قضايا وآراء

عاصفة الحزم معركة هوياتية أم قومية؟

1300x600
استدارت هذه المرة دول المنطقة نحو اليمن، ولكن بعد أن توغلت إيران في البلد، وتمكن حلفاؤها الحوثيون من التهام أجزاء واسعة بما فيها صنعاء ومصادرة القرار السياسي.

ربما كانت دول المنطقة وعلى رأسها السعودية منشغلة عن اليمن بفعل الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" مع التحالف الدولي في العراق وسوريا، والملف المصري من زاوية الاخوان، الأمر الذي أتاح فرصة ذهبية لإيران إعادة تموضعها من كرسي الجزيرة العربية، واعادة الاعتبار لحضورها في المنطقة بعد أن باتت فاقده للنظام السوري.

اليوم، وفي 26 مارس على وجه التحديد، وجهت السعودية ضربة جوية ومعها عشر دول عربية مؤيده وداعمة على معاقل الحوثيين ومعسكرات مواليه للرئيس السابق علي صالح، فكانت مفاجئة للجميع سواء على المستوى المحلي في اليمن أم على المستوى الدولي.

لكن الحديث الآن لم يعد يقتصر على عمليات عسكرية، على ظاهرها، بل أصبح هناك سؤال مهم، هو من سيساعد على تحديد تداعيات هذه المعركة على المدى المتوسط والبعيد، وهو هل (عاصفة الحزم) معركة هوياتية أم قومية؟ بمعنى هل هي معركة سنية في مواجه التممد الشيعي أم عربية قومية ضد التوسع الفارسي؟

منذ بداية 2011م، أتاحت الاحتجاجات العربية مجالا لإيران في توظيف حالة الانفلات الأمني وتحديداَ في اليمن، مستغلة الانكفاء السلبي للسعودية وعدم التفاعل لاحتواء الشعب، وتخليها عن الصوت الصاخب في العراق ضد نظام المالكي الطائفي، وكذلك في سوريا، الأمر الذي أوجد شرخاَ بين الشعوب السنية وبين رؤساء دول المنطقة.

تصدر تنظيم الدولة الاسلامية المشهد وأصبح هو من يدير حربا هوياتية على الاطلاق، حرب سنية ضد النظام الطائفي في العراق والنظام النصيري في سوريا.

في تلك الأثناء كانت دول المنطقة في حالة ارباك بعد أن تصدرت الجماعات الجهادية الى واجهة حرب الهوية، حينها قررت تلك الدول التأمل من بعيد، لكنها لم تسلم من موجة هذه الحرب حتى اصبحت فيالق بدر الايرانية هي من تدير المعركة في العراق وابتلاع الحوثيين الدولة في اليمن.

بعد أن تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيز السلطة، أظهرت سياسته الخارجية عن مدى خطورة تطويق إيران الجزيرة العربية من الجنوب عبر الحوثيين، باعتبار اليمن ستكون شوكة في خاصرة المملكة، فتحرك الملك سلمان لعقد جلسات سرية مع رئيس تركيا مطلع شهر مارس دامت أكثر من نصف ساعة، كانت هذه الجلسة ربما هي الشرارة الأولى لصناعة درع أمني وسياسي في مواجهة المد الايراني، على المنطقة.

اختارت السعودية تركيا الى جانب مصر باعتبارهما صانعتي قرار ومؤثر في المنطقة مقابل إيران، ومتخففه من صداع الإخوان الذي كاد أن يشرخ دول المنطقة إلى نصفين.

ورغم أن هذا التقارب الثلاثي الجديد تشكل بفعل تغول إيران، والذي كانت أول نتائجه قطع يد إيران في اليمن، "عبر عاصفة الحزم"، جاءت ردود فعل طهران بشكل متسارع، إذ أعلنت إيران أن الحرب لن تتوقف في اليمن، وهو تهديد مباشر لدول الخليج.

الآن نتساءل مره أخرى عن تداعيات هذه المعركة، خاصة أن المنطقة تشهد حربا طائفية في العراق وسوريا:

خَلَص الكاتب "غوس" في كتابه "ما وراء الطائفية الحرب الباردة الجديدة في الشرق الاوسط" أن ما تشهده المنطقة من حرب ليست طائفية وانما سياسية، طرفها إيران مقابل السعودية وبقية دول المنطقة، لكن المفكر عبد الله النفيسي ربما كان أدق في توصيف ما تقوده إيران من حرب في المنطقة، حين قال إن طهران تعمل على توظيف المذهب الشيعي في الدول العربية في خدمة مشروعها الفارسي، وأن شيعة العرب ليسوا سوى حصان طروادة لمشروعهم الفارسي في المنطقة.

السعودية ودول الخليج هي نفسها لا تتعامل بالهوية السنية، وهو ما يدل حربها ضد التنظيمات الجهادية -المحسوبة على التيار السني- التي تصب هذه الحرب في الأخير في صالح إيران مثل ما يحدث في العراق، وسبق أن دعمت بقوة القائمة العراقية بزعامة الرجل العلماني من أسرة شيعية إياد علاوي في الانتخابات العراقية لعام 2005م، و2010م، لذا فهي تتعامل مع الملفات الملغمة في محيطها من منطلق سياسي براجماتي، وهو ما ينطبق على اليمن مؤخرا حين وجدت تهديد الحوثيين أكثر من الاصلاح -إخوان اليمن- سارعت الى دك معاقلهم العسكرية.

ولكن، لنفترض أن إيران صدَّرت الحرب الى دول الخليج عن طريق جيوبها الشيعية في البحرين والمنطقة الشرقية وجنوب المملكة عبر الحوثيين خاصة وأن الحوثيين يتحدثون جلياً عن معركة قادمة مع الرياض، بمعنى أن الأمر سيكون أكثر خطورة، هنا سيجدون أنفسهم مجبرين على تعبئة الراي العام، وتحويل المعركة الى معركة شعبية بين شيعة ايران والسنة العرب، لأن حرب الهويات جَلَبة للتعاطف أكثر من حرب القوميات أوالوطنية.

ومع هذا الافتراض، يبدو من الصعب أن تدخل ايران في معارك مفتوحه طائفية حاليا، باعتبارها منهكة اقتصاديا، بفعل جبهات القتال في سوريا والعراق، وانشغالها في المفاوضات النووية، لكن ربما تكون خطوة تالية على المدى البعيد.

وبشكل أدق، لا زالت "عاصفة الحزم" تعمل في الدائرة الأوسع وهي دائرة المعركة القومية لكسر ظهر التمدد الايراني مشروعا إمبرياليا توسعيا في اليمن، في المقابل تتحرك إيران بمشروعها الفارسي مستغلة بعض الجيوب الشيعية كحصان طروادة للتغلغل في المنطقة ككل.