قضايا وآراء

الديون الخارجية المصرية.. إلى أين؟

1300x600
وقعت وزيرة التعاون الدولي سحر نصر على هامش انعقاد المجلس التنسيقي المصري السعودي يوم الأحد الماضي على اتفاقية مع الصندوق السعودى للتنمية، بقيمة 1.5 مليار دولار لتمويل مشروع تنمية شبه جزيرة سيناء، والذي ستتولى تنفيذه القوات المسلحة. فضلا عن توقيع اتفاقية أيضا مع الصندوق السعودي للتنمية لتوريد احتياجات مصر من المشتقات البترولية لمدة خمس سنوات. وكانت سحر نصر في 5 يناير 2016 كشفت عن موافقة المملكة العربية السعودية على منح مصر قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار، لدعم الاقتصاد الذي يواجه تحديات أمام نقص العملة الأجنبية خصوصًا الدولار. ويتضمن القرض 1.5 مليار دولار يتم استغلالها في أعمال تنمية بشبه جزيرة سيناء، إلى جانب 1.2 مليار دولار لتمويل صفقات شراء مصر للمنتجات البترولية، فضلًا عن منحة مقدارها 500 مليون دولار.

ورغم أن السيسي خصص وفق تصريحه في أول فبراير/ شباط 2015 مبلغ  10 مليار جنيه لتنمية سيناء ومحاربة الإرهاب، إلا أن الواقع كشف عن تدمير سيناء وغياب التنمية عنها، وصناعة الإرهاب فيها، ولا حصيلة سوى حرب ضروس بين أبناء الوطن الواحد ضحيتها ضباط وجنود وأهل سيناء الذين هدمت منازلهم وأتلفت مزارعهم وانتهكت أعراضهم وهجروا من موطنهم. 

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر وتنامي عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وأزمة نقص الدولار التي لا حل لها في الأجل القريب اتجهت الحكومة بصورة ملحوظة لطباعة البنكنوت جنبا إلى جنب مع زيادة الاقتراض الداخلي والاقتراض الخارجي حتى غطي الدين العام النانج المحلي الإجمالي متجاوزا حد الأمان الذي يقدر بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. 

وقد لوحظ أن سياسة ترقيع الديون هي المنهج الذي اتخذته الحكومة سبيلا ولم يقتصر هذا على الدين المحلي فحسب الذي وصلت قيمته إلى 2.4 تريليون جنيه في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2015م بل امتد إلى الدين الخارجي الذي شهد إسهالا من خلال التسارع في الاقتراض الخارجي. وإذا كانت بيانات البنك المركزي تشير إلى أن الدين الخارجي بلغ في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2015 مبلغ 47.8 مليار دولار بزيادة بنسبة 3.7 في المئة عن شهر سبتمبر/ أيلول 2015 ونسبة 15.7 في المئة عن شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام السابق. فإن فترة ما بعد ديسمبر/ كانون الأول 2015 حتى الآن شهدت مزيدا من التسارع في الديون الخارجية، فها هو قرض الـ 2.5 مليار دولار من الصندوق السعودي للتنمية لتنمية سيناء وتمويل المنتجات البترولية، وقرض 1 مليار دولار من البنك المركزي الصيني لدعم الاحتياطي في البنك المركزي المصري، وقرض 700 مليون دولار للبنك الأهلي المصري و100 مليون دولار لبنك مصر من بنك التنمية الصيني، وقرض 3 مليارات دولار من البنك الدولي لدعم الموازنة، على ثلاث شرائح سنوية، الشريحة الأولى منه 1 مليار دولار، وقرض 1.5 مليار دولار من بنك التنمية الأفريقي لدعم الموازنة، على ثلاث شرائح سنوية، الشريحة الأولى منه نصف مليار دولار، وقرض نصف مليار دولار من البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد لتيسير حركة التجارة بين مصر والدول الأفريقية الأعضاء بالبنك، وقرض فرنسي بمبلغ 3.4 مليار يورو ضمن صفقة تسليح خاصة بطائرات الرافال والتي تبلغ قيمتها الكلية 5.6 مليار يورو، وقرض ألماني بمبلغ 6 مليار يورو ضمن صفقة شركة سيمنس لإنشاء محطات كهرباء تقدر بمبلغ 8 مليار يورو، وقرض من المجر بقيمة 900 مليو يورو لصفقة شراء عربات سكك حديد مجرية، وقرض 144 مليون دولار من مؤسسة التمويل الدولية للمواني المصرية، وقرض مليار دولار من مؤسسة إيطالية لمعمل ميدور لتكرير البترول، وقرض 200 مليون دولار من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي لكهرباء غرب القاهرة، وقرض 119 مليون دولار من الصندوق السعودي للتنمية للقصر العيني، وقرض 200 مليون دولار من البنك الأوربي لمحطة كهرباء غرب دمنهور، وصفقة تسليح روسية تقدر بمبلغ 3 مليارات دولار، هذا فضلا  توقيع مذكرات تفاهم لقروض وتمويل لمشروعات من كوريا الجنوبية بقيمة 3.1 مليار دولار واليابان بقيمة 17.8 مليار دولار ، وتكاليف محطة الضبعة النووية التي ستعتمد على قرض روسي بمبلغ 26 مليار دولار،  والعاصمة الجديدة التي قوامها الاقتراض وتقدر تكاليف المرحلة الأولى منها بمبلغ 45 مليار دولار لبلد يعاني من نقص السيولة الدولارية، وانخفاض الصادرات والإنتاج والإنتاجية، وضياع الإيرادات السياحية، وانخفاض إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين الخارج، وجفاف المعونات الخارجية، وهروب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتفشي البطالة، وارتفاع معدلات التضخم.

إن تلك الديون الخارجية سواء ما تم توقيع تعاقداته والحصول عليه كليا أو جزئيا، أو تم توقيع تفاهماته ولم يتم الحصول عليه كما هو عليه الحال في مشروع الضبعة وتفاهمات كوريا الجنوبية واليابان والعاصمة الجديدة، أو جاري السعي للحصول عليه كقرض صندوق النقد الدولي يكشف عن مدى الخطورة التي تحيق بالجيل الحالي والأجيال المستقبلية للمصريين، خاصة وأن تلك القروض في جلها تمثل استثمارا.

في البنية التحتية، فضلا عن القروض العسكرية، والقروض الترقيعية لسد عجز الموازنة، وهي ليست قروضا مباشرة لمشروعات تنموية كثيفة العمالة مناسبة العائد، وهي في جلها ستصب في حجر العسكر الذي يقوم بتنفيذ ما يخصها من مشروعات بالأمر المباشر، وهو ما يصل في نهاية المطاف إلى التضحية بالتنمية من اجل سداد فوائد هذه القروض وغناء العسكر على حساب الشعب المصري، ويعود بنا بالذاكرة إلى توريط مصر في الديون وفرض الوصاية عليها في عهد الخديوى إسماعيل.