قضايا وآراء

صحافة اللون الواحد: لا مكان للمهنية

1300x600
اعتاد جهاز أمن الدولة الإماراتي العمل خارج إطار القانون دون حسيب أو رقيب، فمنذ إنشائه بقانون - لن تستطيع الوصول إلى نسخة منه، وبصلاحيات فوق دستورية- يقوم هذا الجهاز بحملات اعتقال للمقيمين والسياح، في إطار التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بهدف جمع المعلومات التي تخدم استراتيجية الإمارات وأهدافها الاستخباراتية.

يقوم هذا الجهاز باعتقال المستهدفين دون إذن من النيابة العامة، يقوم بتفتيش أماكن سكنهم وأعمالهم، ثم استجوابهم بالإكراه وتحت التعذيب. يتم كل ذلك بمعزل عن العالم الخارجي وفي سجون سرية، ثم يرمي بهم في غياهب الجب إلى زوال آثار التعذيب.. بعد ذلك يرمي بهم في أول طائرة خارج الإمارات لترحلهم خارج البلاد دون أن يكون لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم.

هذا ما حدث لرجال أعمال ليبيين اعتقلوا في أغسطس 2014 ومروا بنفس التجربة، تم ترحيل أربعة منهم إلى إسطنبول، بعد أن شفوا من آثار المحنة -ظاهريا- التي تعرضوا لها، وتُرك الباقون في السجن إلى حين زوال آثار التعذيب.

وعندما قررت أسر المعتقلين بعد أن طال اختطاف أحبابهم، لأكثر من سبعة أشهر، أن يرفعوا قضيتهم إلى العالم، استمع العالم وأصبحت قضية رجال الأعمال الليبيين المحتجزين قضية رأي عام دولي.. حظي باهتمام وسائل إعلام عالمية ومنظمات حقوقية ومجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
وسط هذا الضغط قرر جهاز أمن الدولة ونيابته وبدلا من إطلاق سراحهم قررت إحالتهم بأمر إحالة مليء بالعيوب، وبوقائع ليست جرائم وقت حدوثها- على افتراض حدوثها- ودون ولاية قضائية وبإجراءات باطلة وقانون دخل حيز التنفيذ بعد اعتقالهم، في مخالفات صارخة وصريحة للقانون والدستور الإماراتي.. عن كل ذلك تغافلت صحافة اللون الواحد، وتولى المحرر الأمني تكييف الأخبار كما يريد المخرج.

التزمت الصحف الإماراتية في تناولها لقضية رجال الأعمال الليبيين المعتقلين انحرافا عن المهنية لا نظير له؛ فهي تكتفي برواية طرف مشكوك في صدقيته ابتداء، حتى في القضايا التي ليس طرفا فيها، فكيف بالقضايا التي هو طرف مُدان فيها من أكثر الجهات الدولية احترافا في التحقيق في مجال انتهاكات حقوق الإنسان؟.

جهاز أمن الدولة بالإمارات طرف جائر مدان في قضية رجال الأعمال الليبيين؛ أدانته جميع منظمات حقوق الإنسان الدولية ذات المصداقية العالية، بارتكاب جرائم بحق رجال الأعمال الليبيين تبدأ بالإخفاء القسري، ولا تنتهي عند التعذيب الشديد، ولا عند السجن بدون محاكمة؛ فليس من أدبيات مهنة الصحافة في شيء اعتماد رواية طرف هذه مواصفاته، في هذه القضية.

من المضحكات المبكيات في تناول الصحف الإماراتية، تعويلها على تقرير الطب الشرعي في قضية المتهمين! وأي طب شرعي؟ وماذا سيتناول الطب الشرعي في تقريره؟ وماذا سيحلل أو يكشف؟ لقد قطعت جهيزة هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية، والأمم المتحدة، وشهادات الخارجين من رجال الأعمال من أقبية أمن الدولة، قطعت قول خطيب الاتحاد والإمارات اليوم، وأثبتت تعرض رجال الأعمال الليبيين لأبشع أنواع التعذيب في مخافر أمن الدولة المظلمة، التي لم تطلها أنوار العدل ولا زارها بريق السعادة، فقد يتمت أطفالا ورملت نساء وأثكلت أمهات، أو جعلتهم في حكم الثكالى والأيتام، والأرامل.
تقول المنظمات الدولية إن بعض المسجونين مهددون ببتر بعض الأطراف، وتقول التقارير الدولية والشهادات الحية إن أظافر المعتقلين نزعت، وتقول سجون أمن الدولة، ذاتها، وسجل زياراتها إن المساجين محرومون من أبسط الحقوق؛ لا توكيل لمحامين، ولا محاكمة عادلة أو جائرة، ولا تهمة محددة لمدة تقارب العام والنصف، ولا زيارة لأهل أو اتصال معهم.. ثم تخرج الاتحاد، والإمارات اليوم، لتقول إنها في انتظار تقرير الطب الشرعي!!.

انتظري، صحافة اللون الواحد، سيخبرك الطب الشرعي أن كمالا ومحمدا وسليما، ومعاذا وعادلا، كانوا يعيشون حياة رفاهية في فنادق خمس نجوم، بعد أن سُلبوا حريتهم، وضويقت شركاتهم، وحيل بينهم وبين ذويهم مئات الأيام!! سيخبرك الطب الشرعي شيئا واحدا يا صحافة الخبر المكذوب، والتحليل المعوج، وهو أن بأجساد هؤلاء الشرفاء الأطهار آثار تعذيب اجتهد الأمن في إخفائها بإطالة الأمد، ولم يفلح، سيخبرك الطب الشرعي - إن أردتِ وأراد- أنه وقع في اختبار عسير؛ إما أن يُغضب أمن الدولة، أو يغضب ضمير المهنة ويخون قسم أبقراط.

إنه لانتظار مريب.. فلم يسبق أن أدان أي تقرير للطب الشرعي جهاز أمن في الدول المتخلفة، ومع ذلك سيظل هذا التقرير مهم لأنه سيدين جهاز أمن الدولة في الحالتين، كما ذكرت الرابطة الليبية لضحايا التعذيب والإخفاء القسري بدولة الإمارات في بيانه اليوم الخميس.

إذا أنهيت قضية التعذيب باستمرار عبث الجهاز بتجيير أجهزة الدولة لصالح عبثه. وحصل ما هو متوقع من تقرير الطبيب الشرعي ولم يغضب الجهاز ذا السطوة القاسية.. فخذي لك ناحية أخرى في أخبارك السقيمة؛ سيعرض الأبرياء الأخيار الذين اتهمتهم برعاية الإرهاب على محاكم في قضايا معوجة الأساس؛ يحاكم هؤلاء الشرفاء الأبرياء بوقائع- إن صحت- لم تحدث منها واحدة على التراب الإماراتي وفق ما أفادك به الشهود المحققون. وحتى المحاضر التي تحكموا فيها وكتبوها ثم أرغموا المعتقلين على توقيعها لم تدَّعِ حدوث هذه الوقائع على الأرض الإماراتية.

ثم ماذا سيفيدك الشهود المحققون مرة أخرى؟ سيقولون لك إنها المرة الوحيدة في تاريخ القوانين والقضاء، يعتقل فيها الناس، ثم يعذبون، ثم يخفون، ثم يسامون سوء العذاب، ثم ينشأ قانون بالصدفة، فتلفق لهم تهم متناقضة تكيف وقائعها وفق القانون الذي استحدث بعد اعتقالهم، ليحاكمهم قانون بأثر رجعي، وبتهم ملفقة، لا ينطبق عليها القانون الذي صدر بعد اعتقالهم!!! الله الله كل هذا يا صحافة الخبر السقيم، أعن كل هذا أعماك الخوف والطمع.

وإذا أنهيت كل ذلك فخذي لك طريقا ثالثة لتعرفي ماهية فجر ليبيا. تنظيم فجر ليبيا : شيء غير موجود. فهي عملية عسكرية شنتها قوات حكومية.

لك الله من تهمة سخيفة ومن بناء منهار.. حين تقولون إن فجر ليبيا وكتيبة 17 فبراير تتبعان للإخوان المسلمين: سيضحك ويقهقه كل من في الفجر وأما كتيبة 17 فبراير فلا بواكي لها، - إن لم تضحك المقرات والكراسي – ذلك أنه لا وجود لها منذ شهر مايو 2011م ولم يبقى من أثرها إلا المعسكر الذي سمي باسمها.

محاولة التجريم بالتبعية دليل تخبط وإعلان ارتباك واضح في عمل جهاز الدولة الإماراتي ونيابته. ألا يكفي هذا؟ بلى، إنه يكفي. لكننا نتطوع لنزيدك:

جهاز أمن الدولة ونيابته قدموا هؤلاء الأبرياء، كما أسلفنا، أمام عدالة المحكمة بوقائع حدثت خارج الإمارات مما يفقدها الولاية القضائية وأن المنظمات التي تدعي نيابة أمن الدولة أنها إرهابية لا توجد في أي قائمة في العالم بما فيها قائمة المنظمات الإرهابية الإماراتية.

ثم إن الادعاء بأن كتيبة 17 فبراير والقوت التابعة لعملية فجر ليبيا، تابعتان للإخوان المسلمين ليس أكثر من محاولة يائسة من جهاز أمن الدولة ونيابته للتجريم بالتبعية... متغافلين ومعهم المحرر الأمني بجريدة الإمارات اليوم أن القائمة صدرت بعد مضي شهرين من الاعتقال التعسفي لهؤلاء الأبرياء.

ناهيك عن بطلان إجراءات الاعتقال والتفتيش والاستجواب والخروقات العديدة التي تغافل عنها المحرر الأمني، وأثبتها المحققون الأمميون في تقريرهم.

شاهد القضية الوحيد يكفي وحده لإبطالها من الأساس، فهو ضابط في جهاز أمن الدولة باعتراف سيادة المحرر الأمني، وجهاز أمن الدولة هو الطرف الذي تدينه كل وقائع القضية من بدايتها بارتكاب جرائم التعذيب المثبتة قبل تقرير طبك الشرعي يا أيها المحرر الأمني! .

نحن ندرك محدودية ما تتمتع به من مساحة للتصرف فيما تكتب سعادة المحرر الأمني، ونفهم كيف تملك بحرية مطلقة أن تتقول أنت والجهاز، والشاهد الذي تتولى تبييض وجهه بإضفاء منطق متهالك على كلامه المضطرب المتناقض، لكننا لا نملك إلا أن نفغر فواهنا من الحيرة حين تقول أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد اتهم قوات فجر ليبيا باستهداف السفارة الإماراتية في العاصمة الليبية طرابلس، في حين أن سموه حمل الكتيبة المسؤولية باعتبارها المعنية بحماية السفارة.

خذ هذه أيها المحرر الأمني:
إن القوات التابعة لفجر ليبيا هي من قبض على من استهدف سفارة بلادكم يا سيادة المحرر بالدليل القاطع لكل ادعاء.

إن هذه الحملة تظهر مدى الضغط الذي عانى منه جهاز أمن الدولة بعد التغطية المنقطعة النظير لقضية السجناء، ضحايا الإخفاء القسري، ففي الأسبوع الماضي، حيث كانت قضيتهم عنوانا رئيسيا في أكثر من مئتي وسيلة إعلام عالمية.

ولن تغطي هذه الحملة البشعة على الموقف الصريح لأكبر منظمة دولية بعد أن اتضح لخبراء الأمم المتحدة أن القضية قائمة على غير أساس من قانون أو حق.

أيها المحرر الأمني:
لا يجدي مع مثل هذه القضية؛ إلا أن ينتهي ليل الظلم ببراءة الأبرياء وجبر الضرر، والدعوة إلى حل جهاز أمن الدولة سيء السمعة، والمطالبة بعمليات إصلاح واسعة حتى ترتقي الإمارات في حقوق وأدمية الإنسان وكرامته كما ارتقى بنيانها. أما مواصلة الكذب مع جهاز التعذيب، جهاز أمن الدولة فهو هروب إلى الأمام، ورجم بغيب لا يغني من الحق شيئا.

ثم دعني أهمس لك أيها المحرر الأمني أن تتذكر ذاك السجل الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها، ولن يتمكن الجهاز الذي تتقرب له أن يحرفه ولن يغير منه حرفا ولا كلمة.. فلن يغني عنك كبراءك وسادتك من الله شيئا، وإن التاريخ من وراء الجميع. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.