مقالات مختارة

استبدال جيوش المنطقة بالمليشيات

1300x600
كتب عبدالله الوصالي: مرة أخرى نشهد هروباً جماعياً للقوات العراقية أمام مليشيات داعش؛ كانت المرة الأولى يوم استيقظت المنطقة بين مصدق ومكذب على سقوط الموصل بيد قوات التنظيم المتطرف، الذي يطلق على نفسه (داعش)، وهروب أربع فرق من الجيش العراقي أمام المئات من قوات داعش وبعض انتحارييها.

الرمادي عاصمة منطقة الأنبار، التي تشكل ثلث الأراضي العراقية، باتت في قبضة الدواعش بعد أن انهارات القطاعات العسكرية والأمنية أمام بضع من السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، فاحتلت قوة داعش المنطقة، مسيطرة على قيادة عمليات الأنبار وأصبحت تحت قبضته -أي التنظيم- في غضون ساعات أراض شاسعة وعتاد حربي هائل.

وتعد سيطرة التنظيم على الرمادي أبرز تقدم له في العراق منذ هجومه الكاسح في شمال البلاد وغربها في حزيران/ يونيو الماضي، وباتت المدينة ثاني مركز محافظة عراقية في يديه، بعد الموصل (شمالا) مركز محافظة نينوى، أولى المناطق التي سقطت في هجوم حزيران/ يونيو الماضي.

لم يتأخر الرئيس العراقي المصدوم حيدر العبادي من الاستنجاد بالحشد الشعبي، الذي كان له دور مهم في النصر الذي أحرزه العراق على المتطرفين الدواعش في تكريت بمساعدة من ضربات جيش التحالف.

والسؤال.. ما الذي لدى الحشد الشعبي ليحقق تلك الانتصارات وليستنجد به عندما يفر جنود الجيش الوطني؟

في لبنان وقبل أحداث العراق المؤسفة بزمن، تصعد مليشيا حزب الله كقوة موازية وغير مندمجة مع الجيش اللبناني الوطني، بل وتأخذ تلك المليشيا بعد استقوائها قرارات بتوصيات من خارج لبنان في التصعيد ضد إسرائيل، تارة بما يجر ذلك من خراب على لبنان أو الدخول إلى جانب الطرف الحكومي في الحرب الأهلية، ومن ثم المقامرة بمصير الدولة اللبنانية بتوريط لبنان في حرب خارج الحدود.

في اليمن تتمدد مليشيا الحوثي بشكل متسارع، وبتواطؤ قسم كبير من الجيش الموالي للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يتم تسلم مقراته وأسلحته إلى الحوثيين، ويعلو اسم الحوثيين في الداخل لدرجة تتلاشى معها أي إشارة للجيش اليمني الوطني! وتجر تلك المليشيات البلاد إلى حالة حرب مع جيرانها الجغرافيين الخليجيين بأوامر وبالوكالة عن إيران.

الجيوش الوطنية التي من المفترض أن تكون مبنية على عقيدة وطنية واضحة، وهي الدفاع عن تراب الوطن من أي اعتداء وحماية النظام السياسي والاجتماعي والسلم الأهلي، تختلف عن المليشيات العقائدية ذات الأغراض السياسية المحدودة، والجيوش الوطنية التي تنصهر فيها جميع مكونات الشعب العرقية والمذهبية غير تلك المليشيات ذات الصبغة الطائفية والمذهبية الواحدة، الباحثة عن مصالح مذهبية ضيقة، لا تمثل بالضرورة مصالح الكيان السياسي الذي نشأت فيه.

في الدول التي ذكرنا أي العراق، ولبنان، واليمن، وربما سوريا أيضاً إلى حد ما، هناك مشروع تم تطبيقه بشكل تدريجي بحيث تفقد القوة الممثلة لوحدة الكيان السياسي والاجتماعي قوتها، ويتم تهميشها وتبدو في حالة متسارعة لفقدان قوتها أمام مليشيات عقائدية، يتم تدريبها وتسليحها وصرف الكثير من الأموال من أجل أن تبدو قوة ضاربة، من هنا يبدو أن المشاريع القومية الوطنية في حالة من الاضطراب والضعف وخفوت الصوت، مقارنة بمشاريع جهوية مذهبية مسنودة بقوة المليشيات، التي إن استمرت في تصاعد قوتها واستساغة طعم القوة، سيصعب صهرها من جديد في نسيج جامع ومصلحة واحدة ضمن الوطن الواحد.

(عن صحيفة اليوم السعودية 22 أيار/ مايو 2015)