مقالات مختارة

ليس لدى كوربين مشكلة معاداة للسامية

1300x600
معاداة السامية مشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية هنا تكمن في الطريقة التي تعرف بها ويساء استخدامها ثم تستغل بشكل بشع للانقضاض على الخصوم السياسيين.

إذن، حزب العمال البريطاني لديه مشكلة معاداة السامية، والخطأ، كل الخطأ، مرجعه بوضوح إلى السياسيين المعروفين بمناهضتهم للعنصرية مثل جيريمي كوربين وكين ليفنغستون.

وصلت الاتهامات بوجود مشكلة لدى حزب العمال مع معاداة السامية إلى ذروتها يوم الأربعاء عندما صدر قرار بتوقيف ناز شاه، عضو البرلمان المبتدئة عن دائرة غرب برادفورد، بسبب تعليقات لها في وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2014، كل تغريداتها، فيما عدا واحدة، ورغم أنها فظة وكريهة، لم تكن معادية للسامية.

بفوزها في الانتخابات أطاحت ناز شاه بجورج غالاوي، وقد أشيد بها في حينه ووصفت بأنها "معتدلة" عمالية، ولم يحصل من قبل أن تألب عليها عضو عمالي واحد من أعضاء البرلمان. لك أن تتأمل إلى أي مدى تغيرت الدنيا في زمن كوربين.

ليس من معاداة السامية أن يقتبس المرء قولا من أقوال مارتن لوثر كينغ للتأكيد على حقيقة أن الجرائم في كثير من الأحيان ترتكب ضمن ما يعتبر قانون البلاد. يتعلق القول المقتبس بالجرائم التي ارتكبها هتلر، وقد استخدمته ناز شاه للدلالة على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل. من المؤكد أن مثل هذه المقارنة تعوزها الحساسية وتجانب الصواب، ولكنها ليست معادية للسامية.

لقد بات سلوكا كسولا وفظا ربط الطغاة ومنتهكي حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين بشخصية أدولف هتلر. في عام 2006 حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت محمود أحمدي نجاد كان أكثر خطراً من أدولف هتلر، ورغم أنه زعم يجافي المنطق ولا يقبله عاقل إلا أنه لم يحظ من الانتقاد إلا بالنزر اليسير. ما لبث أن أصبح بنيامين نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل ليبرئ هتلر من جرائمه ويحمل الفلسطينيين المسؤولية عن المحرقة.

ومع ذلك، فإن من المشروع انتقاد إسرائيل وربطها هي وسياسييها بالسياسات الفاشية الأوروبية دون الوقوع في معاداة السامية. فقد فعل ذلك ألبرت أينشتاين وغيره من المفكرين اليهود البارزين مثل هنـا آريندت في رسالة نشرت عام 1948 في صحيفة نيويورك تايمز مباشرة بعد الفظائع التي ارتكبتها الفاشية.

ما فعلته ناز شاه هو أنها عملت "شير" لمشاركة تنتقد الدعم المالي الأمريكي لإسرائيل، والمشاركة المذكورة كانت تتعلق بحل سياسي "فكاهي" لصراع خطير وبالغ التعقيد. كان ذلك حماقة منها ولكن لا يمكن اعتباره معاداة للسامية، بغض النظر عن المدى الذي ذهب إليه دافيد كاميرون ليسلط الضوء على كلمة "نقل" خلال جلسة مساءلة رئيس الوزراء الأسبوعية. لم تصدر أن نداءات من أعضاء البرلمان العماليين لتوقيف دافيد كاميرون حينما دافع عن حق إسرائيل في قتل 2200 فلسطيني في غزة، 76 بالمائة منهم من المدنيين، بما في ذلك 500 من الأطفال.

ولكن ناز شاه كانت معادية للسامية حينما كتبت "اليهود يتدافعون" فيما يتعلق باستطلاع بادرت نفسها بإجرائه حول القصف الجوي لقطاع غزة، وكانت تتحدث عن أنصار إسرائيل. من المؤكد أنه توجب عليها الاعتذار لأنها أخطأت باعتبارها جميع مؤيدي إسرائيل يهودا – وهو أمر مجاف للحقيقة وبعيد كل البعد عن الصواب، وهو أمر يتمنى كل الصهاينة أن يصدق الناس بأنه الواقع.

الدمج والتداخل هو المحور الذي يلتقي عنده المعادون للسامية والصهاينة، فكلا الطرفين يؤمنان بأن إسرائيل مرادف مباشر لليهودية. وهي ليست بتاتا كذلك. بل الصهيونية عبارة عن أيديولوجيا سياسية تقوم على شكل من أشكال القومية المتمركزة عرقيا، وهي أقرب إلى كونها موقع متقدم للمحافظين الجدد من كونها طوباوية دينية، ولها الكثير مما تشترك فيه مع مخلفات الماضي الأوروبي مثل الاستعمار وادعاء التفوق العرقي.

من المفارقات أن واحدا من رواد مناهضة التمييز العنصري في البلاد، ألا وهو جيريمي كوربين، ذلك الرجل الذي ناضل طوال حياته ضد العنصرية، والذي ألهمته كتابات وأفكار عظماء المفكرين اليهود من أمثال ماركس وتروتسكي وغيرهما، يتعرض لهجوم شرس الآن بحجة أنه يقود حزباً سياسياً يدّعى أن أعضاءه كارهون لليهود.

لا يوجد من الأدلة على ذلك ما يستحق الذكر. وهنا ألفت نظركم إلى التحقيق الشامل والمفصل الذي جرى بحق جميع أعضاء حزب العمال التسعة الذين أوقفوا بسبب مزاعم حول معاداتهم للسامية (وكان قد نشرت تفاصيل ذلك قبل توقيف ليفينغستون). يشير ذلك بوضوح إلى أن الأفراد الذين أوقفوا قضاياهم كانت قد سبقت تزعم كوربين لحزب العمال، بل وهناك ما يشير في بعض الحالات أن التوقيف نفسه مثار خلاف. ولنكن نزيهين في حكمنا. من المؤكد أن تسعة أعضاء، والآن أصبحوا عشرة، من بين أربعمائة ألف لا يمكن أبدا اعتباره وباء، وهي نسبة لا بأس بها إطلاقا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن سبعة في المائة من الشعب البريطاني ينظرون إلى اليهود نظرة سلبية بحسب تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث.

ولكن ما يظهره ذلك هو وجود جهد منظم ومنسق من قبل اليمن داخل حزب العمال في الفترة التي تلت فوز كوربين بزعامة الحزب بهدف شيطنة العمال وإظهاره كحزب معاد لليهود. ويتضمن هذا الجهد التنقيب في مواقع التواصل الاجتماعي عن أي دليل يمكن أن يستخدم معولا للنيل من كوربين. من المثير للانتباه أنهم، ورغم ما يبذلونه من موارد وأوقات، إلا أنهم لم يتمكنوا من العثور على الكثير حتى الآن. وأتساءل هنا، ماذا كانوا سيجدون يا ترى لو بذلوا نفس الجهد وأنفقوا نفس الموارد بحثاً داخل مواقع التواصل الاجتماعي عما يكتبه أعضاء حزب المحافظين؟ يا ترى كم من المداخلات والتغريدات العجيبة والغريبة والمنمقة لغة ومحتوى كانوا سيعثرون عليه؟.

ثم جاء كين ليفينغستون لينقذ الموقف فإذا به يجرع حزبه السم. من المؤكد أن كلماته الثملة كانت بمثابة سكب الزيت على النار. وكين مذنب بأنه يحب الشرب، وبأنه في العادة يتخبط هائما على وجهه فاقدا القدرة على التعبير عن أفكاره بشكل جيد. إلا أن ما قاله، بغض النظر عن عدم ملائمته للحدث، يرتكز إلى حقيقة تاريخية.

قال النائب جون مان إن كين لابد أنه قرأ مذكرات هتلر التي صدرت بعنوان "نضالي"، وكأن ليفينغستون لم يسمع بهتلر من قبل ولا بما ارتكبه من جرائم. ربما يتوجب على النائب مان أن يقوم هو نفسه ببعض المطالعة. بإمكانه أن يبدأ بقراءة مقالة نشرها المركز العالمي للتذكير بالمحرقة حول التعاون الذي حصل في عام 1933 بين النازيين والصهاينة، وتركز حول نقل اليهود الألمان إلى فلسطين. هل سيعمد النائب مان إلى التوجه إلى المركز العالمي للتذكير بالمحرقة ويهاجم القائمين عليه كما فعل مع كين؟ النائب مان ما هو سوى متنمر باحث عن مصالحه الشخصية، يسعى للشهرة من خلال القفز إلى الميدان تحت الأضواء كلما حصل موقف من هذا النوع. وفي هذه الحالة كل ما كان يريده هو أن تلتقط له عدسات الكاميرات صورا وهو يركل زعيم حزبه يمنة ويسرة.

تصدر أنصار طوني بلير الواحد تلو الآخر للمشهد ينبحون كالكلاب مطالبين بتوقيف كين ليفينغستون، وهو السياسي البريطاني الذي بذل من الجهود لمقاومة العنصرية طوال حياته المهنية أكثر بكثير مما بذله معظم الآخرين. وهنا يبرز الإرث الذي تركه بلير من بعده، ألا وهو إيجاد كتلة من السياسيين داخل حزب العمال تدافع عن إسرائيل بشكل فطري مهما صدر عنها. وأنا هنا أتحدى أي واحد من أعضاء البرلمان هؤلاء – جيس فيليبس، ويست ستريتنغ، ستيلا كريسي، جون مان – لإجراء مقابلة معي ليشرح لي فيها أين العداء للسامية فيما قاله كين ليفنغستون أو فيما قالته ناز شاه. ما هو تعريف هؤلاء النواب للمعاداة للسامية؟ أنا حقيقة مهتم بمعرفة رأيهم، وأرجو أن يتواصلوا معي.

توجيه الاتهامات بمعاداة السامية لزعيم سياسي نبيل ومناهض للعنصرية مهتم بمكافحة العنصرية المعسكرة في فلسطين هو عمل أبعد ما يكون عن الأمانة والنزاهة، ولكنه في نفس الوقت مقزز ومستقبح لأنه يتلاعب بشكل حقيقي جدا من أشكال المعاناة في سبيل تحقيق مكاسب سياسية آنية، إما بهدف استعادة مكانة سياسية مهدورة أو بهدف شن هجوم على مسؤول رفيع تحلى بالشجاعة فدافع عن الحقوق الإنسانية للفلسطينيين. إن المعاداة للسامية فعل شنيع، وينبغي أن تجابه وتقاوم كلما أطلت برأسها القبيح، ولكن استخدامها وسيلة للدفاع عن ظلم تمارسه دولة ما سلوك غير نزيه ويطعن في الصميم الجهود المبذولة لمكافحة العنصرية.

لويز إلمان هي واحدة من أولئك النواب في البرلمان البريطاني الذين خرجوا علينا من خلال شاشة قناة سكاي نيوز لتحذرنا من أن ثمة مشكلة معاداة للسامية داخل حزب العمال، وذلك دون أن تقيم أدنى حجة على ما ادعته. وهذه هي نفسها التي وقفت خطيبة بوصفها عضوا في البرلمان البريطاني في مهرجان مؤيد لإسرائيل عام 2009، بينما كان الإسرائيليون يشنون حربا تدميرية شاملة على قطاع غزة، لتقول بالحرف الواحد: "علينا أن نقف وقفة رجل واحد دعماً لإسرائيل". وهي نفسها التي قالت: "لا يوجد من هو بريء براءة تامة" في غزة، ولا حتى الأطفال. وأتساءل هنا ما إذا كانت تلك التصريحات التي أدلت بها مسبقاً ستخضع للتحقيق؟ وهل ستتعالى المطالب بوقفها عن العمل لأنها شوهت صورة شعب بأسره ولأنها خرجت تحرض الناس على الوقوف معاً دعماً لجريمة إبادة جماعية في غزة؟.

منذ اللحظة التي انتخب فيها كوربين لم يتوان خصومه عن وصمه بمعاداة السامية أو على الأقل بالتساهل مع معاداة السامية، وذلك بالرغم من سجله الطويل في مقارعة العنصرية ومحاربتها، وبالرغم من أنه أدان بلا هوادة معاداة السامية منذ أن استلم زعامة الحزب واتخذ إجراءات حاسمة ومباشرة بتوقيف أي شخص بدر منه تصريح يفيد المعاداة للسامية. إن الادعاء بأن حزب العمال متساهل مع العداء للسامية ادعاء باطل لا أساس له من الصحة، وهو ادعاء انتهازي ودوافعه سياسية بحتة. وقد وجهت نفس الاتهامات مؤخرا إلى رئيسة اتحاد الطلبة البريطانيين ماليا بوطايا التي وقع انتخاباها مؤخراً، وكانت الاتهامات كذلك بدوافع سياسية بحتة.

إن الربط بين معاداة السامية وبين الانتقاد الجاد لدولة إسرائيل لا يشكل فقط إهانة لليهود أنفسهم من ضحايا المعاداة للسامية، سواء في الماضي أم في الحاضر، وإنما يوفر أيضا غطاء قبيحا لتعالي الدولة وللاحتلال غير الشرعي، ولامتهان كرامة الإنسان، وللعنصرية، وللانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.

وعلى ذكر ذلك، كنت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ووجدت هذه التغريدة التي تغازل اليمين المتطرف في أوروبا وتتقرب إليه بينما توجه إهانة بشعة إلى النضالات التي خاضها اليهود في الماضي. لم تكن التغريدة صادرة عن ناز شاه ولا عن كين ليفنغستون، بل هي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي غرد قائلا: "وجود إسرائيل قوية يحول دون عبور حشود اللاجئين إلى أوروبا. لو لم نكن موجودين لكان العالم مختلفا تماما".

الافتخار بالمشاركة في قطع الطريق على أولئك الفارين من الظلم والاضطهاد مفارقة لم ينتبه إليها رئيس وزراء بلد قام أساسا على فكرة "الخروج الجماعي"، وبالنسبة لي، وأنا شخص ولدت لأم يهودية، أعتبر أن في تغريدة نتانياهو إشكالية أكبر بكثير من تعليق فظ وغير صحيح صدر عن ناز شاه أو من عبارة مضطربة وثملة – وإن كانت نابعة من حقيقة تاريخية – كتلك التي صدرت عن زعيم سياسي مخضرم مثل ليفينغستون.

إن معاداة السامية مشكلة حقيقية جدا، ولكن المشكلة الحقيقية هنا تكمن في الطريقة التي تعرف بها ويساء استخدامها ثم تستغل بشكل بشع للانقضاض على الخصوم السياسيين. وأنا كشخص كان يمكن أن تكون عائلته من المتضررين مباشرة بفظائع المعاداة للسامية، أرى أن ما نحن بصدده اليوم لا يمكن وصفه إلا بأنه تلاعب مقزز ولأغراض سياسية بجراحات وآلام وأحزان الناس. إنه عار عليكم.

نقلا عن ( ميدل ايست اي )