كتاب عربي 21

صوت الزنازين

1300x600
ترتطم القيود الحديدية ببعضها البعض وتُصدر حلقاتها هذا الصرير الذي يشق الNذان، لكن صوتها لا يسمعه أهل الزنازين وحدهم بل يدوي في جنبات وطن صار سجنا كبيرا يحيط بأبنائه ويحاصر أحلامهم ويبدد آمالهم في مستقبل ترفرف فيه رايات الحرية وتُحفظ فيه كرامة الإنسان. 

الساخرون يُسجنون، والجادون يُسجنون، والبناءون يُسجنون، ومن رأوا أنهم ينتوون المعارضة يُسجنون، تستيقظ في الصباح وتطالع الصحيفة لتجد اسم صديقك وجارك في قوائم الإرهابيين فجأة! هؤلاء الذين قررت الدولة صبغهم بالإرهاب ووصفهم بالخطورة الشديدة رغم أن أخطر ما قام به صديقك في الحياة هو عبور إشارة المرور أثناء سير السيارات!

لا تسلم النساء من الأذى طالما صدحت أصواتهم بنداء الحرية، فخلف القضبان مئات من هؤلاء البنات والسيدات اللواتي تغدق الدولة عليهن بكرمها فتتهمهن بالارهاب والتخطيط له والتآمر على الكون بينما هؤلاء الوديعات لا يجرؤن على قتل النملة أو الصرصور إذا ما صادفنه في بيوتهن!

أما الأطفال فمأساة ماثلة أمام عيوننا، فقد تحول الأطفال لزعماء مافيا يقومون بتعطيل تسيير القطارات والتخطيط لإفشال إنجازات السلطة وممارسة الإرهاب وصناعة المتفجرات والقيام باغتيالات وتصفيات لا يمكن تصديقها إلا إذا شاهدتها في مسلسلات قنوات الأطفال الخيالية التي تتحدث عن الوحوش والبشر الذين يتحولون لسفاحين يشربون دماء البشر ويتقوتون عليها. 

قصص أغرب من الخيال تضمها جدران الزنازين، لو عاد أهل الفن وراجعوا تلك الأعمال السينمائية التي وثقت فترة الستينيات في مصر وما حدث فيها من أهوال داخل المعتقلات لاعتبروا أن ذلك ترفا بالغوا في توصيفه وأن ما يحدث الآن في مصر هو الأشد قسوة على الإطلاق وهو الذي لا يصدقه عقل
هذه معتقلة لأنها سعت لانتشال أطفال الشوارع من الضياع وأعادتهم للحياة الطبيعية عبر تأهيلهم وتطوير قدراتهم للاندماج في المجتمع الذي ينبذهم ليصبحوا مواطنين صالحين بدلا من كراهية المجتمع والانتقام منه، هذه معتقلة أفجعتها منظومة العدالة فقالت للمحقق (إنني لا أجد الحياد في من يحاكمني فكيف أثق في ما سيصدر عنه)، هذا معتقل كان سبب اعتقاله أنه ارتدى تيشيرت مكتوبا عليه ( أنا عايز أعيش في كوكب تاني)، هذا معتقل لا علاقة له بالسياسة لكنه مثل آلاف غيره أوقعه حظه العاثر في يد الاعتقال العشوائي من الشارع ثم وجد أنه متهم في قضية بتهم خطيرة وكل جريمته أنه كان يمشي في الشارع حين اختطفه هؤلاء وقرروا أنه مجرم عتيد!

هذا مواطن يدين بالمسيحية لكنه معتقل بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، هذا مواطن كان نائما في بيته وسمع صراخا فس الشقة المقابلة له ففتح بدافع الإنسانية ليطمئن على جيرانه فوجدهم قد جاءوا لاعتقال جاره الذي لم يكن موجودا بمنزله، فاستداروا إليه واعتقلوه وبين عشية وضحاها وجد نفسه متهما بالانضمام لجماعة مسلحة تمارس الإرهاب وتخرب البلاد!

هل ما زال هناك من يصر على إنكار قضية المعتقلين أو تبرير اعتقالهم؟ لقد أصبحت كثير من صفحات المؤيدين – وليس المعارضين – تروي عن حكايات شخصية لأناس يعرفونهم تم اعتقالهم والزج بهم في اتهامات خيالية لا علاقة لهم بها، هؤلاء المؤيدون فماذا لو حكى المعارضون ما أصاب ذويهم ومن يعرفونهم؟

لا يمكن حصر الانتهاكات ولا الاعتقالات بشكل دقيق نظرا لتفشيها ولكن مطالعة تقرير حقوقي لمركز النديم عن حصاد سنتين من الانتهاكات يبعث على الخوف من مستقبل مصر إذا لم تُغل يد البطش، يقول التقرير الذي نشره المركز على صفحته الرسمية (رصد التقرير ما شهدته مصر من انتهاكات خلال العاميين الماضيين، في الفترة من 8 يونيو 2014 إلى 7 يونيو 2016، حيث إنه في العاميين الماضيين وقعت 1083 حالة قتل، وقعت 6 حالات منها في الستة أشهر الأولى في الفترة بين 8 يوليو 2014 إلى 31 ديسمبر 2014. تزايدت في السنة التالية لتصل إلى 326  في الفترة بين 1 يناير 2015 إلى 31 ديسمبر 2015 ثم تضاعفت في الستة أشهر الأخيرة لتصل إلى 754 حالة.

بالإضافة إلى 239 حالة حالة وفاة وقعت في أماكن الإحتجاز، 53 حالة منها وقعت في الستة أشهر الأولى في الفترة من 8 يوليو 2014 إلى 31 ديسمبر 2014، فيما تزايدت نسبتها لتصل إلى 135 في السنة التالية أي في الفترة من 1 يناير 2015 إلى 31 ديسمبر 2015، ثم وقعت 31 حالة في الفترة بين 1 يناير 2016 إلى 7 يوليو 2016.

فضلا عن وقوع 915 قتيل راحوا ضحايا للتعذيب في أماكن الاحتجاز – بحسب التقرير - 78 منهم رصدها النديم في الستة أشهر الأولى أي في الفقترة بين 8 يوليو 2014 إلى 31 ديسمبر 2014، تضاعفت بشكل مخيف في العام 2015 لتصل إلى 601 حالة في الفترة من يناير 2015 إلى 31 ديسمبر 2015، بالإضافة إلى 236 حالة في الفترة بين 1يناير 2016 إلى 7 يونيو 2016.

بالإضافة إلى حالات التعذيب الفردي وقعت عدة حالات للتعذيب الجماعي يبلغ عدهم 116 حالة، 35 حالة منهم وقعت في الفترة من 8 يونيو 2014 إلى 31 ديسمبر 2014، و37 حالة في الفترة من 1 يناير 2015 إلى 31 ديسمبر 2015، فيما وقعت الـ44 حالة المتبقية في الفترة بين 1 يناير 2016 إلى 7 يونيو 2016.

كما جاء في التقرير وقوع 121 حالة تكدير وتضييق على المعتقلين وذويهم، 6 حالات منها وقعت في الفترة من 8 يوليو 2014 إلى 31 ديسمبر 2014 و 27 حالة وقعت في الفترة من 1 يناير 2015 إلى 31 ديسمبر 2015. 

فضلا عن حالات الإهمال الطبي في أماكن الإحتجاز فحسب التقرير وقعت 597 حالة إهمال طبي، 37 حالة منها وقعت في الفترة منم من 8 يوليو 2014 إلى 31 ديسمبر 2014، تزايدت نسبتها لتصل إلى 310 في الفترة من 1 يناير 2015 ثم 250 في الفترة من 1 يناير 2016 إلى 7 يوليو. 

هذا ما قاله مركز النديم في تقريره الأخير الذي إن افترضنا أن الأرقام الموجودة به غير دقيقة وأن الانتهاكات التى تحدث تمثل 50% فقط من اجمالي الانتهاكات المذكورة وهذا يعني أننا تفوقنا على كل المراحل التاريخية التي مرت بها مصر في إهدار حقوق الإنسان وسحق كرامته. 

هذه ليست معركة على سلطة ولا تشويها وافتراء على نظام يشوه نفسه بيديه، لكنها صرخة ألم وجرس إنذار لمن يظنون أن سحق الإنسان يصنع الاستقرار ويدفع البلاد للتقدم، لا تخبرونا أنه لا يوجد معتقلين سياسيين في مصر فالسجون التي تفتتح يوما بعد يوم تنبئنا عن حقيقة ما يجري، لقد ضاقت الزنازين بأهلها وانطلق صوت الزنازين هادرا يطلب الحرية لآلاف المصريين الذين لم يمارسوا عنفا ولم يستحلوا دما وإنما عبر بعضهم عن رأيه بسلمية ودفع بعضهم الثمن نتيجة العشوائية والبلاغات والتحريات الكيدية التي تدين الأبرياء بلا جرم اقترفوه! 

إطلاق سراح المعتقلين السياسيين خطوة هامة لفتح المجال العام ونزع عوامل الانفجار أما المبالغة في البطش والاغترار بالقوة والإصرار على سحق الأبرياء فهو مدعاة لليأس واستدعاء للكراهية ومضاعفة الشقاق المجتمعي، آن للزنازين أن تعيد لمصر أبناءها الذين غُيبوا عن النور، الحرية لكل معتقل نعرفه أو لا نعرفه، نحبه أو لا نحبه، نتفق معه أو نختلف عنه، الحرية للإنسان، الحرية لمصر...