سياسة عربية

إفطار إخوان الإردن.. رسائل سياسية للداخل والخارج

جانب من حفل الإفطار الذي أقامته الجماعة - فيس بوك

لم يخلُ الإفطار الرمضاني الذي أقامته جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين الثلاثاء، للفعاليات الحزبية والنقابية والإعلامية من رسائل سياسية للداخل الأردني والخارج، في وقت تعاني في الجماعة من قطيعة رسمية عقب سلسلة تحريضات شنها الإعلام الرسمي الأردني على خلفية قيادة الحركة الإسلامية للربيع الأردني.

هذه القطيعة كانت جلية بغياب الشخصيات الرسمية الأردنية عن حفل الإفطار، باستثناء بعض الشخصيات التي خرجت من المنصب و باتت تتقرب للمعارضة أمثال وزير الداخلية الأردني الأسبق نايف القاضي، والوزير الأسبق أمجد المجالي شقيق وزير الداخلية الأردني الحالي حسين المجالي.

وغصت قاعة احد المطاعم الكبيرة في العاصمة عمان بمئات الشخصيات الحزبية والنقابية والسياسية و أعضاء ومناصري جماعة الإخوان المسلمين في إفطار رمضاني يعتبر الأضخم من حيث الحشد في تاريخ الجماعة، ليؤكد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأردنيين د. همام سعيد أن "الجماعة أرسلت الدعوات لطيف واسع من أبناء الشعب الأردني، من مختلف محافظات المملكة ومكوناتها".

ووجه المراقب العام د.همام سعيد رسائل سياسية داخلية و خارجية في كلمة ألقاها قبيل الإفطار انتقد فيها الأنظمة العربية قائلا إن "هذه الأنظمة منعت شعوبها من ممارسة حقوقها في الحرية والإدارة الكاملة والشراكة الفاعلة في إدارة شؤونها، وقد عانت هذه الشعوب من الاستبداد السياسي، والفساد الإداري والمالي والقهر، وبقي الإصلاح أملا بعيد المنال بحجة أنها شعوب لم تنضج بعد، ولا تصلح للديمقراطية".

وقال د. سعيد إن الربيع العربي "تعرض لمؤامرات كثيرة حاولت إفشاله، بدءا من محاولات الانقلاب عليه إلى محاولات التشويه واستئصال القوى الحية".

داخليا دعا المراقب العام أن يكون للشعب الأردني دوره في الإصلاح و إنتاج ربيع عربي يقوم على الإسلام دينا ونظام حياة، وان يملك الشعب قراره بكامل إرادته، وان يتصدى للمشروع الصهيوني وتهويد القدس، والوطن البديل من خلال قيام شراكة وطنية حقيقية ينخرط فيها جميع أبناء الوطن شعبيين ورسميين للشروع برؤية وطنية شاملة لا تستثني أحدا من أبناء الشعب".

و تشهد العلاقة بين النظام الأردني و جماعة الإخوان المسلمين فتورا ونفورا، خصوصا بعد الانقلاب العسكري على حكم الرئيس الشرعي محمد مرسي، حيث كان الملك عبد الله الثاني أول المهنئين للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، ومن ثم أول المهنئين للجنرال عبد الفتاح السيسي بعد سيطرته على مقاليد الحكم في مصر.

و يحمل النظام الأردني هواجس بأن جماعة الإخوان المسلمين تريد تحويل الملكية في الأردن إلى شكلية، والسيطرة على زمام الأمور من خلال حكومة منتخبة يكون لها السلطة بعد تقليص صلاحيات الملك.

هذه المخاوف لم يخفها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عندما صرح لمجلة أتلانتيك الأمريكية عام 2013 وصف الرئيس محمد مرسي بأنه "سطحي"، مؤكدًا أن معركته في الأردن هي إبعاد الإسلاميين عن السلطة، ووصف جماعة الإخوان المسلمين بـ"الجماعة الشريرة والماسونية".

وشهدت العلاقات المصرية -الأردنية جمودا في عهد مرسي، وصلت لحد التلويح بورقة العمالة المصرية في الأردن، إلا أنها سرعان ما انفرجت بعد الانقلاب العسكري في مصر إذ قام الملك عبد الله الثاني بأول زيارة لحاكم عربي للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور.
 
ثم تبعه رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور، ليلتقي السيسي عندما كان وزيرا للدفاع، ليعود فيما بعد و يوقع تسع اتفاقيات مشتركة في مجالات مختلفة.

و لم يخل حفل الإفطار من انتقادات للحكومة الأردنية من قبل شخصيات محسوبة على الموالاة، إذ انتقد أمين عام حزب الجبهة الأردنية الموحدة والنائب في البرلمان الأردني أمجد المجالي السياسات الاقتصادية للحكومة التي بدأت برفع الأسعار، وما أفرزته هذه السياسات من غياب الثقة بالحكومة وبرامجها.

وقال  المجالي إن الحركة الإسلامية "جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية ودورها الهام في الحياة السياسية ومواقفها مع الوطن والنظام، وأفترض منها أن لا تتخلى عن موضوعيتها التي عهدناها" .
 
وأضاف أن "التحديات الداخلية التي يعيشها الأردن لا تقل خطورة عن نظيراتها الخارجية، فهناك تراجع في الحريات العامة، واعتماد على سياسات اقتصادية لا تراعي اعتبارت اجتماعية، ولا تراعي في لقمة العيش إلّا ولا ذمة، فهناك تفاوت هائل في الدخول وتفشٍ كبير للفقر والبطالة وصل إلى مستويات غير مسبوق".

و اعتبر المجالي أن "هذا اللقاء يأتي في وقت وفي مرحلة من أخطر المراحل التي يمر بها الوطن والأمة، والحال ينتقل من سيء إلى أسوأ، لافتا إلى أنه لا يوجد أي ضوء يلوح في الأفق أو حتى بصيص أمل يمد الأمة بعزيمة سباق المسافات الطويلة".

ومن الوجوه التي غابت عن إفطار جماعة الإخوان المسلمين أيضا، شخصيات قيادية في الجماعة مثل الدكتور رحيل الغرايبة منسق ما يعرف بمبادرة زمزم، وهي مبادرة تحمل مشروعا إصلاحيا خارج نطاق الجماعة، الأمر الذي تسبب بمحاكمة منتسبيها وإصدار أحكام بحقهم من قبل محكمة الحزب بالفصل لخروجهم عن صف الجماعة ومحاولة شق الصفوف.

بينما حضر حفل الإفطار متقاعدون عسكريون معارضون للسياسات الرسمية، كما ضم الإفطار شخصيات يسارية ومسيحية وحزبية وعشائرية وإعلاميين ونقابيين، في رسالة للداخل الأردني بأن جماعة الإخوان المسلمين تحظى باحتفاء من مختلف أطياف المجتمع الأردني.

بدوره قال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، حمزة منصور: "نحن شعب واحد يعيش على أرض مقدسة صنعت أعظم الحضارات، تقوم على مبادئ التسامح والأخوة الإنسانية، وأرست قواعد الحق والعدل وأشاعت الأمن في المجتمع".

ودعا منصور "لتحرير العقول من التعنت والتعصب والتبعية" وقال: "الأمة أمة الحوار والاعتراف بالتعددية، والشراكة شعارها".

وأضاف أن "الدماء التي تجري اليوم أنهارا على أرضنا العربية، والدمار الذي يعصف بمنجزات الحضارة ويحولها إلى أطلال وخرائب وهي مرشحة للتمدد والاتساع هي نتاج التشبث بالسلطة على غير رضى من الشعوب، وإقصاء الآخر وشيطنته وتجريمه، والتعصب المذموم للطائفة أو المذهب أو العرق والاستجابة لمخططات الأعداء والطامعين". 

وأشار منصور إلى أنه "لا ينبغي لهذه الحالة المأساوية أن تحملنا على اليأس والقنوط والقعود عن بناء مشروع حضاري للأمة بكل مكوناتها، يلم شتاتها ويوحد جهودها، ويستثمر إمكاناتها ويجعل لها مكاناً تحت الشمس، وإنما ينبغي أن يكون دافعا قويا لبذل المزيد من الجهد والعمل المشترك على القواسم المشتركة حتى لا يغرقنا الطوفان جميعا".

ووجه منصور دعوة لكل القوى والتيارات السياسية والفكرية في الأردن وقال: "هلموا لنلتقي معا على كلمة سواء لنحمي أردننا مما ابتلي به أشقاؤنا، ونصنع إصلاحا يليق بالوطن والمواطن".