كتاب عربي 21

جمهورية الحالات الفردية

1300x600
أمين شرطة يطلق النار على شاب يبيع الشاي فيرديه قتيلا لخلاف على الأجرة، أمين شرطة يطلق النار على سائق توكتوك بالدرب الأحمر فيرديه قتيلا لخلاف على الأجرة، ضابط شرطة يطلق النار على فلان بسبب كذا فيرديه قتيلا .. أمين شرطة يطلق النار .. ضابط يطلق النار .. طائرة تنسف منازل في سيناء .. مدافع تضرب بيوتا في الشيخ زويد .. المزيد من الحالات الفردية كل يوم.

الحالة الفردية رقم 7675689 والتي وقعت بالأمس في الألف مسكن، أطلق الضابط الرصاص على سائق الميكروباص بعد أن رفض السائق سباب الضابط لأمه، فقال له الضابط إنه سيجعله كأمه وأطلق النار عليه بمكان حساس .. بعدها بساعات توفي السائق.

لا تحتاج لقدرات تحليلية خارجة عن المألوف لتدرك أن القاسم المشترك في كل تلك الحالات الفردية، صلف يقف خلف الزناد. ضابط أو أمين شرطة أو طيار يعتقد أن من حقه أن يقتلك ويزهق روحك ويهدم منزلك ويرى من العجيب أن تقاومه. هو يرى أنك عبد لديه وأن قتلك حماية للدولة وأن نرفزة أعصاب سيادته تعد على الأمن القومي ومؤامرة كونية يجب وأدها في مهدها.

من يرفض سباب الضابط لأمه خائن وعميل ومتآمر على الوطن .. من يطالب بحقه ويرفض أن يسرقه أمين شرطة أو ضابط عميل يتلقى مقابلا من أجهزة المخابرات الغربية لهدم مؤسسات الدولة .. من ينشر صور جرائم الجيش المصري في سيناء ومن يتحدث عن غارات الطائرات على المنازل وقصف المدفعية لبيوت سيناء, فهو عميل لأسرة قائد الأسطول السادس الأمريكي.

القاعدة الثانية هي أن الشعب عبيد لدى ضباط الجيش والشرطة ويُحْظَرُ على الشعب أن يبدي تذمره!!

منطق عبر عنه بكلمات واضحة، وزير عدل الانقلاب المخلوع أحمد الزند حين قال أنهم السادة والشعب عبيد.
وهكذا ترتكب دنشواي جديدة كل يوم

حالات فردية !!

هكذا يسميها المتحدثون باسم داخلية الانقلاب وهكذا يردد إعلام العسكر.

في حالات فردية أخرى تناثرت جثامين شهداء الثورة في الشوارع حول صناديق القمامة. في تلك الصورة الشهيرة كانت تقف بجانبها مجموعة من العساكر الغلابة (كما يهوى تسميتهم هواة تزييف الوعي).

حالات فردية أخرى في العباسية ومحمد محمود وميدان التحرير والقائد إبراهيم وغيرها.

في حالات فردية أقدم اعتدت ميليشيات الشرطة العسكرية على المتظاهرين في التحرير في 2011, فأصدر المجلس العسكري بعدها بيانا كان عنوانه "اعتذار ورصيدنا لديكم يسمح".

منذ الانقلاب أصبحت "الحالات الفردية" تتحدى القدرة البشرية على العد.

تقرأ في كتب التاريخ كيف كان جنود الاحتلال البريطاني يصطادون المصريين ببنادقهم كالعصافير .. هكذا وصف الوضع أحد الكتاب.

حسنا .. هذا ما يحدث في جمهورية الحالات الفردية، الآن ولو استبدلت الأزياء العسكرية البريطانية بنظيرتها المصرية لما شعرت بالفارق.

ما يحدث الآن من استضعاف للشعب على أرضه هو نتيجة حتمية لعملية سرقة مصر التي بدأت مع رجل فرنسا محمد علي، والذي أسس جيش الأحلام الذي اقترحه رجال نابليون بديلا عن القوة العسكرية الإسلامية وقتها (المماليك).

والجدير بالذكر على هامش الموضوع أن المصريين انتصروا على حملة فريزر قبل أن ينشئ محمد علي جيشه الفرنسي.

الدولة التي يدعو البعض للحفاظ عليها هي ببساطة المندوب الدائم للاحتلال في بلادنا.

هذا الكلام يبدو عجيبا ومؤرقا لمن نشؤوا على أوهام ما يسمى بمؤسسات الدولة وانتصاراتها الخيالية ويقع هؤلاء في مأزق حين تقع "الحالات الفردية" فمن ناحية هم يرون أن الجيش لا يجب أن يحكم ولكنهم لا يقدمون حلولا في هكذا حالات، بل تجد بعضهم يقترح الاحتكام للمؤسسات نفسها التي تمارس القتل.

ولهؤلاء أوجه سؤالي ..

كيف تتصورون وقف عمليات القتل الممنهجة التي تتم ضد المصريين؟

وإجابتهم كما أتوقع .. لا شيء سوى الصمت أو المزيد من التخبط والحلول الخيالية.