، وفي الوقت نفسه تقوم بخفض قيمة الدولار أمام الجنيه افتراضيا وليس حقيقيا، وهو ما يؤدي في النهاية لأرباح ضخمة جدا للمستثمرين الأجانب المتعاملين بأذون الخزانة.
ويؤكد عقدة لـ"عربي21" أن "معدل سعر الفائدة بالإضافة لمعدل انخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه، يؤدي لوصول الفائدة التي يحصل عليها المستثمر الأجنبي في حدود 23%، وهو ما يعني أن الحكومة تقترض الدولار بفائدة تصل لـ 23%، وهو رقم كارثي لحد كبير".
ويضيف عقدة: "هناك رؤوس أموال تأتي للاستثمار في أذون الخزانة فقط، وهو ما يعرف بالأموال الساخنة، بسبب انخفاض معدلات المخاطرة نتيجة تدخل البنك المركزي للحفاظ على سعر الدولار المنخفض أمام الجنيه، دون وجود أرباح حقيقية مرتبطة بالاستثمارات الإنتاجية التي تؤدي لاستقرار سعر الدولار بشكل حقيقي".
ويشير عقدة إلى أن البنك المركزي "يقوم بهذه اللعبة لصالح المستثمر الأجنبي، حيث تقدم له الإغراءات من أجل استمرار استثماراته بأذون الخزانة التي توفر للحكومة سيولة، تستطيع من خلالها دفع الاستحقاقات المتعلقة بالقروض قصيرة ومتوسطة الأجل، ولكن في النهاية، فإن الأموال رغم أنها اسما بالجنيه، إلا أنها على أرض الواقع تدخل بالدولار وتخرج أيضا بالدولار، وفي النهاية المستفيد هو المستثمر الأجنبي".
"إنجاز وهمي"
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي لـ"عربي21"، أن الحكومة المصرية تمارس سياسة الهروب للأمام، من خلال استقدام استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، أو الأموال الساخنة، وهو ما يحقق لها أكثر من هدف، أهمها زيادة المعروض النقدي من العملة الأجنبية، وهو ما يساعدها في تحقيق إنجاز وهمي يتعلق بانخفاض سعر الدولار".
ويوضح الصاوي أن المعروض من النقد الأجنبي عبر أذون الخزانة، يتم دفع تكلفته بشكل كبير من خلال سعر الفائدة المرتفع الذي تدفعه الحكومة، لأن البنك المركزي وضع عدة محفزات للمستثمر الأجنبي منها سهولة حصوله على الأرباح التي يحققها بالدولار، وكذلك خروجه من السوق بالدولار بضمانة البنك المركزي، على عكس ما يحدث للمستثمرين المصريين.
ويشير الصاوي إلى أن "الحكومة تعدّ الأموال التي تأتي عبر أذون الخزانة مهمة للغاية، لأنها تعوضها عن التراجع الذي سوف يحدث في عوائد الصادرات النفطية والغاز الطبيعي، نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للطاقة".
ويضيف الصاوي: "انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه إنجاز وهمي، ليس له مردود فعلي على القيمة الشرائية للمواطن، كما أنه انخفاض ليس مرتبطا بمعدلات الإنتاج، والأهم من ذلك أنه لم يساعد في زيادة الصادرات المصرية للخارج، نتيجة ارتفاع أسعارها بالمقارنة بالأسعار العالمية".
وحسب الصاوي، فإن "ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار تنقصه الكثير من الحقائق، وخاصة المتعلقة بدور الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة الموجودة في أذون الخزانة، التي وصلت إلى 22 مليار دولار، وفقا لتصريح وزير المالية، وكانت سببا في تدفق 200 مليار دولار، منذ تحرير سعر الصرف كما أعلن محافظ البنك المركزي".
"تاجر عملة"
واتهم خبير الاقتصاد المصري، محمود وهبة، البنك
المركزي بأنه تحول لأكبر تاجر عملة لصالح المقرضين الأجانب وليس لصالح المصريين،
موضحا أن تدخل البنك بشكل مباشر لخفض سعر الدولار مقابل ارتفاع قيمة الجنيه، الهدف
منه جذب المزيد من القروض.
ويؤكد وهبة في مقالين نشرهما بصفحته على
"فيسبوك"، أن ما يحدث هو وسيلة جديدة لاستنزاف مصر، وجذب الأموال
الساخنة للسوق المصري، وهو أحد أنواع التجارة بالعملة، أو ما يعرف بـ "دولرة
الجنيه"، أو ما يُسمى اقتصاديا ( Carry
Trade).
وضرب وهبة مثالا بمستثمر أجنبي اقترض مليون دولار
من بنك أمريكي بسعر فائدة 1.5%، وقام بتحويله للجنيه من خلال شراء أذون الخزانة
بقيمة 15.5 مليون جنيها، وحصل بالمقابل على سعر فائدة 12%، ليصبح المبلغ 17 مليون
جنيه، وهي التجارة التي تتم دون قيود محاسبية أو نقل أموال، كما أنها لا تستخدم
للاستثمار المباشر، أو إقامة مشروعات إنتاجية، ولكنها في النهاية عبارة عن
"ألاعيب حكومية للحفاظ على تدفق القروض".