كتاب عربي 21

لبنان المشنوق حتى إشعار آخر

1300x600
ليس أسهل وأكثر شعبية من انتقاد وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، بعد تحفظه على تبني مجلس وزراء الداخلية العرب الأربعاء الماضي في تونس، توصيف مجلس التعاون الخليجي لحزب الله كمنظمة إرهابية بكافة قياداته وفصائله والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه، لكن العمل التعبوي الشعبوي شيء والفعل السياسي شيء آخر، وما فعله المشنوق هو عين السياسة. فبالإضافة إلى أن حزب الله شريك أساسي في الحكومة فإنه يهيمن في لبنان على التالي:

• قرار الطائفة الشيعية بكل أشكاله وأدق تفاصيله، من المرجعية الدينية إلى التمثيل السياسي داخل المؤسسات الدستورية وخارجها، إلى حصة الطائفة في المراكز العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية للدولة بكل فئاتها الوظيفية، وصولا إلى المجالس البلدية والاختيارية والمؤسسات الاجتماعية والشبابية والرياضية والكشفية فضلا عن الوسائل الإعلامية وإجماع العشائر. وكل ما تشغله حركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري من مساحة وجودية ليس إلا حديقة لبيت حزب الله.

• قرار نصف القيادات المسيحية وعلى رأسها المرشحان الجديان الوحيدان راهنا لرئاسة الجمهورية النائبان ميشال عون وسليمان فرنجية.

• السيطرة الأمنية المقنّعة شبه الكاملة على محافظات بيروت والجنوب والبقاع وجزء من محافظة الجبل بما لا يقل تقديره عن 55 بالمئة من مساحة لبنان.

• عمل السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج من خلال حرص الحزب الدائم أثناء تشكيل الحكومات المتعاقبة على إسناد حقيبة وزارة الداخلية لأحد محازبيه أو ممثلي الأحزاب التي تدور في فلكه.

• الإمساك بمنافذ لبنان الجوية والبرية والبحرية من خلال جهاز الأمن العام، حيث أصر حزب الله بصورة حاسمة خلال حقبة الوصاية السورية على تغيير طائفة مديره العام من المسيحية إلى الشيعية.

• الفيتو على تسمية أي رئيس للجمهورية وأي رئيس للحكومة وحتى أي وزير "نافر"، باعتبار أن التسويات التي تسبق الانتخاب هي التسمية الحقيقية للرؤساء في لبنان.

• العمل الدؤوب على التأثير في عمل بعض القضاء.

• التدخل في عمل الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية.

• ترسانة عسكرية ضخمة نسبيا تعتمد القدرات الصاروخية بشكل أساسي، وطاقة بشرية تتراوح بين العشرين والأربعين ألف مقاتل بحسب مستوى التعبئة.

• منظومة إعلامية لبنانية ضخمة له ولحلفائه متعددة الألسِنة وأنماط الخطاب والجماهير المستهدفة، ومؤسسات صديقة ناطقة باللغة العربية يتم تمويلها من اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الإيراني الذي يرأسه السيد علي كريميان في طهران. 

• القدرة على تعطيل بث أي مادة إعلامية مخالفة له عند اللزوم على أي وسيلة إعلامية تلفزيونية أو إذاعية أو مكتوبة أو إلكترونية مناهضة له داخل البلاد بقوة سطوة السلاح، وهذا ما مورِس أكثر من مرة مع تلفزيون المستقبل و أم تي في والجديد، وحتى مع تصوير هاتفي لكلمة ألقاها الفنان زياد الرحباني ذات مرة في الجنوب وانتقد فيها حصرية "مجد المقاومة" بحزب الله.

• ميزانية مالية ضخمة يتم تحويلها من إيران ومن تبرعات رجال أعمال مؤيدين له في الداخل والخارج.

• مطار رفيق الحريري الدولي، وهو المطار المدني الوحيد في لبنان، وكافة الطرقات المؤدية إليه.

• رصيف تجاري في مرفأ بيروت يستقبل البضائع على اختلافها معفية من أية رسوم جمركية لصالح حزب الله بحجة أنها لوازم لمقاومة "إسرائيل".

هذا هو المعلوم مما يمتلكه حزب الله، وقد اشتغل لتحصيله وتكريسه وفق خطة محكمة وشاملة وخاضعة للمراجعة والتقييم والمساءلة من قِبل المرجعية الإيرانية على مدى ثلاثين سنة، بقي لبنان في ثلثَيها محكوما بمعادلة "السين سين"، أي التوافق السوري السعودي في عهدَي الأسدَين الأب والابن وثلاثة عهود للمملكة. 

كانت الغلبة واضحة خلال السنوات العشرين تلك لصالح قبضة النظام السوري وبناء الذراع العسكرية الإيرانية العربية في المنطقة من بوابة لبنان، ومع ذلك بقيت الرياض تبحث عن فرص توفير المساكنة مع فريق الممانعة في لبنان، ولم تشتغل يوما على تحضير برنامج بديل لرؤيتها المسالمة، كالحرب التي تنغمس فيها الآن في غير جبهة عربية وفي مواجهة غير مباشرة مع الجانب الإيراني. 

ثلاثون سنة من تحضير حزب الله لمعاركه الموكَل بها الآن، لا يستطيع نهاد المشنوق أن يجابهها بثلاثين دقيقة في تونس، لقد اختار الموقف الصح في ظل واقع باطل يعيشه لبنان.

لقد بايع شيعة لبنان إيران (وفق نتائج آخر انتخابات نيابية) فأخذتهم إلى حروب سوريا والعراق واليمن والبحرين حتى الآن، وبايع سُنة لبنان السعودية (أيضا وفق نتائج آخر انتخابات نيابية) فتحوّلوا إلى رهائن بيد إيران، ومن يخاف البلَل عليه أن لا يَسبح... أما دور لبنان الدولة، فسيبقى مشنوقا حتى إشعار آخر، وليس بإمكانه أن يُزايد على اجتهاد المشنوق.