كتاب عربي 21

من فنون السياسة الشرعية

1300x600
من عيون تراثنا فى السياسة الشرعية، ذلك العهد الذى كتبه الخليفة الراشد الرابع الإمام علي بن أبي طالب ( 23 ق.هـ- 40هـ، 600-661م) إلى واليه على مصر، والذي جاء أطول العهود التي كتبت إلى أحد من الولاة.. كما جاء من أعمق وأغنى هذه العهود، وهذا العهد الذي يمثل وثيقة من وثائق السياسة الشرعية تقر المبادئ التي تظل هادية على مر الأزمان. 

نقرأ فيه، أن اختلاف الرعية في الدين لا يصح أن يكون ذريعة للتميز بينهم في الحقوق والواجبات الاجتماعية والإنسانية (فالخلق صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

والمساواة بين الرعية لا تعني حياد الدولة بين الطبقات، بين الخاصة والعامة، بل يجب الانحياز للعامة والمستضعفين: (وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة.. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤنة فى الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف، وأقل شكرا عند العطاء، وأبطأ عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر، من أهل الخاصة، وإنما عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة من الأعداء هم العامة من الأمة، فليكن صفوك إليهم، وميلك معهم).

وفى مواجهة واقع التميز بين الطبقات، توجب السياسة الشرعية العدل والموازنة والتأليف بين الطبقات بالتكافل – تحاشيا لآفة الصراع بين هذه الطبقات (واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض) .. وهذا العدل بين الطبقات مهمة عظمى، تحتاج إلى أولي العزم من ولاة الأمور: (إذا الخلق كله ثقيل) وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم). 

ويحذر الإمام على واليه من أي يتخذ بطانته من الخاصة والأثرياء (لأن فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في المعاملة).

وفى هذا العهد – الوثيقة – دعوة لأن تهتم الدولة بالقوى المنتجة في المجتمع، فهي عماد عمران البلاد وصلاح أمر العباد: (وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، وإنما يؤتى خراب الأرض من أعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالغير: واستوص بالتجار، وذوي الصناعات فإنهم مواد المنافع واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا، واحتكار للمنافع، وتحكما في البياعات.. فامنع الاحتكار). 

إنها إشارات إلى بعض المعالم في (متن) من متون السياسة الشرعية "يحتاج إلى فقه وشرح وتطبيق".