سياسة عربية

لأول مرة منذ دخلها الإسلام.. خطبة جمعة مكتوبة بمساجد مصر

الأوقاف ألزمت جميع خطباء المساجد في مصر منذ انقلاب يوليو 2013 بموضوع موحد لخطبة الجمعة - أرشيفية
للمرة الأولى منذ دخل الإسلام مصر قبل أكثر من 1400 عام، ستشهد جميع مساجد البلاد إلقاء خطبة موحدة، مكتوبة ومعتمدة من الحكومة، يكتفي الخطباء يوم الجمعة بقراءتها على المصلين.
 
وأعلنت وزارة الأوقاف المصرية اعتزامها تطبيق فكرة الخطبة المكتوبة والموحدة خلال أيام في جميع المساجد، بحيث يمنع الخطيب من أي ارتجال أو خروج عن نصها.
 
وتقول الوزارة إن هذه الفكرة ستمنع استغلال المنابر في الترويج لأي أفكار منحرفة أو متطرفة تدفع المجتمع إلى الفتنة أو الفرقة.
 
لكن مراقبين يرون أن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان النظام الحاكم سيطرته المطلقة على كل ما يقال في المساجد، فلا يترك لأحد فرصة للتعبير عن رأيه أو تناول موضوعات لا يريدها.
 
وكانت وزراه الأوقاف ألزمت جميع خطباء المساجد في مصر منذ انقلاب يوليو 2013 بالالتزام بموضوع موحد لخطبة الجمعة، يتم الإعلان عنه أسبوعيا، مع ترك الحرية لكل خطيب بأن يتناوله بطريقته الخاصة.
 
فهم مستنير!
 

وعقد محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، مساء الثلاثاء، اجتماعا بقيادات الوزارة ووكلائه في المحافظات المختلفة، تم الاتفاق خلاله على تنفيذ هذا الاقتراح، لكنه لم يعلن عن موعد لبدء العمل بها على مستوى الجمهورية.
 
وشدد جمعة على خطورة المنبر بوصفه أقوى وسيلة إعلامية دينية، مضيفا أن الخطبة المكتوبة تهدف إلى صياغة الفكر المستنير وفق آلية منضبطة ومنهجية علمية تساهم في توضيح المفاهيم الإسلامية الصحيحة، وكذا تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة.
 
وأعلن وزير الأوقاف أنه سيكون أول من يطبق هذه الفكرة في الخطبة المقبلة التي سيلقيها.
 
وأشار إلى أن تنفيذ خطبة الجمعة المكتوبة لا تعني التضييق أو تقييد الأئمة والدعاة على الإطلاق، مشيرا إلى أن الإمام سيكون أمامه متسع كبير مع جمهوره، من خلال الدروس التي يلقيها في المساجد والقوافل الدعوية والندوات الدينية.
 
وأكد أن الخطبة الموحدة ستجعل الخطيب غير مهموم باستحضار المعلومات الدينية، بل يكون اهتمامه منصبّ على التمكن من الأداء الجيد على المنبر.
 
ونفى الوزير أن يكون الدافع وراء الخطبة المكتوبة سياسيا، وإنما الهدف هو صياغة الفكر والفهم المستنير، وفق آلية تسهم في تصحيح الفكر والمفاهيم الخاطئة، وحرصا على عدم الخروج عن وحدة موضوع الخطبة، مؤكدا أن هذه الفكرة ليس فيها مخالفة شرعية على الإطلاق.
 
لجنة علمية لإعداد الخطبة

 
وأعلنت وزارة الأوقاف تشكيل لجنة علمية لإعداد خطب الجمعة، بما يتوافق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وحياتية، مع تعميمها مكتوبة على جميع مساجد البلاد.
 
وقالت الوزارة، في بيان لها، تلقت "عربي21" نسخة منه، إن بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر، سواء بالإطالة في الخطبة، بما يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالخروج عن الموضوع إلى جزئيات متشعبة، بما يربك المستمع ويشتت ذهنه ويضيع المعنى المقصود.
 
وأضافت أن بعض الخطباء يتناولون أمورا سياسية أو حزبية لا علاقة لها بمضمون خطبة الجمعة، فيكون أداؤهم للخطبة المكتوبة على المنبر أيسر وأحكم، من باب التيسير على المستمعين وضبط أداء الخطباء، وتحقيق الرسالة التي تهدف إليها خطبة الجمعة.
 
وقال مصدر في الوزارة إن عناوين الخطب سيتم عرضها على وزير الأوقاف شخصيا ليقرها، مشيرا إلى أن الخطبة غالبا ما ستتناول مناسبات دينية أو وطنية أو موضوعات اجتماعية.
 
وأضاف المصدر أن اللجنة ستعتمد في إعدادها للخطبة على أمهات الكتب، وستستبعد الكتب التي تميل إلى الفكر السلفي أو الإخواني، لافتا إلى أن إدارة بحوث الدعوة تم تطهيرها من العناصر الإخوانية، بعد أن اختار الوزير بنفسه الأعضاء الجدد، كما ستشارك لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب وعلماء النفس والاجتماع والتنمية البشرية في اختيار موضوعات الخطب.
 
#لا_للخطبة_المكتوبة
 
وفي المقابل، رفض قطاع كبير من أئمة ودعاة وزارة الأوقاف هذا الاقتراح، قائلين إنه سيؤدي إلى إضعاف الخطباء وإهدار كرامتهم.
 
ودشن عدد من الأئمة حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لرفض هذه الفكرة، عبر هاشتاج #لا_للخطبة_المكتوبة، أعربوا خلاله عن شعورهم بالإهانة جراء هذه الفكرة، التي تضيع ما تبقى من كرامتهم، فقراءة ورقة فوق المنبر لا تحتاج إلى عالم أزهري، إنما تحتاج إلى إنسان حاصل على محو الأمية.
 
وقال عدد من الأئمة إن هذه الفكرة تقتل الإبداع، وتمحو شخصية الخطيب، مؤكدين أن "النموذج الخليجي" لا يناسب الدعوة في مصر، وأكد آخرون أن القضايا التي تشغل أهالي منطقة ما قد لا تهم سكان منطقة أخرى.
 
كما تقدم العشرات من الدعاة وأئمة المساجد بطلبات إلى وزير الأوقاف بالتراجع عن تنفيذ الفكرة، والاكتفاء بتوحيد موضوع الخطبة، مع ترك الصياغة للإمام بما يتناسب مع المكان والجمهور.
 
وحاولت الوزارة السيطرة على غضب الأئمة، حيث استدعت عددا منهم للتحقيق، بتهمة الاعتراض على تطبيق المشروع، والتصريح لوسائل الإعلام بسلبياته.