كتاب عربي 21

"أبو علي الأنباري" وتنظيم الدولة

1300x600
عندما أعلنت الولايات المتحدة أن القوات الأمريكية قتلت عددا من مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" في 24 آذار/ مارس 2016، منهم عبد الرحمن مصطفى القادولي، وصفته بأنه الرجل الثاني في التنظيم، وقال حينها وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، إن القادولي كان يعمل مسؤولا عن "وزارة مالية" التنظيم.

وفي 14 أيار/ مايو  2014، أعلنت الولايات المتحدة القادولي "إرهابيا عالميا"، وفي 5 أيار/ مايو 2015، رصدت وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى سبعة ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض عليه أو قتله.

وبحسب وصف وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها، فإن القادولي من مواليد 1957 أو 1959، وهو "مسؤول رئيس في الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وقام بإدماج نفسه في داعش، عقب الإفراج عنه من السجن في أوائل عام 2012، وسافر إلى سوريا للعمل في شبكة داعش التي مقرها سوريا، وانضم إلى منظمة القاعدة في عام 2004، تحت قيادة قائد تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وشغل منصب نائب الزرقاوي، وأمير تنظيم القاعدة في الموصل".

وهو تركماني من مواليد عام 1957 في الموصل، يستخدم عددا من الأسماء المستعارة، منها حجي إيمان، وعبد الرحمن محمد مصطفى شيخلار، وأبو شعيب، وعمر محمد خليل مصطفى، وعبد الرحمن محمد البياتي، وطاهر محمد خليل مصطفى البياتي، وأبو إيمان، وأبو علاء، وأبو حسن، وأبو محمد، وأبو زينة، وغيرها.

تنظيم الدولة الإسلامية لم يتطرق إلى الرواية الأمريكية بإعلان مقتل أبو علاء العفري، لكنها أشارت إلى كنيته التي لم تذكرها الولايات المتحدة في سيرته، التي ترتبط بأحد أبعاد شخصيته المتعلقة بالأمن، ولم ينشر التنظيم سيرة موثقة للأنباري، ولم يعلن خبر مقتله بصورة مباشرة.

إلا أنها أعلنت عن بدء سلسلة من الغزوات تحمل اسمه في سائر الولايات الداخلية في العراق وسوريا والولايات الخارجية كافة، عقب مرور أكثر من شهر من الإعلان الأمريكي في 30 نيسان/ إبريل 2016، وذلك في بيان بعنوان "غزوة الشيخ أبي علي الأنباري- تقبله الله"، هاجم من خلالها عناصر التنظيم قوات البيشمركة في نينوى، وهي أول إقرار من التنظيم بمقتله.

ثم أعلن تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا ولاية طرابلس، في بيان له عن سيطرته على قرى عدة، بين منطقة السدادة وسرت، وسمّى التنظيم هذه العملية "غزوة الشيخ أبي علي الأنباري- تقبله الله".

وبعدها أعلن تنظيم الدولة الإسلامية/ ولاية سيناء، مسؤوليته عن قتل ثمانية من عناصر الشرطة المصرية في حلوان جنوب القاهرة، وقال إن العملية تأتي هذة  ضمن سلسلة عمليات "غزوة الشيخ أبي علي الأنباري- تقبله الله"، وتبعتها بقية الولايات في تسمية هجماتها بالتسمية ذاتها.

الرواية الأمنية العراقية تشير إلى أن القادولي هو عبد الرحمن مصطفى أبو علاء العفري، وكنيته "أبو سجى"، الذي يعرف وسط قيادات تنظيم الدولة باسم "الحاج إيمان"، عراقي الجنسية، تركماني القومية، حيث ولد في منطقة الحضر، التابعة لمنطقة آل هدار التي تبعد 80 كم جنوب مدينة الموصل في محافظة نينوى العراقية، وتعلم في مدارس مدينة الموصل والتحق بجامعتها ودرس الفيزياء، وبعد تخرجه تم تعينه مدرسا لمادة الفيزياء في مدينة تلعفر العراقية في محافظة نينوي.

وقد تبنى الأفكار الجهادية في فترة مبكرة من عمره، وسافر إلى أفغانستان عام 1998، وهناك التقى بأسامة بن لادن، ثم عاد إلى العراق عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003، ويايع تنظيم "أنصار الإسلام"، بعد تأسيس الزرقاوي لجماعة التوحيد والجهاد، ثم الانضمام إلى تنظيم القاعدة 2004.

وبعدها، أسّس "جماعة سرايا الجهاد" في تلعفر، لقتال الأميركيين، قبل أن يُبايع عام 2004 أمير "مجلس شورى المجاهدين" أبو مصعب الزرقاوي، ليصبح قياديا بارزا في التنظيم.

وبعد تولي أبو بكر البغدادى زعامة التنظيم أصبح من أشد المقربين إليه، نائبا له، ورئيسا لمجلس الشورى، والمستشار الشرعي للبغدادي، وتولى أيضا مناصب عديدة، منها: المنسق العام لشؤون الشهداء والنساء، ووزيرا  للشؤون الاجتماعية، ورئيسا لمجلس الشورى، ومسؤول التنسيق بينه وبين المقربين منه، ومحافظي محافظات التنظيم.

وأشارت المصادر العراقية إلى أن مهامه لم تقتصر على السيرة السابقة، إذ أعلنت أنه مسؤول عن المجلس العسكري والمجلس القضائي والشرعي والإعلامي، ورئيس مجلس الأمن والاستخبارات، أما التنظيم فأشار مرة إلى أن أبو علاء العفري يتولى منصب والي ولاية "الجزيرة"، وهي ولاية أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن تدشينها في شباط/ فبراير 2015 في العراق، وتضم أجزاء من ولاية "نينوى" وولاية "الفرات"، وهي مناطق سنجار، وتل عبطة، والمحلبية، وتلعفر، وزمار، والبعاج، وغيرها"، وقد أعلنت الأجهزة الأمنية العراقية عن مقتل العفري مرات عديدة كان آخرها في آب/ أغسطس 2014.

الروايات المستقلة حول سيرة الأنباري إلى أن عبد الرحمن القادولي، لم يكن رجلا عاديا، فقد أمسك بعصب تنظيم "الدولة الإسلامية" المال والأمن، وأنه عُرِف في بداياته "مستشار أمير المؤمنين"، وتردّد لاحقا أنه "الأمير الشرعي العام" للتنظيم.

وقيل أيضا إنه مسؤول الشؤون المالية والأمنية، بل الوصي الرئيس على الغنائم والبترول في العراق، وأن اسم "الأنباري" ظهر إلى العلن عقب الخلاف بين تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، وقبيل الخلاف أرسل البغدادي عددا من قياداته إلى سوريا، غير أن "الحجّي الأنباري" لم يكن محصورا في بقعة معينة، بل وسعت مسؤولياته وشملت كل المحافظات السورية، باعتباره "المدبّر الأول".

وأنه بعد جلسات عديدة مع "النصرة" بهدف المصالحة، ثم تحولها إلى مناظرات ودعوات إلى "المباهلة"، أعلن في آخر جلسة مصالحة، مستشارا لأمير "الدولة"، موقفه بالقول: "إمّا أن نبيدهم أو يُبيدونا"، وتشير الروايات أن الأنباري سُجن في سجن "بوكا" الأمريكي في العراق، وقبلها في  سجن "سواقة" في الأردن، ويُقال إنّه تعرّف هناك إلى الزرقاوي.

في المقابل، وفي روايات المعارضة السورية أن الأنباري كان من رجال الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، ضابطا في صفوف الجيش العراقي.

في روايات أخرى، فإن الأنباري كان أحد وزراء أبو مصعب الزرقاوي، ويُساويه البعض بـ"أبي مصعب السوري"، فكلاهما درس الفيزياء، ويعدّه جهاديو "النصرة"، من منظّري تنظيم "الدولة الإسلامية"، إذ أن له 37 درسا صوتيا في العقيدة، إضافة إلى سلسلة دروس شرعية، يُستند إليها باعتبارها ملخّص المنهج الفكري للتنظيم.

في روايات أخرى، فإن عبد الرحمن مصطفى القادولي العفري (من تلعفر)، وأنه كان مدرسا للفيزياء، وهو مسؤول بارز في التنظيم، ولكن مدرس الفيزياء من أهالي تلعفر الذي حلَّ نائبا للبغدادي اسمه علاء قرداش الذي كان يُكنَّى بـ"أبي جاسم العراقي"، ثم بدَّل كُنيته إلى "أبي عمر قرداش"، ثم إستقر على الكُنية الأشهر "أبو علي الأنباري"، وهو كان المسؤول الأمني والشرعي العام لتنظيم "الدولة الإسلامية" ومسؤول أراضيها في الشام، وكان يقدم الدروس الدينية بين صلاة المغرب والعشاء في جامع الإمام النووي في الرقة السورية، وكان في العهد السابق ضابطا في الجيش العراقي السابق ومسؤول فرقة حزبية في البعث.

خلاصة القول، إن سيرة الأنباري تلخص سيرة وسردية  تنظيم الدولة الإسلامية، فمنذ تأسيسه برهن على صلابة بنائه الهيكلي ومتانة تكوينه التنظيمي، فقد عمل مبكرا على تطوير مؤسسات بيروقراطية صارمة، وأجهزة سياسية عسكرية مترابطة، فهو يعمل منظمة مركزية ذات إيديولوجية دينية شمولية تهدف إلى السيطرة والتوسع، ويقدم نفسه هوياتيا ممثلا لإسلام سني ممتهن يتعرض لخطر التمدد الشيعي في المنطقة.

كما أنه يقدم نفسه مناضلا ضد الإمبريالية والدكتاتورية، وعلى الرغم من سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا وامتداد نفوذه إلى مناطق عديدة في العالمين العربي والإسلامي، إلا أنه يتميّز بتماسكه التنظيمي وصلابته الإيديولوجية، فالبناء الهيكلي المركزي والإدارة البيروقراطية الصارمة حالت دون حدوث انشقاقات لافته في بنيته التنظيمية، فنظام "الخلافة" المعتمد يفرض على الأفراد الطاعة التامة، والالتزام بالتراتبية، وتقسيم العمل بين الأجهزة الإيديولوجية والبيروقراطية والعسكرية.

إذ تعمل المجالس الشرعية والعسكرية والأمنية والإدارية وفق أنظمة ولوائح مقررة، وسلطة مرجعية ثابتة.