بورتريه

العربي لن يبقى طويلا "التفاحة المتعفنة" (بورتريه)

التفاحة المتعفنة بورتريه
المواطن العربي هو شخصية العام 2016، لماذا؟ لأنه الضحية، ضحية الحكومات العربية، ضحية الدول الأجنبية، ضحية الصورة النمطية المخزنة في الذاكرة الغربية، والأخطر أنه ضحية عجزه وقلة خياراته.

"التفاحة المتعفنة" هذا هو حال العرب المسلمين في القوائم السوداء في أوروبا، وفي السجل القومي الأميركي الذي يريد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تفعيله وإعادته إلى الخدمة لمراقبة سلوك المسلمين تمهيدا لإعادة "تربيتهم". 

يعيش في دول تحكمها دكتاتوريات شديدة التخلف، تتحالف مع عصابات من المافيا والفاسدين، حكومات خسرت حتى الآن نحو 300 مليار دولار في أربع حروب في أربع دول عربية.. مبلغ ضخم ومرعب، ماذا كان يمكن أن يحدث في الوطن العربي لو أنفق على التعليم والصحة والاستثمار في الزراعة والصناعة والبنى التحتية؟! تخيلوا ربع تريليون دولار تقريبا احترقت في فضاء العبث العربي/ العربي.

أمة تبني خيامها على طريق القوافل والجيوش والفاتحين، وقرب أنابيب النفط، والمزارات وقبور الأولياء الصالحين، أمة ما زالت أسيرة أحداث مضى عليها نحو 1400 عام.

من البحر المتوسط إلى بغداد، من درعا، التي اندلعت فيها الانتفاضة في سوريا، إلى الموصل، يجري طرد العرب السنة من مدنهم، وتتحول غالبية العرب الذين هم ملح تلك الأرض، ولون حجارتها، ورائحة أوراق أشجارها المتساقطة إلى لاجئين ومعتقلين ومشتبه بهم كأعضاء في "التنظيمات الإرهابية".

أحيانا على أيدي بشار الأسد والروس والمليشيات المدعومة إيرانيا في حالة حلب، أو على أيدي قوات الحكومة العراقية و"الحشد الشعبي" في تكريت والرمادي والموصل، كل ذلك مدعوما بإسناد وحافز ديني واضح لتغيير التركيبة الإثنية داخل المدن العراقية والسورية الكبرى وتفريغها من أهلها السنة العرب، بمساندة خفية، على نظام المقاولات، من قبل تنظيمات "سنية" متطرفة.

ومنذ أن دخل العراق دوامة الصراع الطائفي وسيطرة "تنظيم الدولة" على عدة مدن عراقية، وتحول مسار ثورات الربيع العربي إلى حروب أهلية وانقسامات داخلية في سوريا واليمن وليبيا، بات أكثر من عشرين مليون عربي لاجئين داخل وخارج أوطانهم (بإضافة الفلسطينيين)، وهو ما يشكل نصف أعداد اللاجئين في العالم.

وقتل في العراق وسوريا وليبيا واليمن نحو مليون ونصف المليون عربي.

الوطن العربي تحول إلى بؤر جاذبة لتجار الأسلحة، فأصبحت الجيوش العربية الأفضل تجهيزا والأسوأ أداء، وتحولت مدننا وقرانا وأريافنا وأجسادنا إلى ساحة للتدريب بالذخيرة الحية من قبل القوى الكبرى وفي مقدمتها روسيا وأميركا.

الإنفاق الدفاعي العربي شكّـل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول العربية، وهي من أعلى النسب في العالم ونمو الإنفاق العسكري يفوق معدلات نمو الناتج المحلي أيضا.

وارتفع الإنفاق العسكري للدول العربية في الأعوام الأخيرة ليتجاوز الـ100 مليار دولار سنويا، تنفق على أغراض التسلّح على سبيل التخصيص وشراء الأسلحة الجديدة. في المقابل فإن الميزانيات المنفقة على البحث العلمي ما زالت متواضعة للغاية ولا تتجاوز بضع مئات الملايين من الدولارات فقط في معظم الدول العربية.

نحو ترليون دولار أنفقها العرب على شراء الأسلحة في السنوات العشر الأخيرة، لم تصمد في حرب، وتحول الوطن العربي إلى أشلاء ومدن محترقة ومنهوبة ومغتصبة.

فسيناريو حلب، على سبيل المثال، التي تحولت إلى مدينة أشباح، وكومة ضخمة من الأبنية المدمرة ومن الكراهية، شاهدناه سابقا في قصف روسيا لمدينة غروزني في الشيشان ومذابح الصرب في سربرنيتشا ضد مسلمي البوسنة والهرسك وجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة وفي قانا جنوب لبنان، إذن فالصور القادمة من حلب ليست شيئا جديدا على الذاكرة الإنسانية، فاستخدام القنابل الحرارية والفراغية، التي تمتص الأوكسجين من الهواء على دائرة نصف قطرها 500 متر من مركز الانفجار، والقنابل الفوسفورية، والقصف المزدوج، والبراميل المتفجرة والغازات السامة واستهداف المستشفيات والأسواق والمساجد، وأي مكان يجتمع فيه المدنيون في أوقات الحرب، هذا كله سيناريو مجرب من قبل.

الغرب وحليفتهم "إسرائيل" وروسيا والمليشيات الطائفية من كافة المذاهب يريدون تحقيق أي انتصار على أي طرف، انتصار ملطخ بالدماء والعار، يريدون انتصار "التفلون" الذي لا تلصق به أية مسؤولية من قبل محكمة جرائم الحرب في لاهاي، يريدون صفقة لا يمكن رفضها، تماما كحال مارلون براندو في فيلم "العرب"، العالم يتعامل معنا برؤية صانع الصفقات وتاجر الجملة.

من البحر المتوسط إلى بغداد، من درعا، التي اندلعت فيها الانتفاضة في سوريا، إلى الموصل، يجري طرد العرب السنة من مدنهم، وتحول السواد الأعظم من الناس الذين عمروا هذه الأراضي إلى لاجئين، إما خارج البلاد أو نازحين في داخلها. إما على أيدي بشار الأسد والروس والمليشيات المدعومة إيرانيا في حالة حلب، أو على أيدي قوات الحكومة العراقية في تكريت والرمادي والموصل، أو على أيدي الحوثيين وقوات المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن، أو ببنادق جنرالات خرجوا من ثلاجة الموتى في ليبيا، وحتى على أيدي تنظيمات تصنف طائفيا ضمن "السنة".

ومن غير المحتمل أن يعود هؤلاء المرحلون غصبا عنهم إلى بلداتهم أبدا في ظل أوضاع مشحونة طائفيا وغارقة بالثأر.

بكل وضوح، لن يتم بناء عالم عربي جديد على أنقاض المدن، بل قد يكون المآل بديلا عن ذلك هو تشكل واقع حضري جديد ناجم عن التطهير العرقي.

إن التاريخ الحديث للعرب وللمدن التي تتعرض للتدمير وتشريد سكانها مثل حلب وحمص والموصل والفلوجة والرمادي، يقول لنا إن هذه المدن لن تسقط  بالضربة القاضية، فقد سقطت هذه المدن عدة مرات، وتمت استعادتها عددا من المرات يزيد على عدد المرات التي اجتمع فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما.

الديمقراطية والاستقرار في الشرق الأوسط مصلحة غربية والعالم لم يعد يحتمل مزيدا من الدول الفاشلة، ومن تدفق مزيد من اللاجئين، ومن مغامرات عسكرية جديدة، ولن يبقى السنة العرب هم الضحية إلى الأبد، فثمة أجيال تولد وتكبر وهي ترى القتل والدمار والاغتصاب، ولا يوجد في ذاكرتها أية مشاهد جميلة وهو يرى أبواب المستقبل والأمل مغلقة في وجهه، من يزرع الكراهية الآن ستنفجر القنابل في وجهه فيما بعد.

تدمير المدن السنية الكبرى في المشرق العربي، الموصل وحلب، لن يجلب السلام والاستقرار لأحد، الاعتقال العشوائي، والتعذيب، والاختفاء القسري والقتل غير المشروع، لن يجعل الكثيرين ينعمون بالأمن.

ورغم سوداوية التوقعات، وكارثية المشهد والموقف السلبي للعالم يراقب بعجز المدنيين يذبحون دون رحمة، وكل ما يستطيعون فعله هو التغريد وتوقيع العرائض، فإن هشاشة الأنظمة الدكتاتورية وتركيبة وتسلح جيوشها التي انهارت ولم تصمد أمام "التنظيمات"، وتبرير جرائم الحرب تحت ذريعة محاربة "الإرهاب"، تقول لنا إن الصراع شاق ومتعب ومستنزف ولا يزال في أوله.

وربما تكون العبارة التي كتبها زوجان عاشقان على جدران حلب المهدمة "راجعين يا هوا" رسالة إلى الطغاة والغزاة بأن الضحايا لا يزالون يحتفظون بذاكرتهم، بتفاصيل مدنهم وقراهم وأريافهم وبيوتهم، وأيضا لا يزالون يتذكرون جيدا ملامح قاتليهم ومغتصبيهم.

وتبدو عبارة "الطغاة لا يستوردون ضحاياهم" غير مكتملة، فالضحايا أيضا  لا يستوردون قاتليهم.