مقالات مختارة

دمشق وطهران: لحكومة "ضد الإرهاب"

1300x600
كانت مناسبة مفتعلة، مساء الأحد الماضي، لتبرير خطاب آخر للسيد حسن نصرالله، فهو تحدّث في ذكرى "قادة المقاومة"، لكن الجميع علم أن الحكومة الجديدة استدعت أن يدلي بدلوه، ليسجّل أنها ولدت بفضله ومساهمته، والأهم ليرسم أفق هذه الحكومة، وقد فعل. كيف؟

أولاً، بحصر ضرورتها في الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما استلزم استعادة المشاركة. وثانياً، بتركيز معظم الخطاب على العدّوين، اسرائيل و"التكفيريين"، اللذين يتولّى "حزب الله" المواجهة معهما ولا يستلزمان مشاركة مع أحد بل "مباركة" من حكومة تمام سلام.

في مقابل "لو كنّا نعلم لما كنّا ذهبنا الى الحرب" عام 2006 على رغم أنها جاءت بـ"النصر الإلهي"، يقول نصرالله الآن "كنا نعلم ولذلك ذهبنا الى سوريا فهذا ثمن لا بد من أن ندفعه" في حرب جاءت بالسيارات المفخخة. كانت هناك سفسطة طويلة ومملّة في تبرير تورّط "حزب الله" هناك، لكن كانت هناك أيضاً دغدغة مكشوفة ومخزية بل مهزلية لمشاعر الطوائف التي ما انفك يظن أنها لا تزال تراهن على نظام بشار الاسد في أمنها وأمانها، أو أنها ساذجة ولا تعرف حقيقة ما يجري. كانت اذاً محاولة يائسة لا تقنع سوى جمهوره، ولا نقول طائفته التي ارتهنها ولم يترك لها سوى خيار الـ "مجبر أخاك" لا المخيّر ولا البطل.

 كرّر نصرالله أن مقاتليه باقون في سوريا "حتى النصر"، وبذلك أطاح "اعلان بعبدا" علناً ومسبقاً. ليس جديداً عليه أن ينقض أي تعاقد لبناني يناقض سلطة النظامين السوري والايراني. فكل ما يمكن ان يُعتبر سياسة الدولة، أو يمكن أن يعبر عن اجماع اللبنانيين، مرفوضٌ في عُرف هذين النظامين المتسلّطين على البلد. في المقابل لن يمانع نصرالله في إسقاط معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، فهذه لم يكن عليها اجماع أصلاً، بل كانت شعاراً يلغي "الدولة" لمصلحة "المقاومة"، وقد سقط فعلياً بعدما أصبحت "المقاومة" ميليشيا تنتهك حرمات البيوت في بيروت وصيدا وتقوّض أسس التعايش. ولا تهتم الميليشيا بالشعارات بل بسلاحها، أي بوسيلتها للتسلّط على الحكم والحكومة وعلى سياسة الدولة.

لكن التنازل عن "الثلاثية الذهبية" لن يكون بلا ثمن، فـ "حزب الله" يعطي الأولوية لمواجهة "التكفيريين" (وفقاً لمصطلحات الاسد وطهران)، أو لـ "مكافحة الارهاب" (وفقاً لأجندة الاسد في مفاوضات جنيف). لا خلاف على محاربة الارهاب، لكن الخلاف على تبرير نصرالله وجود مقاتليه في سوريا بوقف الزحف الارهابي. وسواء كان يصدّق ما يقوله أم لا فهذا شأنه، لكن آخر من يمكن أن يكون مقنعاً في هذا الإدعاء هو "حزب الله"، مثلما أن النظامين السوري والايراني هما آخر من يمكن أن يعتبرا مؤهلين لمثل هذه المهمة، فقد زرعا الارهاب ورعياه ويريدان الآن تكليفاً دولياً بمحاربته، فقط من أجل انقاذ نظام الاسد.

(النهار اللبنانية)