هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن التصريحات التي أدلى بها مؤخرا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي قال إنه من الأفضل أن يلقى المتطرفون حتفهم في سوريا على أن يعودوا إلى فرنسا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن حكومة ماكرون لا ترغب في استقبال رعاياها المعتقلين في سوريا والعراق على الأراضي الفرنسية، وتفضل أن يخضعوا للمحاكمة على يد السلطات المحلية.
ويوم الجمعة الماضي، قدمت الحكومة الفرنسية المخطط العاشر لمنع التطرف، الذي يؤكد على ضرورة تهيئة المناطق المغلقة في السجون الفرنسية لاحتجاز "الإرهابيين"، الذين يناهز عددهم 512، إلى جانب السجناء المتطرفين البالغ عددهم تقريبا 1.139 ومن المتوقع أن يتم إنشاء حوالي 1500 مكانا إضافيا في السجون الفرنسية المزدحمة.
وأوردت الصحيفة أن عدم وجود أماكن شاغرة في السجون الفرنسية ليس السبب الوحيد لمنع عودة المتطرفين الفرنسيين، الذين أسروا في سوريا والعراق. وفي الحقيقة، إن الحكومة الفرنسية على علم بأن الغالبية العظمى من الفرنسيين يرفضون الترحيب بمواطنيهم الذين غادروا من أجل القتال في بؤر التوتر. كما قام هؤلاء المقاتلون بحرق جوازات سفرهم علنا، وأقسموا على التعاون على تدمير بلادهم، متوعدين الشعب الفرنسي بتنفيذ هجمات على أراضيه.
وعلى إثر هزيمة تنظيم الدولة، يطالب المتطرفون الذين سبق لهم أن أنكروا جنسيتهم، بالامتثال أمام المحاكم الفرنسية وقضاء العقوبة في سجون بلادهم بدلا من مواجهة القضاة العراقيين والسوريين والأكراد. وفي هذه الحالة، يمكن إدانتهم بعقوبة الإعدام، التي تعد مستحيلة في بلادهم.
وبينت الصحيفة أن القوات الفرنسية المشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة، كانت تهدف أيضا إلى القضاء على المتطرفين المنحدرين من أصول فرنسية. بالإضافة إلى ذلك، تملك فرنسا سجلا مخزيا باعتبارها أكثر بلد أوروبي مصدرا للإرهابيين نحو الشرق الأوسط. ومن جهتها، تقدر حكومة باريس أن قرابة 300 فرنسي قد قتلوا خلال المواجهات العسكرية في كل من سوريا والعراق.
اقرأ أيضا: مقتل 300 فرنسي انضموا لتنظيم الدولة في سوريا والعراق
ونوهت الصحيفة بأن عدد المتطرفين الذين اعتقلتهم القوات الكردية في سوريا، أو الذين اعتقلوا من قبل الجيش العراقي، يربو عن مائة شخص. وقد أفسح ماكرون المجال أمام وزرائه لتوضيح موقف فرنسا من هذه القضية. وفيما يتعلق بالفرنسيين المعتقلين في العراق، تعتقد الحكومة الفرنسية أن السلطات المحلية هي المطالَبة بالحكم عليهم. ولن تكون هذه المحاكمة الأولى من نوعها، فقد سبق وحكم على المقاتلين الفرنسيين الذين قاتلوا ضد الجيش الأمريكي في العراق، بالسجن لسنوات خلال العقد الماضي قبل الإفراج عنهم.
وأوردت الصحيفة أن وضع الجهاديين الفرنسيين الذين وقعوا في أيدي الأكراد السوريين يعد الأكثر تعقيدا. وفي الواقع، لم يتردد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، والمتحدث باسم الحكومة، بنيامين جريفيوكس، في منح الأكراد فرصة الحكم على الفرنسيين المعتقلين. فقد أكد جريفوكس أن "هناك مؤسسات قضائية تحترم القانون" في المناطق الكردية السورية.
وأشارت الصحيفة إلى أن عائلات الجهاديين الفرنسيين ومحاميهم يرون هذه المسألة من منظور مختلف؛ خاصة أن الدولة الفرنسية تعتبر المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب بمثابة حليف لحزب العمال الكردستاني، الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. ومن جهته، يؤكد ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في باريس، خالد عيسى، أن حقوق السجناء الفرنسيين المتطرفين مضمونة، لكنه يدعم أيضا فكرة إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم، "مثل محكمة نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية".
وأبرزت الصحيفة أن القضية السورية تثير مشاكل أخرى بالنسبة لفرنسا، فقد قرر فرنسوا هولاند إلغاء العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد منذ سنة 2012، الأمر الذي جعل الجهاديين الفرنسيين دون أي مساعدة قنصلية. وتعتبر باريس أن الفرنسية إميلي كونيغ، التي غادرت إلى سوريا منذ سنة 2012، تعد من أخطر وأشهر المتطرفات الفرنسيات. وفي وقت لاحق، اعتقلت هذه الشابة من قبل الأكراد في سوريا في بداية السنة، وقامت بنشر شريط فيديو أعلنت فيه عن توبتها وعبرت عن رغبتها في الخضوع للمحاكمة في فرنسا.
ولكن، يرى كل من لودريان وجريفيوكس أن إميلي كونيغ، شأنها شأن العديد من النساء الأخريات، كن يقاتلن إلى جانب الرجال في سوريا، والتحقوا بالتنظيم المتطرف للمشاركة في الحرب. في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2015، صنفت السلطات الأمريكية هذه المتطرفة ضمن قائمة النساء الإرهابيات.
وذكرت الصحيفة أن باريس تعلم أنه لا يمكن محاكمة جميع النساء اللاتي انضممن إلى تنظيم الدولة مثل إميلي كونيغ. وهو ما أكده ماكرون في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث قال إن وضعية هؤلاء النساء وأطفالهن ستسوى كل منها على حدة.
وأفادت الصحيفة بأن إمكانية عودة الجهاديين إلى البلاد قد أثارت مخاوف المجتمع الفرنسي. وحيال هذا الشأن، يعتقد الصحفي الفرنسي ديفيد تومسون، أنه لا يوجد فرق في درجة الخطورة بين النساء والرجال؛ فمن المستحيل أن نصدق توبة هؤلاء الجماعات، لأن سبب عودتهم هو خيبة الأمل من الهزيمة العسكرية التي لحقت بتنظيم الدولة.
اقرأ أيضا: في هذه الحالة "ستضرب" فرنسا في سوريا
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن عدد الأطفال العائدين إلى فرنسا يقدر بحوالي 46 طفلا. وما إن تطأ أقدام هؤلاء أرض البلاد سوف يتم فصلهم عن ذويهم الذين سيسجنون فور وصولهم. وفي ظل هذه الظروف، سيكون هؤلاء الأطفال ضحايا الفصل القسري عن أسرهم، والفظائع التي عاشوها في بؤر التوتر.