مقالات مختارة

السيسي ليس بينوشيه.. بل أسوأ

1300x600
كتب إليوت أبرامز: هل يمكن اعتبار الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي نسخة من الجنرال التشيلي أوغستو بينوشيه؟ وإذا كان ذلك ممكناً، فهل هذا شيء جيد أم سيئ؟

لم يزل الناس يجرون هذه المقارنة منذ أن جاء السيسي إلى السلطة في تموز/ يوليو 2013 من خلال انقلاب أطاح بمحمد مرسي، زعيم الإخوان المسلمين الذي انتخب رئيسا في عام 2012. كتبت في حينه "ذي وال ستريت جورنال" تقول: "سيكون المصريون محظوظين لو أن حكامهم الجدد من الجنرالات كانوا نسخة عن الجنرال التشيلي أوغستو بينوشيه الذي استولى على السلطة في خضم حالة من الفوضى، ولكنه استأجر مصلحين ممن يؤمنون بالسوق الحرة ومهد بذلك للانتقال نحو الديمقراطية".

وفي شهر شباط/ فبراير الذي تلا ذلك، كتب روجر كوهين في نيويورك تايمز مذكرا بنجاح بينوشيه "في إحداث نقلة في الاقتصاد التشيلي… وهو الإنجاز الذي تمكنت تشيلي الديمقراطية من البناء عليه لتصبح أكثر دول المنطقة ثراء". وتساءل عما إذا كان محتملاً أن يصبح السيسي "مصلحا قاسيا على نمط بينوشيه فيترك من ورائه بلدا قادرا على سلوك مسار الديمقراطية والثبات عليها".

يتذكر الناس بينوشيه على أنه كان ديكتاتورا قاسيا، ولكن في نفس الوقت مصلحا اقتصاديا قاد بلاده نحو الديمقراطية. والرجاء الذي يعبر عنه البعض اليوم هو أن ينجز السيسي لمصر، رغم أنه قد يكون قمعيا نوعا ما بحسب أذواقنا، ما أنجزه بينوشيه لتشيلي من قبل، وعندها ستعم الفائدة الجميع. وقد يصبح الأمر على المدى البعيد، وربما حتى على المدى المتوسط، مقايضة ذات قيمة مقبولة.

ولكن مثل هذا التشبيه خاطئ، ولأسباب أربعة..

السبب الأول، هو أن السيسي أكثر توحشاً بكثير مما كان عليه بينوشيه. فخلال سبعة عشر عاما من الحكم قتل في عهد بينوشيه حوالي ثلاثة آلاف شخص وسجن ما يقرب من أربعين ألفا بتهم ارتكاب جرائم سياسية. إلا أن من الواضح أن السيسي والعسكر المصري قد حققوا هذه الأرقام في أقل من عامين. لقد قتل في مصر ما يقرب من 2500 شخص ويوجد خلف القضبان ما يزيد على أربعين ألفا. وتقلصت حدة القمع في تشيلي مع مرور الزمن، ولربما وقعت نصف الانتهاكات خلال سنة الانقلاب ذاتها. يمكن للمرء أن يأمل في أن تتقلص الأرقام في مصر مع مرور الزمن أيضا تحت حكم السيسي. ولكن حتى لو حصل ذلك، فإن أرقام ضحايا السيسي ستظل أكبر بكثير من أرقام ضحايا بينوشيه.

السبب الثاني، هو أن السيسي أدنى بكثير من أن يقارن ببينوشيه من حيث الإصلاح الاقتصادي. فهو ليس اشتراكيا، ولكن الرأسمالية التي يبدو أنه يضمرها في نفسه هي من النمط الفاسد الذي ساد حقبة مبارك. لا توجد حتى الآن أي مظاهر لإصلاحات أساسية تؤدي إلى تحرير السوق. لا ينكر أن السيسي أقدم على خطوات شجاعة لتقليص دعم المحروقات، إلا أن بينوشيه ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث قلص بشكل كبير حجم الجهاز الوظيفي في الدولة. فعلى سبيل المثال انكمش عدد موظفي القطاع العام خلال السبعة عشر عاما التي حكم فيها بما يقرب من 75 بالمائة. أما في عهد السيسي فإن حجم القطاع العام آخذ بالنمو.

السبب الثالث، هو أن الجيش التشيلي في عهد بينوشيه، وبالرغم من كل جرائمه، كانت تعرف عنه المهنية والنزاهة المالية ولم يحاول قط التحول إلى طبقة حاكمة دائمة. في المقابل، فإنه ما انفك الجيش المصري يحكم مصر منذ أن استولى جمال عبد الناصر على السلطة في عام 1956، ولا يشير أي شيء أقدم عليه السيسي إلى أنه يخطط لتغيير ذلك الوضع. فعلى سبيل المثال، نقلت رويترز عن الأدميرال المتقاعد مهاب ميميش، رئيس سلطة قناة السويس، قوله إن الجيش ينبغي أن يساعد في تطوير منطقة صناعية وخدماتية ضخمة على امتداد القناة الجديدة التي يجري إنشاؤها. وفي تقرير لها، قالت صحيفة "ذي إنترناشينال ييزنيس تايمز" إن "العسكر في مصر يصنعون سلسلة واسعة من المنتجات، من الزيت إلى سيارات الفيات، إلى أجهزة التلفاز، إلى حاضنات الأطفال، ويملكون عقارات وأراضي كثيرة ومنتشرة، وينفذون مشاريع إنشاءات الطرق". ولا يوجد على الإطلاق ما يثبت أن السيسي ينوي تقليص حجم هذه الإمبراطورية.

وأخيرا، فإن الذين يعتبرون أن بينوشيه هو الذي أوجد الديمقراطية التشيلية، ويرغبون في رؤية السيسي يسير على نهجه، إنما أخطأوا في التشخيص والتوصيف. فبعد أن حكم لمدة خمسة عشر عاما كان بينوشيه يسعى لأن يحكم لثمانية أعوام أخرى. إلا أن الدستور الذي تم وضعه في عهده دعا إلى استفتاء في عام 1988، على أساس أنه لو قالت الأغلبية "نعم" لحظي بالأعوام الثمانية الإضافية، بينما إذا صوتت الأغلبية بـ"لا" فإن ذلك سيعني إجراء انتخابات جديدة. خسر بينوشيه في الاستفتاء، ولكنه حاول ليلة الانتخابات أن يلغي النتائج ويعلن حالة الطوارئ ويفرض القانون العسكري. ولربما نجح في ذلك لولا الضغوط القوية التي مورست عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا (وكنت حينها أشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الدول في القارتين الأمريكيتين)، هذا بالإضافة إلى رفض بعض أعضاء القيادة العسكرية مسايرته. وبذلك اضطر إلى التوقف عن تنفيذ خطته.

لم يكن بينوشيه أبدا القابلة التي على يديها ولدت الديمقراطية في تشيلي، بل إن الأصح هو القول بأن تشيلي عادت إلى الديمقراطية رغما عنه لا برضاه. دعونا نأمل ألا يسير السيسي على نفس هذا النهج، وإلا لظل رئيسا لمصر حتى عام 2029 ولسعى لأن يظل رئيسا لها حتى عام 2037.

لم يصبح السيسي رئيسا لمصر سوى قبل عشرة شهور، وليس هو الذي أوجد المشاكل الهائلة التي تواجهها مصر. بالإضافة إلى ذلك ما من شك في أنه يتعرض لضغوط هائلة من قبل الجيش وكبار رجال الأعمال ومختلف الحركات السياسية، ويواجه المتطرفين الإسلاميين الذي يقومون بشكل منتظم بأعمال إرهابية وبجرائم قتل. وأخيرا، فإن مصر 2015 ليست تشيلي 1973. فحينما قام بينوشيه بانقلابه كانت تشيلي بلدا أكثر تقدما ولها تاريخ عريق في الممارسة الديمقراطية.

ومع ذلك، فإن المقارنة بين السيسي وبينوشيه تظل مفيدة من الناحية الثقافية، رغم أنها غير مشجعة. وحتى هذه اللحظة، فإنه يبدو أن السيسي يقوم بكل الأعمال السيئة التي سبقه إليها بينوشيه ولكنه لا يقوم بأي من أعماله الجيدة.

* مترجم خصيصا لـ"عربي21" عن صحيفة "واشنطن بوست"