مقالات مختارة

هذه ليست "جُملا معترضة"!

1300x600
 خلال مناقشة د. معروف البخيت مع الحضور، أثناء محاضرته "التحولات في البيئة الإقليمية وتداعياتها على الأردن"، الإثنين الماضي، مرّت جملة خطيرة ومهمّة للرجل، تحتاج إلى نقاش معمّق وموسّع أكثر؛ ليس على صعيد سياستنا الداخلية، بل الخارجية!

نص جملة البخيت هو: "إذا انهار الأردن، لا قدّر الله، فإنّ أبواب جهنّم ستفتح على الأشقاء في الخليج". موضّحاً أنّ الأردن يمثل اليوم "الخاصرة البرية الرخوة لدول الخليج، مع العراق". وما لم يقله البخيت مباشرة هنا، هو أنّ حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، عموماً، ليست على علاقة وطيدة بهذه الدول! فإذا تضعضع استقرارنا، فإنّ "صمام الأمان" سينهار، وستصبح هذه الدول على خط المواجهة المباشرة، ما قد يفجّر "برميل البارود" الطائفي الذي يقع بين أحضانها.

للتوضيح، حتى لا يختلط الأمر على القارئ العزيز، لا تقع الفقرات السابقة ضمن خطاب "استجداء المساعدات" الشقيقة (فمساعدات الأشقاء خلال الأعوام الماضية كانت كبيرة، وما تزال المنح تساهم بصورة كبيرة في حلّ أزمتنا المالية)؛ بل هي تقع على الطرف الآخر تماماً من هذه "الصيغة"، إذ إنّ المقصود، تحديداً، نقطتان جوهريتان: الأولى، ضرورة إعادة فك وتركيب هذه الصيغة من العلاقة، والتفكير في نمط آخر لرؤى استراتيجية لأهمية الأردن في الأمن الإقليمي. والثانية، الإشارة إلى مأزق ما يسمى معسكر "الاعتدال العربي"، والأخطاء الكارثية التي تقع بها قراءته للتحولات الجارية ولمستقبل المنطقة بأسرها.

أحد الأصدقاء الباحثين اللبنانيين (ربما يفضّل ألا أذكر اسمه)، لديه جملة أخرى تساعد كثيراً على تحليل ما قاله البخيت والإضافة عليه، وتوضيح مأزق النظام العربي "المعتدل". فإذا نظرنا إلى المنطقة العربية المحيطة، سنجد أنّ لدينا ثلاثة مجاميع "سُنّية" كبيرة في العراق وسورية ولبنان. وكلمة "سُنّية" ليست هنا وفق "المنظور الطائفي"، بل الديمغرافي والجيواستراتيجي الجديد. فليس لدى هذه المجاميع أي عنوان سياسي عربي كبير، ولا رصيد استراتيجي، وتطغى عليها مشاعر الاستهداف السياسي والاجتماعي، ويغلب عليها منطق "الصراع الهويّاتي"، بمعناه الضيّق؛ فهي في حالة فراغ استراتيجي مجتمعي كبيرة جداً!

في المقابل، فإنّ النظام الإقليمي العربي انهار تماماً. والدول المحورية التاريخية في حالة تراجع وانحسار وانكفاء؛ مصر والعراق وسورية. أمّا السعودية، فليست في وضع إقليمي يساعدها على ملء هذا الفراغ، بالرغم مما تملكه من إمكانات. وهي، مع شقيقاتها الخليجيات، على حد وصف البخيت، في حالة دفاع، بخاصة بعد بروز ملامح أولية لصفقة إيرانية-أميركية-روسية، سيكون ما يسمى بمعسكر الاعتدال أول من يدفع ثمنها، إن تمّت!

لسنا، إذن، أمام جُمَلٍ مُعترِضةٍ، بل إعادة صوغ لمستقبل المنطقة بأسرها. المشكلة، بل الطامّة الكبرى، هي أنّ ما يسمى بمعسكر "الاعتدال العربي"، ما يزال محكوماً بالمنظور التقليدي للأمن الداخلي والإقليمي. وهو منظور متآكل هشّ، يقوم على متغيرات قديمة تالفة، من ضمنها تعريف مصادر التهديد الإقليمي والداخلي عبر قوتين رئيستين: الأولى، هي النفوذ الإيراني. والثانية، وهي الأخطر، الإخوان المسلمون، ما دفع هذه الدول إلى تأييد الانقلاب العسكري المصري، وما آل إليه، وكأنّ هذه الدول قامت بإطلاق الرصاص على أقدامها بنفسها!

"السطر المخفي" في مصادر التهديد السابقة، هو تركيا وحكومة رجب طيب أردوغان تحديداً، ما يجعل معسكر الاعتدال العربي، عملياً، في مواجهة غير منطقية، مع إيران وتركيا، وخصومة مع الولايات المتحدة، وحرب داخلية مع الإسلاميين!
مثل هذا المنظور التقليدي هو بمثابة كارثة. تصنيف الأعداء والخصوم، وصيغة العلاقات القائمة، بحاجة إلى إعادة نظر جذرية، قبل أن "يذهب الجمل بما حمل"، وتأكل الأحداث السورية والمصرية الأخضر واليابس، فلا نرى في الأفق غداً إلاّ "القاعدة" والمجاميع الراديكالية!

(الغد الاردنية)