قضايا وآراء

جمهورية الموز الفاشية

1300x600
قبل سقوط حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك في 2011، كانت التيارات السياسية والفكرية العاملة والناشطة في الساحة المصرية تكيل الاتهامات لتيارات الإسلام السياسي، بأنها استبدادية وفاشية، وتسعى لإقصاء الآخر وإخفائه من الحياة السياسية والعامة، وربما إبادته والتنكيل بمعتنقي أفكارهم.

هذه التيارات طالما روجت في منابر إعلامية مختلفة، وخلال ندوات على أن "الإسلاميين" إذا ما وصلوا للسلطة سيسحقون معارضيهم، و ينقلبون على العملية الديموقراطية التي جاءت بهم.

ورغم أن مصر كانت تحت حكم عسكري ممتد منذ سقوط الملكية عام 1952، اتخذ ديموقراطية شكلية ، فإن هذه التيارات لم ترى في استبداد الحكم أي نوع من التهديد للحرية أو المدنية، بينما إعتبرت التيارات الأخرى المخالفة لها وهي التيارات الاسلامية، هي الأجدر بالمعارضة والمناهضة رغم أنها ليست في الحكم ومقموعة دوما من السلطة.

اتهامات كثيرة طالت الإسلاميين بدء من عزمهم التنكيل بمعارضيهم وسجنهم وتكميم الحريات العامة والشخصية، و معاقبة المواطنين من غير معتنقي الاسلام، مرورا بوقف الإبداع والفنون وغيرها من الاتهامات الاستباقية في إطار هجوم مرتب ومنظم صنعته السلطة وأطراف أخرى، لخلق عدو وهمي لدي الفكر الشعبي الجمعي، يجعل هذا الفكر رافضا لتيارات الإسلام السياسي.

بعد ثورة يناير بدأ أصحاب الصوت العالي المرددين شعارات ومفاهيم الحرية والديموقراطية والكرامة يطالبون ببدع فكرية وسياسية لم تشهدها أي ديموقراطية محترمة، و ممارسة الابتزاز السياسي تجاه فصائل بدأت تتضح قوتها في كسب ثقة الشارع لعملها الدائم معه، هذا الابتزاز بدأ مبكرا لجماعة الإخوان المسلمين وهي القوة السياسية الوحيدة التي كانت فاعلة في ثورة 25 يناير، و قادرة على دعم ميدان التحرير أثناء المذبحة الهمجية في 2 فبراير التي عرفت بموقعة الجمل، بالإضافة إلى قيامها بتحريك مظاهرات واسعة ومستمرة في كافة المحافظات المصرية في وقت كان فيه التظاهر في محافظة غير العاصمة يمثل نوعا من تجاوز الخطوط الحمر لا يستطيع أي مواطن تخطيه.

ابتزاز القوى السياسية، التي يمكن تسميتها قوى الفكر "المكيف"، بدأ بجريمة ضد الديموقراطية تمثلت في محاولة إجبار جماعة الاخوان المسلمين على عدم الترشيح أكثر من ثلث مقاعد مجلس الشعب، بحجة عدم السيطرة واحتكار السلطة، رغم أن من يجيء إلى مقعد البرلمان يأتي بإرادة الشعب والجماهير التي اختارته، ولم يأت بقوة السلاح أو بالتزوير الذي لم تعرف مصر شيئا غيره.

تطور الابتزاز ليبث مفاهيم مضللة ومغلوطة في وسائل الإعلام، مثل الاحتكار والإقصاء والاستبداد الذي بدأ في ممارسته الإخوان المسلمون، رغم أن المتابع المنصف للمشهد البرلماني وقتها سيجد أن الإخوان كانوا أغلبية، ولم تكن أغلبية حاكمة، وأنها ورغم قدرتها على احتكار المناصب داخل المجلس التشريعي و عن طريق الانتخاب الحر أيضا لكانت فعلت، لكنها وبرغبة في مشاركة الجميع سمحت لغيرها من القوى والأحزاب بتولي مناصب ورئاسة لجان في البرلمان.

ولما بدا للبعض منهم أن فكرة الوقوف أمام إرادة الشعب وحقه في اختيار ممثليه ربما لن تكون مقبولة، بدأ الحديث عن ما تسمى بوثيقة مبادئ فوق دستورية، في مشهد مشين لم يعرف في أي نظام ديموقراطي عالمي من قبل، بزعم حماية الديموقراطية التي "سيسرقها الإسلاميون " إذا ما وصلوا للسلطة، هذا التضليل صاحبه أيضا تبني لفكرة ضد نظام الدولة بالأساس وضد إرادة الشعب في اختيار ممثليه، عندما أعلن عن رغبة المحكمة الدستورية العليا في حل مجلس الشعب المنتخب لمجرد عيب في تطبيق قانون الانتخابات، هذا العيب الذي لا يجب ذكره أمام إرادة 35 مليون مواطن شاركوا في الانتخابات، كان فرصة لدفع السلطة العسكرية لسحق العملية الديموقراطية برمتها، وإلغاء سلطة شرعية منتخبة من الشعب من قبل سلطة أخرى غير شرعية ومعينة من قبل النظام الذي ثار عليه المصريون.

ومع اقتراب انتخابات الرئاسة، و فطنة جماعة الإخوان وقتها إلى عزم النظام العسكري مواجهتها، دفعت بمرشحين للانتخابات رفض منهم واحد وقبل الآخر، هذه الفكرة لم ترق لمناضلي ومفكري  التكييف وفنادق الخمس نجوم.

وراح ابتزاز المرشح الذي تيقن أنه بات على أبواب الرئاسة، بضرورة فرض أشخاص عليه لمشاركته في الحكم وتارة بضرورة تنازله لمرشح خاسر وحل ثالثا، دون أدنى منطق أو فهم للقانون.

خلال عام حكم الرئيس مرسي بدأت المؤامرة على ثورة 25 يناير بصورة متكاملة، لا رغبة في عودة النظام القديم الفاسد وحسب، و إنما بدفع قوي من قوى خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

قامت القوى المنسوبة للفكر الليبرالي و اليساري، بالتحريض على أعمال عنف وإرهاب ضد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي الرئيس إليها، تحت حجة حرية التعبير والاعتراض، حرقت تلك القوى مقرات الجماعة وأحزب الحرية والعدالة، وطال بعض الأحزاب الأخرى عدد من الاعتداءات، تجاوز الأمر مع المؤامرة فكرة الحرق والترويع، ليصل إلى فكرة القتل، وضرب رؤوس المنتمين إلى الجماعة بالحجارة ورجمهم علنا وبتحريض من المتظاهرين، كما حدث في المقطم، والتغاضي عن كل هذه الأعمال الإرهابية لأنها في صلب حرية التعبير.

رغم هذه الأعمال الإرهابية التي مارستها طوال أشهر كثيرة معارضة الرئيس محمد مرسي، لم يأمر مرسي مطلقا باعتقال أي من المحرضين أو المجرمين الذي قتلوا أو عذبوا مواطنين غيرهم، على أمل أن تهذب الحرية والبيئة الديموقراطية الجديدة سلوك المعارضة الفج والمججوج.

ورغم الدعوة العامة للانقلاب على الدستور والعملية الديموقراطية، وعزل رئيس جمهورية منتخب في الثلاثين من يونيو، دعمت هذه القوى الفكرة بقوة وتحالفت مع المعارض الحقيقي الوحيد والأوحد لثورة 25 يناير وهو الجيش، واستعانت بأنصار الحزب الوطني المنحل وأصحاب المصالح لاختطاف الديموقراطية علي ظهور الدبابات.

بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو، مورس في حق الشعب المصري جرائم ضد الإنسانية فاقت وحشية ما فعله هتلز النازي باليهود القرن الماضي، و أصبح الاستئصال والانتقام السياسي رغبة جامحة في نفوس أولئك من صدعوا مصر والمصريين بالديموقراطية والتوافق وغيرها من المصطلحات التي باتت بذئية في البيئة المصرية، وتدل على مفاهيم مغايرة تماما لتلك التي تعنيها حقيقتها.

وفي انتخابات رئاسية خلال يومين هي مسخرة سياسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تنافس المرشحان على إقناع ناخبيهم بأن كل منهما هو من سيجتث جماعة الاخوان المسلمين من مصر، لم يتحدث أي منهما على توافق سياسي أو لم شمل المصريين للنهوض بالدولة، و إنما ملأت كل منهما أحقاد وكراهية ضد قطاع لازال حتى الآن الجدير بثقة المصريين، و سينال ثقتهم إذا ما أجريت انتخابات حقيقية نزيهة.

مصر الرسمية الآن، دولة فاشية تمارس الإرهاب بحق مواطنيها، و تملأ السلطة التي تحكمها أفكار الإقصاء والتطرف والكراهية تجاه معارضيها، مصر الآن أصبحت جمهورية موز عبثية.