نشرت مجلة سلايت الفرنسية تقريرا حول الأوضاع في
تونس بعد خمس سنوات من اندلاع
الثورة، تحدثت فيه عن الأوضاع الأمنية والمخاوف من
الإرهاب، ودورها في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تونس التي أطلقت الشرارة الأولى للربيع العربي في كانون الأول/ ديسمبر 2010، والتي تعد نموذجا للديمقراطية في العالم الإسلامي، واستحقت لأجل ذلك جائزة نوبل التي منحت لها في هذا الأسبوع، تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وتواجه صعوبات كثيرة بسبب حربها على الإرهاب.
ونقلت المجلة عن محمد، هو رجل في الستين من عمره يبيع الملابس التقليدية للسياح في المدينة القديمة في العاصمة التونسية، قوله إن "المحلات تشكو من الكساد، فالسياح توقفوا عن القدوم، والتونسيون أيضا يعانون من تدهور القدرة الشرائية وانخفض إقبالهم على الشراء".
وقالت المجلة إن محمد والبعض من التجار في المدينة القديمة، أشاروا إلى أن "هذه المشكلات لم تكن موجودة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إذ إن السياح كانوا يأتون بأعداد كبيرة، وكانت تجارتهم منتعشة، ولم تكن ظاهرة الإرهاب متفشية مثلما هو الحال الآن".
واعتبرت أن هذا الموقف لا يعبر عن حنين لعهود الدكتاتورية السابقة، بقدر ما يعبر عن خيبة أمل لدى الكثير من الناس بسبب عدم تحقق ما كان منتظرا من الثورة، بعد خمس سنوات من اندلاعها.
وأشارت المجلة إلى أن يوم الخميس17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الذي يصادف الذكرى الخامسة للثورة، مر بشكل شبه عادي في العاصمة تونس، التي كانت هادئة، دون الكثير من الاحتفالات والفعاليات، ولا حتى المظاهرات. رغم أن هذه المدينة كانت شاهدا على تغيير وجه العالم العربي، بعد أن قام البائع المتجول، محمد البوعزيزي، بحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد في الجنوب.
ونقلت المجلة عن الشاب واصف، طالب الاقتصاد، أن "ذكرى محمد البوعزيزي لا تزال حية في تونس، وروح الثورة لا تزال حاضرة بين شباب تونس، فالطلبة يقومون بالاحتجاج على أي شيء يثير سخطهم، ويحملون في كل المظاهرات الأعلام التونسية والفلسطينية وأعلاما متنوعة حسب توجهاتهم الفكرية، ويطالبون بطرد المسؤول عن الأوضاع، سواء كان مدير المعهد أو الجامعة".
وذكرت المجلة أن تقريرا صدر في هذا الأسبوع عن منتدى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بين أن شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وحده شهد حوالي 400 تحرك احتجاجي في تونس. وقد علق واصف على هذه الظاهرة بالقول: "نحن لدينا كامل الحرية لنتظاهر، لأن هذا الحق مكفول لنا، وهذا هو ما تغير بعد رحيل بن علي، رغم أن الناس لا يزالون غير واعين تماما بقواعد الديمقراطية".
ونقلت المجلة عن عبد الرحمن الهذيلي، الأمين العام للرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وهي واحدة من الرباعي الحاصل على جائزة نوبل للسلام، قوله إن "الوضع أصبح محزنا، حيث إن التونسيين لم يحتفلوا بذكرى الثورة، ويوم 17 كانون الأول/ ديسمبر مر كأي يوم آخر، لأن فئات واسعة من الشعب لم تعد تؤمن بالثورة، وأصبحت لا ترجو شيئا من العمل السياسي والنشاط في المجتمع المدني".
وقالت المجلة إن من أهم الأسئلة الحارقة التي ظلت مفتوحة منذ الثورة، هي العدالة. فعمليات القتل والتهجير والتعذيب التي حصلت في عهد الدكتاتورية كانت كثيرة، وشملت جميع الأطياف من نقابات وحقوقيين وصحفيين، والإسلاميين الذين كانوا الضحية الأولى لبن علي، بعد أن تعرضوا لقمع شديد وتم إجبارهم على مغادرة البلاد.
ونقلت عن الناشط عمر الصفراوي، قوله إنه "من الضروري طي صفحة الماضي، ولكن يجب أولا قراءتها واستخلاص الدروس، حتى لا تتكرر هذه الانتهاكات في المستقبل. فالسلطة الجديدة في تونس تسعى لدفن هذه القضية، وتناسي جميع الضحايا بما فيهم جرحى وشهداء الثورة، ولذلك فإن بعض الجمعيات تعكف على دفع مسار العدالة الانتقالية، من خلال جمع المعطيات وفتح الملفات. ولكن هنالك شعور بالمرارة والنقمة لدى عدد كبير من التونسيين".
وقالت الصحيفة إن تدهور الأوضاع الأمنية في تونس واضح للعيان، حيث إن دوريات الجيش تجوب الشوارع وهي في حالة تأهب قصوى، والأوضاع تشبه حالة الحرب، بعد أن تعرضت البلاد لعدد من الهجمات الإرهابية، كان أخطرها هجمات المركب السياحي في مدينة سوسة الساحلية، ومتحف باردو في العاصمة، والتفجير الأخير الذي استهدف الحرس الرئاسي في شارع محمد الخامس".
وأضافت أن هذه المخاوف الأمنية، دفعت برئيس الحكومة الحبيب الصيد، لإعلان حالة
الطوارئ بطريقته، حيث قام بتعديل وزاري، وصفه بعض المراقبين بأنه تشكيل "لحكومة حرب" جديدة، كما أقر المجلس الوزاري في الأسبوع المنقضي، تخصيص مبلغ 500 مليون دينار لمكافحة الإرهاب.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع الاقتصادي أيضا، يعاني من مصاعب كبيرة، حيث إن الشباب يعاني من البطالة، واليأس أدى لتزايد حالات الانتحار. ونقلت عن الشاب أسامة، الذي يبيع السجائر على قارعة الطريق، قوله إن "الشباب لم يعد لديه المال لشراء علبة سجائر كاملة، وأغلبهم مضطر لشراء سيجارة واحدة".
وفي الختام، قالت الصحيفة إن تونس بعد خمس سنوات من الثورة، تبدو في وضع حرج جدا، ولكنها رغم ذلك تظهر قدرا من الإصرار على المضي نحو الأمام، وأثبتت أنها الثورة الأكثر نجاحا في العالم العربي؛ولذلك فهي تستحق أن يمد لها العالم يد المساعدة.