نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً لسيرجي كابيزا، حول بدو شبه جزيرة
سيناء، والحياة التي عاشوها في فترات مختلفة من تاريخ شبه الجزيرة.
ويبدأ الكاتب بالحديث عن
البدو من قبيلة
الجبلية، الذين أتوا من شمال ما يعرف اليوم برومانيا في القرن الخامس الميلادي، حيث أرسل الامبراطور الروماني جستنيان الأول مجموعة من الرجال إلى دير سانت كاثرين في شبه جزيرة سيناء، لبناء كنيسة وسور واق، وتألفت المفرزة المرسلة من 20 إلى 40 رجلاً، وأمروا بالبقاء هناك لحماية الموقع من هجمات القبائل البربرية. ويشكل اليوم أحفاد هؤلاء الرجال قبيلة الجبلية، نسبة إلى الجبال، ولا يزالون يحمون الدير، بالرغم من دخولهم في الإسلام منذ القرن السادس.
ويشير التقرير إلى أن هذه القبيلة تعيش في الثلث الجنوبي من شبه الجزيرة، وبلدة سانت كاثرين القريبة من الدير تعد عاصمة المنطقة، وتقع على ارتفاع 1500 متر فوق سطح البحر، وليست أرضاً سهلة، فالجبال جرداء، ودرجات الحرارة غير عادية، والموارد محدودة.
ويستدرك كابيزا بأن سكان المنطقة تأقلموا مع ظروفها، وتعلموا كيف يستخدمون الموارد القليلة المتوفرة بفعالية جيدة، ويعرفون التضاريس بالبوصة، كما أنهم يحترمون الطبيعة، وهناك مثل بدوي يقول: "إن قتلت شجرة فإنك قتلت روحاً"، واستفادوا من القليل من المطر، الذي يهطل كل عام لزراعة البساتين، وهذه البساتين هي قطع صغيرة من الأرض محاطة بأسوار لمنع دخول الحيوانات، كما أنهم عملوا في رعي الماشية في المساحات الخضراء القليلة بين الرمال والحجارة.
وينقل الموقع عن ناصر من قبيلة الجبلية، وهو شاب يعمل دليلاً سياحياً، قوله: "كان جدي يقضي الصيف في البستان، يتعهد أشجار الفواكه بالرعاية، ويقطفها ثم يجففها، وفي نهاية الصيف يذهب مع غيره من رجال القبيلة، وحتى رجال من قبائل أخرى، ويمشون مع جمالهم إلى القاهرة أو السويس، لبيع أو مقايضة منتجاتهم".
ويبين الكاتب أن البدو كانوا يعودون من القاهرة محملين بقصب السكر، ثم يشعلون النيران في رؤوس الجبال، وهي العلامة التي كانت تنتظرها القبائل في السعودية في الجانب الآخر من خليج العقبة، ليذهب سكانها ويحضروا الشاي والتوابل للمقايضة، لقد كانت حياة بسيطة.
ويذكر التقرير أن تغير الجميع، عندما قامت دولة إسرائيل عام 1948، ومع وجود الحدود الجديدة، قسمت بعض أراضي القبائل "هناك حوالي 12 قبيلة تقطن شبه الجزيرة"، واستبدلت المقايضة بالتهريب، وكان البدو أول من شهد حرباً ليست حربهم، واضطروا للعيش من 1967 وحتى 1982 تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي.
ويوضح كابيزا أن إسرائيل قامت بعمل بنية تحتية، وأقامت مخيمات على البحر لتجذب مواطنيها، وبعد ذلك وعندما عادت سيناء إلى
مصر بموجب معاهدة سلام بين الطرفين، قامت مصر بتطوير
السياحة فيها، فوجود الشمس والشعب المرجانية في البحر يجعلها مكاناً رائعاً للسياحة، ولكن البدو منعوا من العمل في هذه الصناعة الناهضة، وليس فقط كونهم مالكين، ولكن حتى في الخدمات السياحية، وبقيت حكراً على سكان القاهرة.
ويلفت التقرير إلى أن الأمر كان يختلف بالنسبة للجبلية، وقد أعلنت منطقتهم محمية، وبدأ أبناء القبيلة يعملون مرشدين سياحيين، ويأتي السياح بالآلاف ليتسلقوا جبل سيناء ويشاهدوا شروق الشمس منها، وزيارة الدير، وفي الموسم الجيد يأتي للمكان ألف زائر في اليوم.
ويصف الكاتب تلك الأيام بالجيدة، ولكن البدو بدأوا يفقدون هويتهم. ويقول محمد خير من مؤسسة مجتمع جنوب سيناء: "إن السياح جعلوا الناس ينسون من هم، وعملوا مقابل أجر يومي، ولم يفكروا في المستقبل". وبدأ الشباب من قبيلة الجبلية بإهمال بساتينهم وماشيتهم، والالتفات إلى كسب المال السريع الذي يأتي به السياح.
ويتابع كابيزا أنه بين عامي 2004 و 2006، تسببت عدة انفجارات على ساحل البحر الأحمر بالصدمة، وكانت تلك التفجيرات من تخطيط العرب، ولكن يقال إن بعض رجال القبائل شاركوا فيها، فضرب فندق على الحدود مع إسرائيل في طابا عام 2004، ومعه مخيمان على شاطئ البحر في منطقة رأس شيطان، مما أدى إلى مقتل 34 شخصاً. وفي عام 2005 ضربت شرم الشيخ بعدة قنابل، وقتل 88 شخصاً، وبعد ذلك بعام في بلدة ذهب، وهي بلدة سياحية أخرى على الساحل، تسبب تفجير بمقتل 23 شخصاً.
ويفيد التقرير بأنه منذ ذلك الحين بدأت السياحة في التراجع، وخاصة من الإسرائيليين الذين لا يزالون يشعرون بأن شواطئ البحر الأحمر ملك لهم، حيث تقول سائحة إسرائيلية على شاطئ نويبع المقفر: "نحن نقول دائماً إن هذا المكان هو الأفضل في إسرائيل".
ويذكر الكاتب أنه بعد ذلك بخمس سنوات ثار الشعب المصري ضد الرئيس حسني مبارك ونظامه، وأفرغت المنطقة من الأجانب؛ خشية أن تنتقل المواجهات من القاهرة إلى المدن الأساسية وجنوب سيناء، بالإضافة إلى الاضطرابات في شمال شبه الجزيرة، بالقرب من الحدود مع غزة، وذلك كله لم يساعد في تعزيز صورة براقة للبدوي الكريم، الذي يستقبل الزوار، وهي الصورة التي اكتسبها على مر العصور.
ويورد التقرير أن المرشدين السياحيين من قبيلة الجبلية الآن لا يجدون ما يكفي من السياح ليقوموا بإرشادهم، والأمر ينطبق على سائقي السيارات الذين لا يجدون الكثير من الناس لنقلهم، وأصحاب المحلات لا يجدون زبائن لبيعهم. وليس من السهل على البدو الشباب، الذين ينقصهم التعليم، أن يجدوا وظائف، فيجتمعون ليشربوا الشاي البدوي، ويدخنوا الأرجيلة، أو أن يسافروا للقاهرة سعياً وراء مستقبل أفضل.
ويستدرك الموقع بأن لديهم حلاً آخر، وهو العودة إلى حياتهم الأصلية، وهذا بالضبط ما يفعلونه، ففي كل يوم تقريباً يسلك حسين الطريق الذي يبدأ خلف آخر بيوت سانت كاثرين، وترتفع الطريق بسرعة، ولكن بمجرد وصول الممر تصبح الطريق سهلة، وتشق الوادي وتتلوى بين الصخور، ويوجد بعض منابع المياه، وخلال ساعة من الزمن يصل حسين إلى بستانه.
وينقل التقرير عن حسين قوله: "اشتراه جدي قبل حوالي مئة عام، وأظن أن البستان عمره حوالي 300 سنة. وعمل أبي فيه، ولكن عندما توقف تم هجره عشرين عاماً، حيث كنت أعمل مع السياح، والآن عدت إليه؛ لأنه مهم بالنسبة للبيت"، وعنده في البستان الرمان والزيتون المشمش والكمثرى.
ويبين الموقع أنه من خلال مؤسسة مجتمع جنوب سيناء يشجع محمد خير الناس إلى العودة إلى بساتينهم، وتساعد المؤسسة في بناء الأسوار وحفر الآبار وبناء السدود الصغيرة لتخزين مياه الأمطار والثلوج أحياناً. ويقول محمد إن ثلث العائلات عادت العام الماضي لتعمل في البساتين المنتشرة في سهول المنطقة، ويضيف محمد أنه برعاية البساتين يحس البدوي أن لديه قطعة أرض، وكانت الأرض دائماً مهمة بالنسبة لنا، وأكد أن منتوجات البستان طبيعية 100%.
ويضيف التقرير أنه بالإضافة إلى ذلك فإن البدو يسعون إلى تطوير السياحة في منطقتهم، بحيث لا تكون مجرد زيارات يومية، بل تكون زيارات تستمر عدة أيام، يستكشف السياح خلالها المنطقة، مستغلين الممرات القديمة جداً، التي توصل إلى البساتين وتصل السهول، وهم يروجون الآن للسياحة الأيكولوجية.
وينقل الكاتب عن عضو الجمعية الملكية الجغرافية بن هوفلر، قوله: "تحظى بجميع المناظر هناك، فهناك قمم مخروطية تشبه جبل ماترهوم في إيطاليا، وهي من أجمل الجبال في الشرق الأوسط". وقد أعد هوفلر أول دليل سياحي على الأقدام في شبه الجزيرة، ويشير هوفلر إلى أهمية سيناء، حيث يقول إن موقعها الاستراتيجي كونها حلقة وصل بين آسيا وإفريقيا، جعلها تصبح ممراً للغزاة الذين احتلوا المنطقة.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه بالرغم من وجود اضطرابات في شمال سيناء، بسبب المقاتلين المتطرفين، الا أن بدو الجنوب قاموا بترتيب رحلات إلى مناطقهم، وكانت الرسالة المهمة التي يريدون إيصالها للجمهور مفادها أن جنوب سيناء منطقة آمنة.