كتاب عربي 21

إيران تستعد ليوم الحساب

1300x600
ما زالت مشكلة وجود تنظيم الدولة في سوريا تؤثر بشكل سلبي في توقيت إعلان نهاية بشار الأسد، وعلى الرغم من الإيحاءات الصريحة من قبل الإدارة الأمريكية، بأن إنهاء الأسد هو الخطوة الأولى والأهم في طريق السلام على الأراضي السورية، والذي أكدته السفيرة الأمريكية سامنثا باور من خلال تصريحها: "أن مشكلة تنظيم الدولة في سوريا ومناطق أخرى من الشرق الأوسط لن تلقى حلا طالما أن بشار الأسد في السلطة".

إلا أنه يبدو لنا بأن هناك مزيدا من القضايا لا بد لواشنطن من حلها قبل إعلان ساعة النهاية، فها هو الكونغرس الأميركي يناقش اليوم إمكانية إقامة منطقة عازلة في سوريا، سبق ذلك الإعلان عن فك حظر تسليح المقاومة الشعبية المسلحة بمضادات الطائرات و تردد الأنباء عن تزويد المقاومة بدفعات من هذه الأسلحة التي من شأنها تمكين الثوار من ضبط الأجواء في المناطق المحررة بعد أن ظلت طوال سنوات الصراع حكرا على الأسد –باستثناء بعض الاختراقات الإسرائيلية التي تأتي ضمن سياق تحقيق التوازن بين المتصارعين على الأراضي السورية– نذكر أيضا أن الفترة الأخيرة شهدت تجاذبات عالية المستوى بين أطياف المقاومة الشعبية المسلحة سواء في الشمال أو الجنوب السوري، وتحركات منظمة ومضبوطة من المتوقع إذا ما استمرت على هذا النهج أن تصل إلى تشكيل موحد يجمع كافة الفصائل والكتائب المتشرذمة في الداخل السوري ضمن جسد قوي ومنظم ومضبوط قادر على أن يكون قوة ضاربة على الأرض السورية بعد جذ عنق رأس النظام.

وفيما أعلن الجنرال مارتن ديمبسي خلال اجتماع الكونغرس الأخير أن القادة الأمركيين كانوا قد وضعوا خططا طارئة لإقامة منطقة آمنة بالتشاور مع نظرائهم الأتراك، إلا أن لآشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي مخاوف لا بد من الأخذ بها قبل أن نجري أي عمليات حسابية واقعية، فقد وضح كارتر مخاوفه بأن بعض الحكومات ليست مستعدة للمساهمة في إقامة منطقة آمنة تحتاج إلى قتال من أجلها و قتال من أجل الحفاظ عليها.

هي دعوة من وزير الدفاع الأمريكي من يرغب ويطالب بمثل هذه المناطق أن يتحمل عبء ومسؤولية التنفيذ، فبكل وضوح تبدو أمريكا اليوم غير مستعدة لأن تخوض أي قتال يمكن أن تتجنبه.

والدول صاحبة المصالح الحدودية والإقليمية والمتضررة من هذا الصراع أولى بتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في المنطقة ووضع حد لذلك. 

إذا؛ ما طرحه كل من كارتر وديمبسي وما قالت به السيدة باور يعتبر رسالة واضحة من واشنطن بأن بقاء الأسد مسألة توقيت وأن هذا التوقيت يرتبط بعقربي التفاهمات الدولية والإقليمية (حول طبيعة المرحلة القادمة وآلية التحركات)، والتفاهمات الداخلية بين المقاومة الشعبية المسلحة.

مع الأخذ بعين الاعتبار بأنها داعمة وحليفة لأي حل قادم، ولكن بعيدا عن أي نوع من الخسائر.
من اللافت في خطاب السيدة باور اصطباغه بلهجة تحذيرية، وصيغة محددة تضمنتها رسالتها الواضحة للأقليات المناصرة للأسد عندما قالت: "على أنصار الأسد أن يفهموا بأن النظام غير شرعي وأن الحرب الأهلية لن تتوقف ما لم يغادر الأسد".

ولكن هل رسالة السيدة باور تقتصر على الأقلية السورية المناصرة للأسد، أم هو نفخة صغيرة في النار تهدد بها الداعم الأكبر إيران؟ لتكون سويعات الأسد الأخيرة على الأراضي السورية ورقة يمكن أن تضمن بها صفقة مربحة مع الجانب الإيراني؟ 

إن ما تسرب عن دور لعبه الجانب المصري في مفاوضات تحت الطاولة دفعت بها واشنطن للتفاهم حول التخلي عن الأسد لم يكن أكثر من رغبة من الإدارة الأمريكية في عقد الصفقة الأخيرة مع إيران في سوريا، فكما هو متعارف عليه في القوانين الدولية إيران ستخسر في حال انتصار الثورة كافة العقود والاستثمارات التي وقعتها مع نظامه وستعتبر بموجب القانون الدولي قروضا سوداء تتحمل إيران مسوؤلية إعطائها للأسد دون التأكد مسبقا من أنه سيصرف دون فساد ويحقق الغاية التي قدم من أجلها وصرفه يتم بطريقة نظيفة. فالمحكمة الدولية ستحكم ببطلان قروض من هذا القبيل والعقود أيضا تخضع لنفس الحجة القانونية للطعن بها وبمشروعيتها طالما توفرت أيضا مصادر قوية لإثبات فسادها.

ومنه نجد ما سرب عن أن أحد أهم بنود صفقة التخلي عن الأسد كانت الحفاظ على الامتيازات التي حققتها إيران في سوريا، بما فيها الأملاك والمنشآت التي اشترتها، بالإضافة إلى الحفاظ على كافة الاتفاقات المبرمة مع النظام في حال استبعاد الأسد والحصول على الديون المترتبة على الأسد لمصلحتها، فإيران تدرك أنه بالنسبة للتعاقدات في أوقات الصراعات، في النهاية الشرعية للمنتصر بعد تلك الصراعات، وتبقى تلك العقود بحاجة إلى قبول وتصديق البرلمانات الشرعية لاحقا طالما تتعلق بالدولة وسيادتها، ووقت الحروب لا تعتبر ذات فعالية لأنها تحت حالة طوارئ يعطل خلالها الدستور.

إضافة لأن القانون الدولي يطعن بكل عقد أو قرض يشوبه شبهة الفساد أو في حال كان عقد إذعان، وبالتالي فإن كافة العقود التي أبرمتها إيران مع الأسد لا تساوي قيمة الحبر والورق الذي كتب عليها.

إن ما ذكرناه من قضايا تسعى واشنطن لحلها لم تعد من العوائق و إنما يمكننا وصفها بالترتيبات الأخيرة قبل أن تبدأ في سوريا مرحلة جديدة بنظام جديد، نأمل أن تكون القيادات السياسية السورية المعارضة مواكبة لهذه التحركات ومدركة لأهمية أن تتوصل إلى قيادة سياسية موحدة متفقة في موقفها، مصممة على جعل إيران تدفع ثمن جريمتها بحق السوريين، فمن الخطأ والإجحاف بحق السوريين أن يكتفى بخسارة إيران لعقودها مع نظام الأسد ولا بد أن تطالب المعارضة إيران بتعويضات عما هدمته أسلحتها وإلا فلتكن سوريا مقبرة الإيرانيين، لا مانع أن يدفنوا إلى جوار المقامات التي زعموا بوجودها لتكون ذريعة لتجنيد المغفلين وجهلة التاريخ.