بمناسبة مرور عام على انتخاب حزب
السبسي بأكثرية المقاعد، الذي وعد بأربع حكومات لأربع دول، وبـ"الإنقاذ"، وجلب الاستثمارات بعشرات ملايين الدولارات، وباختصار مثلما قال مؤسسه السبسي "سيغمى عليكم إذا رأيتم برنامجنا"، بعد مرور عام تم إحياء هذه الذكرى بما يلي من المعطيات والإعلانات:
نبدأ بأرقام آخر تقرير للبنك المركزي؛ أي تقرير شهر أكتوبر وسأعرضها كما هي دون أي تدخل: "تم التخفيض في نسبة النمو الاقتصادي المنتظرة لسنة 2015 للمرة الثالثة على التوالي إلى حدود 0.5 في المئة فقط، مقابل تقديرات سابقة بـ 3 و1.7 و1 في المئة، وعلى المستوى القطاعي، تواصل تقلص المؤشر العام للإنتاج الصناعي بأكثر حدة، خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية، أي -1.8 في المئة مقابل -1.2 في المئة خلال الفترة نفسها من السنة السابقة، فضلا على تراجع إنتاج الصناعات المعملية (-0.2 في المئة)، وتقلص واردات كل من مواد التجهيز (-15.8 في المئة بحساب الانزلاق السنوي مقابل 11.4 في المئة في الشهر نفسه من سنة 2014) والمواد الأولية ونصف المصنعة (-14.4 في المئة مقابل 19.5 في المئة). وبالنسبة لقطاع الخدمات، تواصل انكماش أهم مؤشرات القطاع السياحي خلال شهر سبتمبر 2015 ، وشمل بالخصوص البيتات السياحية الجملية (-67.6 في المئة و-69.9 في المئة بالمقارنة مع الشهر نفسه من سنتي 2014 و2010)."
وزير المالية، وهو أحد قيادات حزب السبسي، أعلن أنه سيتم رهن ملعب الكرة الوحيد الجدير في البلاد بهذا الوصف، حتى يمكن التقليص في عجز الميزانية. وزير المالية ذاته خلال مؤتمر في الخارج يصرح لصحيفة خليجية أن الوضع في
تونس "قد يتحول من عاصفة إلى إعصار". ويعلن بوصفه وزير مالية أي وزير سيادة، وبكل وضوح للشعب التونسي عن إحباطه. للتذكير وزير المالية أيضا أعلن منذ أسابيع قليلة أن نسبة النمو تحت الصفر في الثلاثي الأخير، بعد أن كانت بين 2 و3 في المئة عهد الترويكا.
أمين عام حزب السبسي بشر الشعب التونسي هو أيضا في حوار مع صحيفة جزائرية، وفي علاقة باتهامات سابقة وجهها لقيادات آخرين في حزبه والصراع بينهم على التموقع في الحزب، أن تونس "بصدد عملية "المفينة" (من المافيا)"، وأضاف وهو "الخبير في الانقتال الديمقراطي" أنه "حدث الأمر نفسه في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية" وأشار في الإطار ذاته إلى احتمال نشوء "ذراع مسلح" لهذه المافيا. للتذكير: الشخص نفسه لمح إلى مسؤولية التحام الفساد بالإرهاب على خلفية محاولة قتل أحد نواب حزبه ورئيس جمعية كروية أساسية في البلاد.
رئيس الحكومة أعلن من جهته أن "
داعش" على بعد 70 كيلومترا من الحدود التونسية. لكن هل يقتصر دور الحكومة كأي صحيفة تبحث عن السبق الصحفي على الإعلان على إحداثيات تموقع "داعش" في الخريطة؟! ما هي الإجراءات العملية التي اتخذها مجلس الأمن القومي الذي يشرف عليه الرئيس السبسي؟! هل يتم أصلا عقد المجلس بشكل دوري ونحن في "حرب على الإرهاب" أم الحرب على الإرهاب في التصريحات الهستيرية على التلفاز مباشرة بعد كل عملية إرهابية؟! بماذا ردت الحكومة على انتقادات عدد من حلفائها الدوليين، حول تصورها أن الحرب على الإرهاب ليس مواجهة لخطر محلي، بل مواجهة لخطر خارجي، ومن هنا تركيز الحكومة حصرا وتحديدا على إنشاء الجدار العازل؟!
إلى متى يتم تأجيل صياغة استراتيجيات وطنية ضد الإرهاب والتوقف عن تجاهل مشروع استراتيجيات تم إعداده سنة 2014؟! هنا طبعا يجب التذكير أنه تحت هذه الحكومة تم أكبر هجومين إرهابيين في تاريخ تونس؛ من حيث عدد الضحايا والاستتباعات الاقتصادية، وداخل أهم مدينتين فيها، وإلى الآن لم يتم استكمال البحث وإلقاء القبض على كل المعنيين بهاتين العمليتين، إذ تم الإفراج عن كثير ممن أعلنت وزارة الداخلية عن مسؤوليتهم في العملية. والشيء نفسه بخصوص محاولة اغتيال النائب شرف الدين؛ حيث لم يتم الإعلان عن أي خيط للمسؤولين عن الجريمة إلى حد الآن، ويوجد تعتيم ملفت للانتباه عما حدث.
ما دمنا نتحدث عن ليبيا صرح منذ أيام قليلة وزير الخارجية التونسي، وهو أيضا قيادي في حزب السبسي نفخ رؤوسنا طيلة السنوات الفارطة بالحديث عن الكفاءات، أن تونس ستتدخل في ليبيا للإفراج عن الرعايا الهنود هناك. هذا تصريح يرتقي إلى النكتة للأسف؛ فتونس تستطيع بالكاد الإفراج عن مواطنيها الذين يتم اعتقالهم دوريا بالمئات، وغير قادرة على حماية رعاياها حتى تحمي غيرها، خاصة مع غياب أي تمثيل ديبلوماسي في أقرب مدينة ليبية أساسية بالنسبة لنا أي طرابلس. السيد وزير الخارجية القابع عموما داخل البلاد، يتجول بين البلاتوهات وحفلات استقبال السفارات، أهمل أهم ملف في وزارته؛ أي الملف الليبي، حيث لا تحضر تونس أصلا في جلسات المصالحة الليبية، وليس لها أي مقاربة واضحة للوضع في الجار الليبي.
للتذكير هنا أيضا، فإن السياسة الخارجية من اختصاص الرئيس أيضا وهو الذي لا يقوم بمبادرات مستقلة حول ليبيا؛ إذ آخر مرة تعرض للموضوع كان في زيارته إلى
مصر، كأنه لا توجد بوابة غربية مباشرة لتونس إلى ليبيا. السبسي هو نفسه الذي نفخ مساندوه رؤوسنا بأنه كفاءة لا يشق له غبار في السياسة الخارجية؛ حيث لا يستطيع حتى ضمان إسناد تأشيرات ممن يفترض أن يكون أقرب حلفائه في الخارج.
بمرور العام على انتخاب حزب الفاشلين بلا منازع هؤلاء سنكون قد تجاوزنا الأجل الدستوري لإنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وأيضا المحكمة الدستورية. الحقيقة ماذا سنفعل بهذه المؤسسات الدستورية؟! هذه السلطة أصلا لا تحترم الهيئة المؤقتة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين. حيث ضربت عرض الحائط اعتراض الهيئة على قانون أحداث المجلس الاعلى للقضاء، وذلك بالمناسبة من أسباب إعفاء وزير العدل، الذي امتنع عن الدفاع عن قانون الحكومة، قبل تعيين حتى بديل له.
في السياق الدستوري ذاته، أعلنت لجنة البندقية للخبراء التابعين للاتحاد الأوروبي أن مشروع القانون الأساسي حول تبييض الفساد المسمى بـ"المصالحة" الذي عملت عليه رئاسة الجمهورية طيلة أشهر، مقابل تجاهل كل الملفات المتعلقة باختصاصاتها، سواء الأمن القومي أو السياسة الخارجية، أعلنت أنه لا يتطابق في صيغته الحالة مع ضوابط الدستور، وأنه يؤسس مسارا موازيا غير مستقل للعدالة الانتقالية. الماساة الحقيقة أن رئاسة الجمهورية ومثل أي جهاز دعائي لعصر ما قبل الإنترنت، وكأي وزارة إعلام لجمهورية مهرجين منسية في الغابات، أعلنت ببساطة أن لجنة البندقية اعتبرت قانون السبسي دستوريا. على أساس أنها تتحوز وحدها على وثيقة لجنة البندقية، وأنه لا يمكن أن نقرأها من مصدرها، وبالتالي يمكن أن تروج أي ادعاءات تريد وتكذب كما تشاء. فضيحة مضاعفة وهيبة رئاسة تضيع في الترجمة.
قانون تبييض الفساد هذا حلقة في سلسلة تمثل البرنامج الفعلي لحزب السبسي، وهو خدمة اللوبيات التي أوصلته إلى السلطة. اللوبيات نفسها التي فصل على مقاسها قانون إعادة رسملة البنوك العمومية دون حتى إعلان نتائج التدقيق فيها.
خبر آخر من الأخبار الاحتفالية بمرور العام على انتخاب حزب السبسي، أيضا هو قرار رئاسة الحكومة تجميد تعيين عدد من المسؤولين المحليين من المعتمدين المختارين من "الكفاءات الشبابية" لحزب السبسي، وذلك بعد افتضاح أمر الكثيرين منهم بعد الاطلاع على سيرهم الذاتية، والتفطن إلى مستواهم الضحل، وأن بعضهم أقرب لأصحاب السوابق والبلطجية والمرتشين منهم إلى كفاءات إدراية. هنا يتم تعيين مسؤولين محليين سيشرفون على البلديات، وبالتالي سيؤثرون على نتائج الانتخابات البلدية من حزب السبسي، ودون أن يطلع رئيس الحكومة على سيرهم الذاتية.
في عام واحد حقق حزب السبسي مستويات قياسية في الفشل الذريع. امتاز هؤلاء في الفشل بما سيجعل القاع عميقا ومن الصعب منافستهم على المستويات الدنيا التي وصلوا إليها. في المقابل تتشتت قوى المعارضة في حساباتها الصغيرة، وتترك المساحة المتعاظمة موضوعيا لمنطق المعارضة فارغة.