مقالات مختارة

إسرائيل وحدود الشرق الأوسط الجديدة

1300x600
كتب عطاء الله مهاجراني: يتحدث جانبان الآن، وهما إسرائيل وتنظيم «داعش»، حول الحدود الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط. وللوهلة الأولى، يبدو أن هناك فجوة شاسعة تفصل ما بين الجانبين. ولكن الحقيقة الواقعة تقضي، أنه رغم التباين الحاد بين نوايا وتوجهات الجانبين المذكورين، فإن التحليل والتفسير السياسي لكل منهما يفيد بأنهما كيان واحد.

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي المتشدد، موشيه يعلون، أن حدود الشرق الأوسط على وشك التغيير، وذلك في مقابلة صحافية اتسمت بالحدة مع الإذاعة العامة الوطنية في جولة استغرقت 5 أيام في الولايات المتحدة.

وعلاوة على ذلك، فقد تغيرت تلك الحدود بالفعل، وفقا للوزير يعلون الذي قال: «هل يمكنك إعادة توحيد سوريا؟ لا يسيطر بشار الأسد إلا على 25 في المائة من الأراضي السورية، وعلينا أن نتعامل مع ذلك»، في لقائه مع ستيف انسكيب من برنامج النسخة الصباحية لدى شبكة «إن بي آر»، بينما كان في مدينة واشنطن.

وخلال تلك المقابلة، فرق الوزير يعلون بين البلدان التي تتمتع بتاريخ مميز، والدول التي رُسمت حدودها اصطناعيا على يد القوى الغربية في القرن السابق؛ حيث يقول: «مصر سوف تظل مصر، أما ليبيا فهي كيان جديد، كيان غربي ناتج عن الحرب العالمية الأولى، مثلها مثل سوريا والعراق سواء بسواء – دول قومية مصطنعة – وما نراه الآن ما هو إلا انهيار للفكرة الغربية القديمة»، بناء على موقف صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، وبرغم ذلك: «إنه لم يناقش ما إذا كانت حدود إسرائيل، التي رُسمت على يد ذات القوى الغربية كذلك بعد الحرب العالمية الأولى، سوف تتغير هي الأخرى»، وبالإضافة إلى ذلك، فهو لم ينبس ببنت شفة عن إيران، أو الأردن، أو المملكة العربية السعودية.

لماذا تحدث عن الحدود الجديدة للبلدان والأراضي السيادية للدول من فراغ، مع أنه موضوع يتسم بحساسية مفرطة وتعقيد شديد؟

تلقى الوزير يعلون صفحة إحراج قوية عقب رفض السيد جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي، مقابلته، كما رفضها السيد جون كيري، وزير الخارجية، والسيدة سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأميركية.

وفي حين أن تلك الاجتماعات رفيعة المستوى هي من الأمور الاعتيادية بالنسبة لوزير الدفاع الإسرائيلي الزائر للبلاد، إلا أن المسؤولين الثلاثة المذكورين أعلنوا عن «صعوبات تتعلق بجداول الأعمال»، تبريرا لرفضهم الالتقاء بالوزير الإسرائيلي خلال رحلته الأخيرة إلى واشنطن، وهو موقف غير معتاد بصورة كبيرة في ضوء الروابط الأمنية الأميركية - الإسرائيلية الوثيقة.

وأدت تلك المعاملة غير المسبوقة من الجانب الأميركي بالوزير يائير ليبيد، وزير المالية الإسرائيلي، إلى التحذير من أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل باتت في «أزمة».

وبعبارة أخرى، هل حاول الوزير موشيه يعلون إخفاء فشله في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة من خلال الدفع بتلك المقابلة الصحافية المثيرة للجدل والاستفزاز؟ وهل يمكن اعتبار موقفه فيها من زاوية أنها فكرة مسيحانية جديدة، أو لعلنا فعلا نجد قدرا من الحقيقة بين سطور كلماته؟

وغني عن القول، إن تنظيم «داعش» يحمل وجهة نظر خاصة حول مستقبل المنطقة، وليس فقط منطقة الشرق الأوسط؛ حيث يتطاول حلمه إلى إقامة الخلافة الإسلامية في العالم، وهي وجهة نظر غير ناضجة للغاية، وفي تقديري تعتبر صبيانية لأقصى درجة. ولكن الخطة الإسرائيلية، على نحو ما أفضى بها الوزير موشيه يعلون، تبدو أكثر جدية في طرحها.

إن إسرائيل تفضل رؤية كافة الدول الإسلامية الكبيرة مقسمة إلى دويلات صغرى.

ولكن كيف تفكر إسرائيل في كيفية تقسيم الدول الكبيرة في الشرق الأوسط؟ أعتقد أن خارطة الطريق هي قضية إقليم كردستان. تفكر إسرائيل بصراحة شديدة حول استقلال إقليم كردستان، وعلى ناحية أخرى، تقسيم العراق، وإيران، وسوريا، وتركيا، وهي ليست بالفكرة الجديدة؛ حيث ظلت إسرائيل تغذي تلك الفكرة لما يربو على 5 عقود من الزمان.

يحاول بعض المؤرخين الإسرائيليين التنظير لاستقلال الأكراد على غرار إقامة دولة إسرائيل. وبعبارات أخرى، الحدود الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط وفقا للحلم الإسرائيلي مع إقامة دولة كردستان المستقلة. وفي مقالة نشرت على شبكة «أروتز شيفا» الإسرائيلية بتاريخ 27 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014. ينظر المؤرخ الإسرائيلي جيرالد هارانوف إلى المتشابهات التي تجمع بين اليهود والأكراد، وكذلك إلى تلك التي تجمع بين إسرائيل كدولة يهودية وكردستان كدولة كردية. وجاءت تلك المقالة تحت عنوان «فليبارك الرب الأكراد بدولتهم المستقلة»:

«أصلي لكي ينعم الرب على أولئك الذين يباركون الشعب الكردي بقدر ما ينعم الرب على أولئك الذين يباركون الشعب اليهودي. وعلاوة عليه، ألعن كل من يلعن الشعب الكردي بقدر ما يلعن الرب أولئك الذين يلعنون الشعب اليهودي. صلواتي لأن ينعم الرب على الشعب الكردي بالخلاص. صلواتي لأن يعيش الشعب الكردي بدولته وقوته العسكرية حياة طبيعية كتلك التي تحياها الأمم الأخرى. ولسوف يعيش الأكراد، بإذن الرب، كشعب حر على الأرض التي سكنوها لآلاف السنين بحكومتهم المستقلة. وإنني لأعترف بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في الاستقلال التام، وإقامة الدولة مثل كافة شعوب العالم. وإنني أطلب من الآخرين مشاركتي في ذلك. وأتوقع من الرئيس أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الاعتراف بدولة كردستان الآن».

ولا يقف جيرالد هارانوف بمفرده في ذلك. فإذا ما قرأنا بين سطور كتاب هنري كيسنجر الأخير «نظام العالم»، يمكننا العثور على إشارات أخرى ذات صلة، على سبيل المثال، حين يناقش كيسنجر الموقف من الأكراد في شمالي سوريا، فإنه يقول: «أقام الأكراد السوريون وحدة مستقلة على طول الحدود التركية التي يمكنها في وقت ما أن تندمج مع الوحدة الكردية المستقلة الأخرى في العراق». (كتاب: نظام العالم، صفحة 127).

من المحزن للغاية أن تفكر إسرائيل في تقسيم الدول الإسلامية. وبمزيد من الأسى، تمهد جماعة متوحشة مثل «داعش» الطريق لتنفيذ خطة إسرائيل.

كلا الجانبين يتحدثان الآن عن اتفاقية سايكس - بيكو، وكلاهما يقول: «إننا نواجه شرق أوسط جديدا».
أحد الجانبين – تنظيم «داعش» – يغرق في بحر من الدماء، والجهل، والاستبداد، والسعار المحموم. والجانب الآخر – إسرائيل – تفكر في كيفية تعزيز تقسيم الدول الإسلامية، وابتلاع فلسطين خطوة بخطوة.

إذا ما أراد الأكراد أن يتمتعوا بمجتمع مستقر ووضعية مريحة، فينبغي عليهم البقاء في كل دولة يعيشون فيها الآن. فلن تخلق الخطة الإسرائيلية إلا المزيد من الأزمات والكوارث لكافة الأكراد. 

إنني لست ضد اليهود، ولكن إذا تابعنا النظر والبحث في الأفق، ربما نتفق على درجة ما مع جيمس جويس في رائعته المسماة «عوليس»، أو «يوليسيس» بالإنجليزية، حينما يتحدث عن دور اليهود الصهاينة، فيقول: «تقبع إنجلترا في أيادي اليهود. إن كافة مقدرات الدولة، من المالية وحتى الصحافة، ليست إلا علامات على انحطاط البلاد. إن كل ما يجمعونه يلتهمون به ثروات البلاد وقوتها». (عوليس: كتب بنغوين، صفحة 41).

(عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)