تزايدت في الأيام الأخيرة مؤشرات
الصراع المتصاعد بين مراكز القوى في مصر، وهي المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية التي ساهمت بدور كبير في الانقلاب على الرئيس محمد
مرسي في يوليو 2013.
ويقول محللون مصريون وغربيون إن المؤسسات والأجهزة الأمنية المتصارعة تستخدم في ذلك أدوات أمنية واقتصادية وإعلامية، سعيا لانتزاع مناطق أكبر للنفوذ وتحقيق مصالح أعضائها والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها.
إقطاعيات المماليك
وأكد الصحفي المقرب من
النظام، عبد الله السناوي، أن صراعات النفوذ بين الأجهزة الأمنية في النظام الحاكم باتت واضحة، وأرجع هذا الصراع إلى تعدد المؤسسات العامة والأجهزة الأمنية ومراكز صنع القرار داخل النظام.
وأضاف السناوي، وفي مقال له يوم الأحد بصحيفة "الشروق" المصرية، أن "هناك فارقا جوهريا بين صراع منضبط على قواعد يصعب تجاوزها دون حساب، وصراع مفتوح على كل تفلت بلا قيود، مشيرا إلى أن ما يجري في مصر الآن ينتمي إلى النوع الأخير من صراعات النفوذ، بسبب غياب السياسة وتقدم أجهزة الأمن لملء الفراغ واكتساب نفوذ يتجاوز مهمتها، حتى تحولت إدارات الدولة إلى ما يشبه إقطاعيات المماليك دون سياسات تحكم التصرفات".
واستطرد الكاتب: "كما نشأت مراكز قوى جديدة تضم بعض الأمن وبعض الإعلام وبعض رجال الأعمال اتسع نفوذها بغير سند دستوري في صناعة القرار والتحكم في التوجهات العامة، حتى أصبحت مصر تشهد أسوأ أنواع صراعات النفوذ قياسا على أية مراحل أخرى في التاريخ المصري الحديث".
وضرب مثلا بوزير العدل المقال أحمد
الزند الذي وصفه بأنه "كان أقوى وزير في الحكومة وصاحب كلمة مسموعة في بعض أجهزة الدولة وأن أنصاره في وسائل الإعلام كانوا مستعدين لتبني ما يقول باسم كراهية الإخوان".
وأشار إلى أن الزند "كان لديه شعور مبالغ فيه بالقوة والنفوذ وتطلع للإمساك بمقاليد الدولة كلها، فاستغل
السيسي أزمة تصريحاته الأخيرة وإساءته للنبي للتخلص من صداعه ونفوذه، وفي ذلك إشارة إلى احتياج السيسي لسبب مقنع لإقالته خوفا من أنصار الزند الأقوياء".
في انتظار المخلص
من جانبه، كشف الصحفي "علاء الغطريفي" جانبا آخر من أوجه صراع النفوذ بين المؤسسات القوية في مصر، مشيرا إلى أن "قيادات في بعض الأجهزة ومجلس النواب من أتباع نظام مبارك ينتظرون المخلص القادم ليطيح بالسيسي".
ولفت "الغطريفي" في مقال له بصحيفة "المصري اليوم" الاثنين، بعنوان "لماذا يصطف الفلول ضد السيسي؟"، إلى أن "هناك العديد من قيادات تلك الأجهزة تتربص بالسيسي ويطمحون إلى تولي منصبه".
وأضاف أن "المغازلات القادمة من خارج مصر أقوى بكثير من إغراءات النظام الحاكم، وأن الفلول يتحركون انتظارا للمخلص القادم من العمرة الطويلة"، في إشارة إلى أحمد شفيق المرشح الرئاسي الخاسر والمقيم في الإمارات.
وفي السياق ذاته، أشار الإعلامي وائل الإبراشي إلى "تكهنات بأن القرارات الأخيرة بالإفراج عن قيادات في تحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس محمد مرسي تأتي كنوع من الانتقام من بعض القضاة المؤيدين للمستشار أحمد الزند والذين غضبوا من طريقة إقالته من الوزارة".
وحذر الإبراشي من أن هذه "التعليقات هدفها بث الفرقة وتأجيج الصراع بين مؤسسات الدولة ومحاولة لزعزعة الثقة فيما بينها، حسب قوله".
مقتل ريجيني وجه جديد للصراع
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن "توقيت مقتل الطالب الإيطالي (جوليو ريجيني) في القاهرة بالتزامن مع زيارة وفد رسمي إيطالي لمصر ربما يعكس الخلاف القوي بين الأجهزة الأمنية في البلاد".
وأضافت الصحيفة في تقرير لها نشرته الأحد، أن "مسؤولين أوروبيين يعتقدون أن عناصر في جهاز أمني مصري تعمدوا إلقاء جثة ريجيني وعليها آثار تعذيب في اليوم ذاته الذي التقى فيه السيسي بوفد تجاري وأمني إيطالي لإرسال رسالة لإيطاليا وربما للسيسي أيضا".
وأوضحت أن "الدائرة المقربة من السيسي غامضة بشكل كبير، لكن محللين يقولون إن قائد الانقلاب يحكم البلاد باعتباره الرجل الأول ضمن مجموعة من الرجال المتساوين في القوة، وأن سلطته مقيدة ببعض العناصر (المستقلة) في أجهزة أمنية أخرى".
ونقلت "نيويورك تايمز" عن الباحثة في مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط "ميشيل دان"، قولها إن "هناك الكثير من علامات التوتر وعدم الانسجام بين أجهزة الأمن المصرية التي ظلت موحدة بعد ثورة 25 يناير 2011، ولأكثر من عامين ضد جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تمثل التهديد الأكبر لها، لكن هذه الأجهزة الآن عادت مرة أخرى للصراع فيما بينها للحصول على المزيد من مناطق النفوذ".
وأشارت إلى أن "تقرير التشريح الإيطالي لجثة ريجيني، الذي لم يصدر بعد، قد يجيب عما إذا كان تعرض للتعذيب لفترة طويلة، وهو ما من شأنه أن يشير إلى أنه اعتقل من قبل جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الداخلية".