أهل علينا شهر كريم تتجلى فيه العلاقة بين العبد وربه ويتبارى فيه المسلمون للعودة إلى الله للفوز برضوانه والدعاء للأمة، لعل الله يرفع عنها ما نحن فيه من بلاء، ولرمضان معان اقتصادية إذا طبقت للرفع من شأن الدول والأمم، ورمضان خلق آليات اقتصادية ما أحوجنا إليها هذه الأيام لدولنا العربية والإسلامية كافة كمحركات للاقتصاد.
وهذه المحركات مهمة لأي قوة اقتصادية تتحرك في مضمار النمو الاقتصادي وتكون لها تأثير كبير في التشغيل والإنتاج ويمكن إيجاز هذه المحركات فيما يلي:
أولا: القوة الاقتصادية المحركة الأولى لأي اقتصاد هو الإنتاج، ففي الإنتاج اختزال لفرص العمل والتشغيل والأرباح، فكلما زاد الإنتاج زادت فرص العمل والاستثمار والأرباح، ومن ثم زيادة الإنتاج مرة أخرى، والأصل في رمضان أنه يقلل الاستهلاك، وتقليل الاستهلاك من شأنه أن يزيد المدخرات، وزيادة المدخرات تدفع إلى زيادة الاستثمار ومن ثم زيادة الإنتاج وفرص العمل والأرباح.
والمتابع في أحوال البلاد والعباد يعجب على حال الدول، فبلد مثل
مصر يزداد الاستهلاك فيه في رمضان أضعاف أي شهر آخر، ففي دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية عن أن الأسرة المصرية تزيد نفقاتها في شهر رمضان تقريبا إلى الضعف، حيث أن 83% من الأسر تغير عاداتها الغذائية خلال رمضان مضيفة الدراسة أن نسبة الإنفاق الاستهلاكي تتضاعف. فيرتفع معدل استهلاك الحلوى إلى نحو 5,66% فيما يصل استهلاك اللحوم والطيور إلى نحو 63% وزيادة نسبة استهلاك المكسرات بنحو 25%. ناهيك عن تسلط الإعلام على الناس لزيادة الاستهلاك من قبل الإعلانات الاستهلاكية ليل نهار، والكل يتسابق على دخل المواطن المحدود من أجل الإنفاق، ورغم أن فضيلة الشهر تدعونا إلى التقليل من الاستهلاك والذي نأخذه على محمل الهزل لدرجة أن دولة مثل مصر يفوق واردتها صادراتها بأربعة أضعاف جراء زيادة الاستهلاك حاضة الاستهلاك الترفي.
وبدون أدنى شك فإن الحكومات الرشيدة يمكن أن تشجع السياسات الإنتاجية القائمة على الحد من الاستهلاك وتشجيع المواطنين على الادخار وحماية المواطنين من الاستهلاك الترفي وفرض قيود شديدة على المنتجات الرديئة خاصة المستوردة فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما عال من اقتصد”، أى إنه لا يمكن أن يفتقر الناس أو الدول طالما أن استهلاكهم يقل عن دخلهم ويزداد ادخارهم، وقد كان من وصايا الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتصد في الفقر والغنى، أى إنه لا بد من الادخار في الغنى والفقر، مما يدفع إلى مزيد من الاستثمارات التي تدفع إلى مزيد من الإنتاج مرة أخرى.
ثانيا: عدالة توزيع الدخول
المتتبع لأحوال بلادنا ينظر بعين لا تخطئها عين إلى عدم عدالة التوزيع في الدخول، فتارة تجد فئة ثرية ثراء فاحشا وفئة فقيرة فقرا مدقعا، والحكومات كما يبدو لنا لا حيلة لها على الإطلاق في علاج الخلل إن لم تكن هي بالأساس الدافع إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فالسياسات الاقتصادية في مصر تحابي الأغنياء على حساب الفقراء، ولذا فإننا لا ننتظر من الحكومة إصلاح هذا الخلل على الإطلاق، إنما إصلاحه يأتي من خلال الناس أنفسهم، فالزكوات التي يدفعها للناس تعيد توزيع الدخول من الأغنياء إلى الفقراء، انظر إلى دولة مثل مصر تستطيع أن تقدر زكاة المال إذا علمت أن في مصر 2000 مليار جنيه ودائع ادخارية، أى أن زكاة المال تبلغ 50 مليار جنيه سنويا، وهو أعلى من بتد الدعم في مصر خلال السنة، فتدفق 50 مليار جنيه في شرايين الاقتصاد قادر على أن يعطي دفعة للطلب الكلي في مصر، والذي بدوره يدفع العرض والإنتاج الكلي إلى التزايد، إن دولنا الإسلامية في حاجة ماسة لأن تعود لتعزز أدواتها حتى تستطيع أن تخرج من كبوتها وتعزز مكانتها بالعودة إلى ما أمرها الله لعل الله أن يكشف من كرب هذه الأمة، وهو القادر عليه نأمل من الله ذلك مع حلول هذا الشعر الكريم اللهم آمين.