هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أنهى الفلاح المصري في أيلول/سبتمبر الماضي، موسما زراعيا صعبا وسط مخاوف من موسم زراعي آخر أصعب، فيما وصف خبراء في المجال الزراعي العام 2018/2019 بأنه الأسوأ على الفلاح المصري.
واشتكى فلاحون من أن تكلفة الإنتاج أصبحت تفوق بشكل كبير قيمة المحصول السوقية للزراعات الأساسية، وبينها الذرة والأرز والقطن، التي تم حصدها وجمعها هذه الأيام، وذلك بسبب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج والوقود والبذور والأسمدة والعمالة.
وأرجع خبراء ومزارعون تحدثوا لـ"عربي21"، الأمر لسياسات الحكومة القائمة على دعم المستوردين على حساب المنتج المحلي، إلى جانب تدخل الجيش في الزراعة وخاصة الخضروات التي تعد تكلفتها لديه صفرا، ما حرم الفلاح من مصدر رزق سريع من زراعة الخضروات.
وأكد المزارع عبدالسلام محمد، لـ"عربي21"، أن "أزمة الفلاح كبيرة لانخفاض أسعار المحاصيل، فطن الأرز الآن يقدره التجار بـ3200 جنيها، بينما كان العام الماضي بـ8 آلاف جنيها، وأردب الذرة بـ500 جنيها نصف سعر العام الماضي".
وأشار إلى أنه "ليس معنى رخص سعر المحصول أن يصل إلى المستهلك رخيصا"، مؤكدا أن "التجار والمحتكرين يقومون باستغلال الفلاح واستغلال المستهلك معا"، وقال إنها "سياسات الدولة تتجه لإفقار الفلاح"، مبينا أنه "كان يأمل من النظام الكثير ولكنه أوصله للعجز والفقر".
اقرأ أيضا: هذا ما سيلحق بفلاحي مصر بعد اقتحام الجيش لميدان الزراعة
حجم مشروعات الجيش الزراعية
وتوسعت خريطة مشاريع الجيش الزراعية منذ أعلن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، عن مشروع استصلاح نحو 1.5 مليون فدان في 2014، وتم تدشين شركة "الريف المصري"، التي قامت بطرح بعض الأراضي على صغار المزارعين، لتتوقف أعمال الشركة لعدم وجود دعم مادي، حسب تأكيد مسؤول بالشركة عام 2016، لمراسل "عربي21".
وفي الوقت الذي تم تهميش شركة الريف المصري؛ دشن الجيش الشركة "الوطنية للزراعات المحمية"، لتنفيذ مشروع قومي يستهدف إنشاء 100 ألف فدان صوب زراعية لإنتاج الخضروات والفواكه.
وأكد مدير عام جهاز "الخدمة الوطنية" التابع للجيش اللواء مصطفى أمين، أن إنتاج المرحلة الأولى نحو 1.5 مليون طن خضروات وفواكه سنويا تعادل إنتاج 150 ألف فدان من الزراعات المكشوفة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2018، افتتح السيسي، مجموعة صوب بمدينة العاشر من رمضان، واعدا الفقراء بتوفير طعام عضوي (أورجانيك) ينتجه الجيش.
وفي آب/ أغسطس 2019، افتتح السيسي، 1300 صوبة زراعية بمساحة 10 آلاف فدان بقاعدة محمد نجيب العسكرية، غرب البلاد.
وفي نيسان/ أبريل 2019، أُعلن عن مشروع "مستقبل مصر" التابع للقوات الجوية، لزراعة 100 ألف فدان بمنطقة الضبعة بمرسى مطروح غرب مصر.
وتتمتع مشروعات الجيش وبينها الزراعية، بإعفاءمن ضريبة القيمة المضافة التي تم فرضها بقانون عام 2016، ومن الضريبة العقارية بقرار وزير الدفاع عام 2015، ومن ضريبة الدخل حسب قانون بعام 2005، ومن رسوم الاستيراد وفق القانون بعام 1986.
لماذا العام الأسوأ؟
وحول الأضرار التي وقعت على الفلاح بسبب تدخل الجيش بالزراعة، أكد المزارع والمنتج والمحامي خالد محمد درويش، لـ"عربي21"، أن "العام الزراعي2018/2019، كارثي على الاستثمار الزراعي بمصر بكل المستويات سواء كانت إنتاج محاصيل حقلية عادية أوجناين أو خضروات".
وبرؤيته للسبب قال: "الدولة جعلت مدخلات الزراعة بالسعر الدولي من بذور وكيماويات، ويد عاملة، وكذلك التشغيل مثل سعر المازوت والكهرباء".
وأضاف درويش، أنه "وعند المنتج النهائي تفاجأ الفلاح والمستثمرون بالمجال الزراعي بأن الدولة تساعد على الاستيراد من دول تدعم صادرتها- ولا تحمي من الإغراق"، موضحا أن "هذا ينطبق على محاصيل الفول البلدي، والأرز، والذرة، وفول الصويا".
وتابع المنتج الزراعي: "أزمتنا بزراعة الفاكهة والخصروات، أن الدولة عبر الجيش أغرقت السوق بإنتاج صوب الجيش وبتكلفة أقل من منتج القطاع الخاص".
وبشأن أكثر المحافظات تضررا من تدخل الجيش، قال: "منذ العام 1986، وأنا أعمل بالإنتاج الزراعي سواء كان بأراض جديدة مثل منطقة النوبارية، وأراض قديمة مثل كفر الشيخ، وجميعها تضررت، ولم أر عاما زراعيا مدمرا كهذه السنة".
اقرأ أيضا: بهذه الطريقة تدعم الحكومة المصرية احتكار الجيش لسوق الأغذية
هكذا تبدو الصورة
وبشرحه لتأثير تدخل الجيش بالزراعة على المزارع، أكد مستشار وزير التموين الأسبق، والأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية، الدكتور عبد التواب بركات، أنه "لحقت خسائر فادحة بالفلاحين المصريين بسبب اقتحام الجيش الزراعة، والاستزراع السمكي، وتجارة اللحوم، واستيراد الأرز".
وقال المستشار الأسبق، في تصريح لـ"عربي21"، إنه "بمجال الصوب الزراعية مثلا، أنشأ الجيش الشركة (الوطنية للزراعات المحمية) لتكون ذراعه بإنشاء 100 ألف صوبة بإشراف السيسي، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة".
وحول تأثير دور تلك الشركة على الفلاح، أوضح بركات، أنها "تنتج الطماطم والفلفل والخيار بكميات كبيرة للتصدير، ولكنها طرحت إنتاجها بالأسواق المحلية، ورأينا الجنود يبيعون الخضروات بالشوارع على حساب إنتاج الفلاحين البسطاء الذي لا يغطي التكلفة".
وأضاف الخبير الزراعي: "بالمقابل يحصل الجيش على الأرض والمياه بالمجان، والأسمدة والتقاوي بأسعار مدعمة، والعمالة عبر الجنود وبأسعار زهيدة".
وسجل أن "الصوب أقيمت من أموال الخزانة العامة للدولة، وتحقق أرباحا ضخمة لكنها لا تدخل خزينة الدولة".
وفي تدخل آخر من الجيش أضر بالفلاح، أكد أن "المربين لعجول التسمين لحقتهم خسائر كبيرة هذا العام؛ لاستيراد الجيش اللحوم المجمدة من البرازيل بأسعار رخيصة".
وأشار الدكتور بركات، لانتشار "سيارات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة بشوارع المدن والقرى والعزب والنجوع لتبيع اللحوم بسعر 80 جنيها، ما أدى لإغراق السوق المحلية، وانخفضت أسعار اللحوم البلدية التي ينتجها المربي المصري من 130 إلى90 جنيه، ما أصاب الفلاح بخسائر تزيد عن 40 بالمائة من تكلفة الانتاج".
وفند الخبير الزراعي، وضع الفلاح مع المحاصيل الموسمية، مبينا أن "وزارة التموين تستورد عشرات آلاف أطنان الأرز من الصين والهند بالإسناد المباشر لشركات تابعة للجيش والمخابرات، ما أغرق السوق المحلي وانخفض سعر الأرز لدى الفلاحين بنسبة 30 بالمائة".
وقال عبد التواب، إن "عشرات الآلاف من المزارعين والصيادين والمستثمرين بالاستزراع السمكي لم يسلموا من تدخل الجيش؛ حيث وضعت الشركة (الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية)، التابعة للجيش، يدها على المصايد ببحيرات البردويل، وناصر، والبرلس، وطرحت إنتاج البلطي بأربعة أضعاف سعره ما زاد من أعباء الأسرة، وتصدير الأنواع الأخرى بالدولار، وحرمان الصيادين من حقهم بالصيد وتوجه بعضهم للهجرة غير الشرعية".