كتاب عربي 21

لا للطب ولا للرئاسة.. ولكن ليوم واحد لا مانع

1300x600
هناك مهنتان لو كانت أي منهما من نصيبي، لعرف العالم كله بخيبتي وفشلي في تصريف مهامها، أولاهما الطب، فلو كنت طبيبا، لأصيب معظم مرضاي بعلل غير التي أتوني شاكين من أعراضها وعواقبها، ليس لأنني كنت سأهمل أمر مريض، بل بالعكس، لأنني كنت سأتعاطف مع كل مريض، ولكن إذا أتاني أحدهم واستنتجت باستقراء نتائج التحاليل المخبرية والصور الإشعاعية، أن حالته ستفضي الى الموت، لاحتضنته وبكيت، فيصاب المريض على أقل تقدير بنوبة قلبية أو انهيار عصبي. فرغم  أنني رجل شرقي "جغرافيا" واصطلاحيا، إلا أنني لا أحس بالحرج ودموعي تنهمر حيثما وكلما كان الوضع يستدر الدموع.

وقد عصمني الله من مهنة الطب، بأن زودني بحصانة ضد علم الرياضيات ومناعة ضد الفيزياء، وبالتالي الكيمياء، وما كان بالتالي واردا أن يتم قبولي في أي كلية طب، ومع هذا فإنني أكثر خلق الله ثقة بالأطباء، وأنظر اليهم بإعجاب، متذكرا كيف أنهم ملكوا الشجاعة لتقطيع وفلفلة جثث الموتى أثناء سنوات الدراسة، ليتسنى لهم مساعدة الأحياء على مواصلة حياتهم متعافين أصحاء.
 
أما المهنة الثانية والتي كنت سأرفضها حتى لو عرضوها علي، وفوقها ثروات الوليد بن طلال وبيل بن غيتس ووارين بن بافيت، وجعلوا حسناوات هوليوود وتركيا والبرازيل ملك يميني، فهي "الرئاسة"، أي أن أكون رئيس دولة.

لم أكن سأرفض تلك الوظيفة لـ"عدم الخبرة"، فمعظم من صاروا رؤساء لدولهم كانوا بالضرورة بلا خبرة سابقة في مجال الرئاسة، بل أحسب أنني أملك من رجاحة العقل والحكمة، أكثر مما كان يملك رجل مثل الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش – دعك من دراويش العالم العربي الذين أصبحوا رؤساء بالصدفة أو انتزعوا مناصبهم عنوة.

أن تكون رئيسا، يعني أن تصادق على أحكام الإعدام، وليس في هذا بأس، فهناك بشر الموت "خسارة فيهم"، ولكنه يعني أيضا أن تتعرض للسب والشتم، وهذه بسيطة، ويا ما شتمني أناس لا أعرفهم: تتحرش سياراتهم بسيارتي، ولما يكتشفوا أن سيارتي من عائلة محافظة ولا تحيد عن القانون والعرف، حتى تنطلق ألسنتهم بعبارات أقلها قذاعة "الحمار خسارة فيك".

ولكن العادة – في بلداننا على الأقل – هي أن تتصدى قوات الأمن لمن كل من يتطاول على الذات الرئاسية، بالضرب بالعصي وقنابل الغاز، وتقود بعضهم الى السجون، ولو كنت – لا قدر الله – زعيما من فصيلة معمر الجزافي وفشار الأسد، اللذين لم يضعا قط في لحسبان أن يخرج الناس إلى الشوارع مطالبين برحيلهما، فلن تكون لديك عصي وقنابل مسيلة للدموع وخراطيم مياه لتفريق المتظاهرين، فتلجأ لتفريقها بالقصف بالدبابات والمدافع والطائرات.

ما المتعة في أن أجلس على كرسي، وأنا أعرف أن 70% من المواطنين يفضلون العمى على رؤيتي حتى على شاشة التلفزيون؟ كيف أسمي نفسي حاكما، وأنا أقتل يوميا ما بين خمسين إلى مائة من أفراد رعيتي؟ أي نوع من الرؤساء أكون وقد أمرت بهدم كافة المباني في كافة المدن وجرف المزارع، وإرغام ثلث السكان على الهرب الى الخارج؟.

أليس من المنطقي أن استنتج أن رأس الرئيس اليمني المخلوع بإرادة شعبية، علي عبد الله صالح، ليس فيه أي مادة صلبة أو شبه صلبة؟ هل يعتقد هبنقة هذا أنه لو عاد إلى قصر الرئاسة مسنودا بالحيتان (الحوتيين – بالتاء)، فسيجد القبول الشعبي؟

حتى النازيون الجدد في أوربا، الكارهون لكل ما هو عربي وإسلامي، ما إن رأوا صورة الطفل السوري إيلان كردي الذي جرفت الأمواج جثته إلى شواطئ تركيا، حتى لانت قلوبهم ودعوا حكومات بلدانهم إلى التسريع بقبول اللاجئين السوريين.

لعل الشاعر مظفر النواب عَنَى فشار الأسد ومن هم على شاكلته عندما قال: لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم/ إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم/ تتحرك دكة غسل الموتى/ أما أنتم لا تهتز لكم قصبة/ الآن أعرِّيكم في كل عواصم هذا الوطن العربي/ قتلتم فرحي / في كل زقاق أجد الأزلام أمامي.. أقيء لهذا الأسلوب الفج..

ولكن لأجل خاطرك يا بشار يا نذير الشؤم ونعيق البوم، أعلن عن استعدادي لقبول منصب رئيس انتقالي ليوم واحد في سوريا، أوقع فيه قرار إعدامك بالتقسيط المريح، ثم أزور ترخيصا لممارسة الطب، لأكشف على جثمانك للتأكد من موتك "لأنني سمعت أن الكلاب طويلة الأعمار"..

ثم أنام قرير العين هانيها.