يبدو أننا امام معركة حامية الوطيس بين أطراف اقتصادية حول العملة الخصراء، هذه الأطراف تتمثل في البنك المركزى
المصري من ناحية، وشركات الصرافة من ناحية أخرى، والمعركة بين الطرفين لها تاريخ طويل من الصراع، فقد كانت شركات الصرافة تأخذ أشكالا أخرى غير الأشكال الرسمية، فقد تكون الشركة محل بقالة أو شقة سكنية، أو حتى سماسرة على نواصي الشوارع بالقرب من البنوك،
ففي إبان الخمسينيات والستينيات، كان ممنوعا على المصريين حيازة الدولار أو أي نقد أجنبي، سواء أفرادا أو شركات، فكانت الدولة لاتسمح للأفراد أو الشركات لا بالاستيراد ولا بالتصدير، فتقوم هي بالاستيراد والتصدير عن طريق شركات القطاع العام، ولها شركات تملكها الحكومة هي التي تسيطر بها على الموارد الاقتصادية كافة.
أما الآن، فأصبح الصراع مفتوحا على مصراعية بعد دخول الأفراد والشركات حيز التجارة الدولية بعد العولمة، فقد أخذت الواردات في التزايد لتصل 4 أضعاف حجم الصادرات.
فمنذ أغسطس الماضي، قام البنك المركزي بعمل سقوف للإيدعات والسحب للشركات والأفراد من أجل الحد من قدرة المستوردين على دفع ثمن الواردات، مما يحد من قدرة هذه الشركات على الاستيراد
لكن ما يحدث الآن أصبح كمباراة ملاكمة بين طرفين، ويوجد طرف ثالث مشجع أو يزيد حرارة اللقاء، وهو المستوردون ورجال الأعمال، فالنظام القائم في مصر ربط الأطراف كلها بمصالح يكون هو الخيط الرابط فيها، فمبارك كان الهدف الأساسي له من بيع القطاع العام وإلغاء سيطرة الحكومة على رأس المال وقطاع الأعمال، كان المنوط منه تلبية رغبة الرأسمالية العالمية في جعل الاقتصاد المصري مفتوحا على مصراعي لتصريف الإنتاج العالمي.
ورغم ما ادعاه نظام مبارك من أن ذلك سيفتح الآفاق أمام رجال الأعمال، التي بدورها ستزيد الإنتاج وتقلص البطالة وتزيد من الصادرات، وبالتالي زيادة عرض الدولار، وبالتالي انخفاض قيمته أمام الجنيه المصري.
إلا أن ما وجدناه هو العكس من ذلك تماما، فقد انخفض حجم الناتج القومي الحقيقي، وانخفض معدل نمو الناتج الحقيقي، وارتفعت معدلات البطالة، وانخفضت الصادرات وزادت الواردات، وانهارت قيمة الجنية، وترعرت طبقة من رجال الأعمال وسيطرت على كل مفاصل الدولة وتذهور القطاع العام.
كان ما أثار هذه السياسة أن الدولة فقدت السيطرة على الموارد الاقتصادية فتخلت عن صناعات استراتجية مربحة ومضمونة، والحكومة تعلم أن هناك عجزا كبيرا في العرض؛ كصناعات الحديد والصلب والإسمنت والألمونيوم وصناعات السكر والقطن.
من ناحية أخرى فتح مبارك الباب للجيش؛ باب من الأبواب الخلفية للإنتاج حتى لايكونوا في وضع اقتصادي أقل من رجال الأعمال، وقد عبر أحد متنفذي مبارك عن ذلك، بأن قائد الجيش كان حانقا على سيطرة أحد رجال مبارك على صناعة مهمة كالحديد، رغم أن مبارك كان أحد أهدافة الأساسية هو التمكين لابنه من خلال رجال الأعمال، الذين ربط مصالحهم بوجوده هو كرئيس للجمهورية
والجيش، كما ظهر أمامنا تماما أراد ألا ينافسه أحد في امتلاك السيطرة على الموارد الاقتصادية، ومن هنا نستطيع أن نفسر الصراع الدائر بين سوايرس من ناحية ورئيس البنك المركزي من ناحية اخرى، وهو الوجة المدني المعبر عن مصالح الجيش حقيقة، الذى دفع سوايرس إلى القول بأن جهاز الأمن القومي كان رافضا لشراء الصفقة، ترى هل استشعر الجيش بخطورة ال سوايرس ومن يمثلهم على مصالحه، أم ترى أنه آن الأوان للتخلص من حلف قوي، ساهم في وضع السيسىي على سدة الحكم من قبل الكنيسة.
إن المشهد الاقتصادي في مصر يرى صراعا بين رجال الأعمال من ناحية وقوة الجيش في السيطرة من ناحية أخرى، فكل يسعى إلى السيطرة والتمدد على حساب الآخر فى ظل غياب تام لقواعد الفصل بين الطرفين، وقد أكون مجافيا للحق إذا ساويت بين الطرفين؛ فالجيش هو المسيطر بلامنازع الآن، ويريد ان ياخذ بزمام الموارد الاقتصادية كافة، ولكن ربما أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت.
قد يبدو للبعض أن النظام الاقتصادى في مصر نظام غير واضح المعالم، وهم محقون في ذلك، فمنهم من يسميها رأسمالية الجيش، أو الحكومة الموازية، لكن واقع الأمر أنه لايمت للرأسمالية من أي جانب، إلا جانب السيطرة على الموارد والغنى والثروة فحسب.
لكن النظام المصرى مقبل على مرحلة اشتراكية الجيش، أن يكون هو المسيطر على عناصر الإنتاج كافة، أم دور رجال الأعمال، فكان دعم وصول ابن مبارك للحكم وأن يكون همزة الوصل مع الرأسمالية المتوحشة.
نعم، إننا سنشهد جولات للصراع جديدة قريبا للتمدد والتوسع للكيانات الاقتصادية للجيش على حساب الفئة التي كانت تظن أنها بمعادتها للمشروع الإسلامى ستحقق المكاسب من وراء هذا العداء ، لكن يبدوا أن المستقبل سيحمل لهم مفاجأت سيئة لهم، وسيذهب ضحية هذا الصراع المواطن الذى ارتكن إلى جانب الحكومة في توفير احتياجاته، فهو الأول والأخير الذي سيكون ضحية أحلام الآخرين في السيطرة على الثروة.