مقالات مختارة

السيسي وأزمة النصوص "المقدسة"!!

1300x600
لم تكن إذًا أزمة رئيس السلطة الحالية عبد الفتاح السيسي مع جماعة الإخوان المسلمين كما كنا نفهم على مدار الفترة الماضية، بل كانت مشكلته الحقيقية مع أكثر من مليار مسلم أصبحوا مصدرا للقلق والخطر والقتل والتدمير، ويريدون قتل بقية سكان العالم نتيجة اعتمادهم على "نصوص" وأفكار "مقدسة" عبر مئات السنين، أصبح من الصعب الخروج عليها على حد تعبيره.

ما قاله السيسي في حضرة الأزهر الشريف شيخًا وأساتذةً ودعاة، لو صدر من رئيس أمريكي أو أوروبي لاستوجب أزمة دبلوماسية عنيفة مع الدول الإسلامية، فما بالنا وهذه الاتهامات تقال في الأزهر، بمكانته الدينية المعتبرة، وفى قلب القاهرة عاصمة واحدة من أكبر الدول الإسلامية، ولكن الذى حدث أننا فوجئنا بالتصفيق يدوّي في القاعة.

كلمات السيسي فجرت بركانا من الغضب غير المسبوق، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنها مسّت جرحًا لدى كل مسلم، يرى ويتابع يومياً منذ سنوات طويلة حجم الأهوال والمآسي التي يتعرض لها المسلمون في جميع أنحاء العالم، سعياً من سبعة مليار نسمة لردهم عن دينهم أو إبادتهم إبادة تامة.

وجميع المجازر التي اقشعرت منها الأبدان، وذرفت منها العيون في العصر الحديث والمعاصر، هي من توقيع رجل الحضارة الغربية، الذى يتهمنا السيسي، نحن معشر المسلمين، بأننا نسعى لقتله ونفيه، فالحرب الأمريكية ضد العراق وأفغانستان خلفت ما يقرب من مليون قتيل "مسلم" ومِنْ قبلها خلفت الحرب السوفييتية على بلاد الأفغان حوالي مليوني قتيل من المسلمين.

وفي قلب أوروبا شهد عقد التسعينات واحدة من أبشع حروب الإبادة والتطهير في حق "المسلمين"، وعلى يد الصرب والكروات، وبرعاية دولية من الأمم المتحدة، وأمينها العام آنذاك بطرس بطرس غالي، ولم ينس الضمير الإنساني حتى الآن بشاعة ما حدث في سربرنيتشا، التي كانت خاضعة لإشراف الأمم المتحدة، حروب الإبادة ضد مسلمي البوسنة، خلفت وراءها أكثر من مئة الف قتيل، إضافة إلى 1.8 مليون نازح، وما يقرب من خمسين ألف امرأة "مسلمة" جرى اغتصابهن بوحشية منقطعة النظير، ولولا وصول المجاهدين العرب حينها إلى البوسنة، وتمكنهم من إحراز انتصارات على الصرب، ما تحركت أمريكا لتسوية الأوضاع في البوسنة.

وفى بورما مازالت حملات الإبادة والتطهير تجري على قدم وساق على يد "لبوذيين" حتى يومنا هذا، مخلفة ما يقرب من سبعين ألف قتيل.

نحن معشر المسلمين لم نكن قتلة أو سفاحين يوماً ما، فقد شنت علينا الكنيسة الغربية يوما ما حرباً همجية باسم الصليب استباحت فيها أرضنا وأعراضنا ومقدساتنا، وفعلوا ما فعلوا من مجازر يندى لها الجبين الإنساني، خاصة عندما احتلوا مدينة القدس، وغاصت أرجل خيولهم في دماء المسلمين، وخربوا المسجد الأقصى، ومنعوا الصلاة فيه لسنوات طويلة. وعندما تمكن منهم صلاح الدين الأيوبي عاملهم بعفو الإسلام وسماحته.

وقائمة المجازر متنوعة الجنسيات ومتعددة الأديان طويلة، ولن يسمح مقال كهذا باستيعابها كاملة، ولكن يكفى أن نقول إن سبعين مليون إنسان لقوا حتفهم في الحربين العالمية الأولى والثانية، اللتين لم يكن للمسلمين ناقة فيهما ولا جمل !!!

أما الكلمات الأكثر إيلاماً حقا، فهي التي شن فيها السيسي هجوماً كاسحاً على مجمل التراث الإسلامي، (وسألتزم هنا بما قاله بأنه لا يقصد الدين، بل يتحدث عن الفكر)، واتهمه بأنه فكر يعادى الدنيا كلها، واكتسب صفة القداسة ، وبدا السيسي في هذه العبارات متأثراً بلقائه الأخير مع بقايا اليسار المتطرف المعروف بشدة عدائه للإسلام ، كما بدا متأثراً بما يذيعه وينشره كل من إبراهيم عيسى وإسلام البحيري!! 

فما تركه المسلمون الأوائل من علوم واكتشافات يعد مفخرة للأمة كلها، تستوجب التباهي لا الهجوم، والشعور معها بالدونية، سواء على مستوى العلوم الإنسانية أم على مستوى العلوم التطبيقية، فعلم أصول الفقه – على سبيل المثال – الذى أنتجته العقلية المسلمة من الألف إلى الياء هو أحد مفاخر العقل المسلم الذى عجزت الإنسانية عن الإتيان بمثله، وعلى مستوى العلوم التطبيقية، فمازالت البشرية تعرف قدر ابن سينا والخوارزمي والبيروني... وغيرهم في قائمة طويلة في وقت كانت أوروبا مشغولة بمنطق أرسطو الشكلي العقيم!!

وفضل المسلمين في الأندلس على الحضارة الغربية لا ينكره إلا جاحد ، فلم تعرف أوروبا أرسطو إلا عن طريق ابن رشد الذى أثر تأثيراً كبيراً على فلاسفة أوروبا في العصور الوسطى، وتأثر الفيلسوف اللاهوتي الكبير توما الأكويني بابن رشد معروف، وتناولته دراسات متعددة، أبرزها ما كتبه الأستاذ الدكتور/ محمود قاسم رحمه الله، العميد الأسبق لكلية دار العلوم، وتأثر أبي الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت بأبي حامد الغزالي ليس خافياً على أحد، حتى ولو لم يشر ديكارت نفسه إلى ذلك التأثر.  

وهذا فيض من غيض، وقطرة في بحر عظيم مما قدمته العقلية المسلمة للبشرية، التي يبدو أن السيسي لم يقرأ حرفاً عنها، حتى واتته الجرأة باتهامها بإنتاج نصوص عادت البشرية كلها.

وبالجملة، فالموضوع أكبر من الإخوان، وما قاله السيسي سيفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الهجوم على الإسلام وثوابته وتاريخه وعلمائه.