كتاب عربي 21

مسرحية لعبة الشعب: مشاهد الترويع الممنهج في جمهورية الخوف والقطيع (2)

1300x600
تناولنا في المشهد السابق معالم خطة الترويع والقمع الممنهجة التي اعتمدها الجنرالات لمرحلة ما بعد 3 يوليو، وسقنا في هذا السياق شهادة أحد الفاعلين السياسين المعتقلين بالسجون حاليا هو "أحمد ماهر"، ثم تابعنا أولى حالات تطبيق هذه الخطة والمتمثلة في إغلاق قنوات المؤيدين للرئيس وشن حملة اعتقالات لرموز حزبه وجماعته والأحزاب المؤيدة.

نتابع في هذا المشهد معالم تطبيق هذه الخطة في مجال الحريات العامة، فقد عمد المنقلب إلى غلق كل طريق مؤد إلى أي شكل من أشكال ممارسة الحرية المكتسبة بعد ثورة يناير كالاحتجاج والعصيان والتظاهر والإضراب والاعتصام. من هذا المنطلق بدأ المنقلب بفرض حالة حصار عسكرية على الميادين العامة وبالأخص ميدان التحرير، وذلك بعد أيام من إعلان 3 يوليو خشية أن يقتحمه المعارضون ويعتصموا به، الأمر الذي يعرضه لنفس الحالة التي تذرع بها للانقلاب على الرئيس المنتخب وأزاحته.

أدرك الجنرالات خطورة الميدان ورمزيته الثورية، فقاموا بتوظيف تلك الرمزية في مظاهرات 30 يونيو من خلال عملية التصوير بالطائرات وإذاعتها في التلفزيونات العامة والخاصة باعتبارها ثورة عارمة في ميادين مصر الرئيسية، الأمر الذي ساعدهم في إخراج جريمة الانقلاب بشكل يختلط على الأذهان، ولكن مثل هذا التوظيف لرمزية ميدان التحرير لم يمنع الجنرالات من التحوط لحقيقة واقعية جغرافية يعملها القاصي والداني منهم، وتتعلق بلعبة الحشد، فالميدان لا تتسع مساحته الجغرافية بشوارعه الفرعية المحيطة لأكثر من 300 ألف شخص على أقصى تقدير، وهو عدد ليس بالعسير تجميعه خاصة لو تعلق الأمر بتيار ذي شعبية واسعة مثل التيار الإسلامي، إذ لو قرر أنصاره فقط أن ينزلوا للشوارع فسيملأون أكثر من ميدان بحجم وسعة ميدان التحرير، فما بالك لو انضمت إليهم أعداد أخرى من عموم الشعب المصري.

لهذا أدرك الجنرالات أن خطورة الأمر تكمن في سهولته وقدرة الجميع عليه، فشددوا الحصار على الميدان، وأحكموا قبضهتم عليه، حتى ظل محاطا بالدبابات والأسلاك الشائكة والأبواب الحديدية لشهور وسنوات وما زال حتى تاريخه يغلق من حين لآخر على حسب دعوات التظاهر التي تقصده مهما كان عددها، صغيرا أم كبيرا، فالهدف إبعاد الناس عن هذا الميدان نهائيا ومحوه من الذاكرة الثورية للمصريين. 

بمرور الوقت تبين للجنرالات أن منع الناس من التظاهر والاعتصام بميدان التحرير لم يعد كافيا، فالمنع من الاعتصام في التحرير لم يمنعهم من الاعتصام بميادين أخرى مثل رابعة والنهضة، وكذلك لم يمنعهم من التظاهر بمناطق واسعة بالقاهرة والجيزة والإسكندرية إضافة إلى عدد كبير من محافظات مصر وبالأخص محافظات وجه قبلي، فتفتق ذهن المنقلب وحاشيته إلى إصدار تشريع يمنع التظاهر تقريبا ويتيح لقوات الشرطة والجيش استخدام الرصاص الحي لمواجهة التظاهرات غير المرخصة، ويعاقب كل من يفلت من الرصاص ويقع في قبضة الشرطة بالسجن من 5 إلى 10 أعوام وغرامات مالية تقدر بمائة ألف جنيه.

كان الهدف من قانون التظاهر واضحا وصريحا للغاية، تكميم جميع الأفواه المعارضة والقضاء على أي شكل من أشكال التجمع والاحتجاج حتى لو كان لبعض من شاركوا في 30 يونيو، وهو ما اتضح جليا في قيام أجهزة الأمن بالقبض على عدد من الشباب المعترضين على قانون التظاهر فور صدوره وذلك أثناء تنظيمهم وقفة احتجاجية لتحدي القانون.

لم يلتفت مؤيدو الرئيس مرسي إلى قانون التظاهر، واستمروا في تنظيم المظاهرات على نطاق واسع بعدد كبير من المحافظات كما ذكرنا، وظل ذلك الزخم مستمرا  لأكثر من عام ونصف بعد الانقلاب، ثم بدأ يهبط تدريجيا. شعر النظام أن قانون التظاهر قد فقد هيبته بقوة المعارضين وإصرارهم على تحديه، فقرر أن يصدر نسخة أخرى أكثر حدة من قانون التظاهر، أطلق عليه قانون الكيانات الإرهابية.

وسع النظام دائرة المستهدفين من قانون الكيانات الإرهابية بحيث صار الشعب المصرى كله متهما بالإرهاب المحتمل ويخضع لهذا القانون وفقا للحالات التي ذكرها، والتي تكاد تشمل كل المواد المذكورة فى قانون العقوبات، غير أنها في هذا القانون مشددة ويحتمل أن تقمع وترهب الجميع. صدر القانون في فبراير 2015 وتضمن تعريفات واسعة النطاق لكل من الكيان الإرهابي والشخص الإرهابي، كما أنه تضمن عقوبات واسعة النطاق أيضا في نفس السياق.

فالكيان الإرهابي وفقا للمادة الأولى من القانون يقصد به الجمعيات أو المنظمات أو الجماعات أو العصابات أو الخلايا أو غيرها من التجمعات، أيا كان شكلها القانوني أو الواقعي، متى مارست أو كان الغرض منها الدعوة بأي وسيلة في داخل البلاد أو خارج البلاد إلى إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالمواد الطبيعية أو بالآثار أو بالاتصالات أو المواصلات البرية أو الجوية أو البحرية أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة، أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو غيرها من المرافق العامة. وكذلك التعرض للبعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر ومنعها من القيام بعملها أو ممارستها كل أو بعض أوجه نشاطها أو مقاومتها، أو تعطيل المواصلات العامة أو الخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطر بأي وسيلة كانت، أو كان الغرض منها الدعوة بأي وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي.

أما الشخص الإرهابي فهو كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط في الداخل أو الخارج لأى فعل مما سبق ذكره في المادة السابقة ولو بشكل منفرد، سواء بطريق المساهمة أو القيادة أو الزعامة أو الإدارة أو الإنشاء أو التأسيس أو الاشتراك في عضوية أي من الكيانات المشار إليها أو القيام بتمويلها، أو المساهمة في نشاطها مع علمه بذلك، ويسري ذلك على الأفراد متى مارسوا أو استهدفوا أو كان غرضهم تنفيذ أي من تلك الأعمال ولو كانت غير موجهة إلى جمهورية مصر العربية.                                                                                                               

هكذا توسع القانون الجديد في تعريف الإرهاب وأعماله وأفعاله وأشخاصه وكياناته ليشمل كل التوصيفات القائمة للتجمعات البشرية بدء من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ومرورا بكافة  الحركات الاحتجاجية والنقابية والعمالية وانتهاء بالأحزاب السياسية التي تم إدراج بعضها بالفعل على قوائم الكيانات الإرهابية كحزب الحرية والعدالة وكل الأحزاب المنضوية تحت تحالف دعم الشرعية، كما توسع القانون في توصيف الأفعال الإرهابية ليشمل كل توصيفات الجرائم العادية المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري المستقر العمل به في المحاكم المصرية منذ عقود، لينقلها إلى مرتبة أعلى من التجريم ويصفها بوصف وهمي لم يستقر العالم عليه حتى الآن وهو " الإرهاب".

كانت هذه إجراءات المنقلب لتأميم المجال العام وقطع الطريق على أي معارضة في المجال السياسي، نستكمل في المشاهد القادمة الإجراءات التي تمت لتأميم الجامعات المصرية ومؤسسات التربية والتعليم والثقافة ومواجهة الحركة الطلابية الثائرة، وكذلك الإجراءات التي اتبعها في مواجهة فاعليات العمال ومطالبهم ومظالمهم وكذلك العاملين في الدولة.