تشهد العلاقة بين قوات
الأمن المصرية والمتظاهرين من أنصار الرئيس المنتخب محمد مرسي و"الشرعية"، منعطفاً جديداً، ظهرت مؤشراته خلال الساعات الماضية، حيث التصعيد من جهة قوات الأمن من جهة، والصمود من جهةالمتظاهرين، والطلاب منهم بخاصة، ما ينذر بذروة العنف والتضييق الأمني.
ويرى الخبراء أن الفترة القادمة ستكون الأصعب في العلاقة بين الطرفين، حيث سيسعى كل طرف إلى فرض سيطرته على الشارع، خاصة مع اقتراب أول استحقاق انتخابي وفقا لخارطة الطريق التي أعلنها الرئيس المؤقت المصري عدلي منصور في 8 تموز/ يوليو الماضي، وهو الاستفتاء على مسودة الدستور المعدل يومي 14 و15 كانون الثاني/ يناير المقبل.
ويحاول كل طرف سواء من جانب أجهزة الأمن أو أنصار الرئيس مرسي، بحسب الخبراء، إثبات أنه الأقوى فى تلك المعركة، التي وصفوها بأنها "غير مسبوقة وطويلة المدى" وهو ما يشبه معركة "عض الأصابع".
ففي حين تعتبر أجهزة الأمن مواجهة المظاهرات التي يخرج فيها أنصار الرئيس مرسي، اختبارا بشأن قدرتها على فض المسيرات والتعامل الأمني الشديد ضد المتظاهرين، يعتبرها أنصار مرسي من جهتهم اختبارا بشأن قدرتهم على الاحتشاد والاستمرار في التنديد بما يصفونه بـ"الانقلاب".
مظاهرات الجمعة لأنصار الرئيس المنتخب بداية "أسبوع الغضب"، كما أسماه التحالف المؤيد لمرسي، كانت فارقة لطرفي المعركة، حيث كانت الأكثر حشدا والأشد في المواجهات عقب إعلان مجلس الوزراء، مساء الأربعاء الماضي، جماعة الإخوان المسلمين "إرهابية".
عادل سليمان، مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية، قال إن "ما حدث (الجمعة) وما سيحدث تباعا تطور متوقع لقرار الحكومة الأخيرة، لكنه ينذر بمواجهة غير متوقعة على مستوى زيادة أعمال العنف وتشديد القبضة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين خلال الأيام القادمة، في مواجهة غير مسبوقة، بين قوات الأمن وأنصار مرسي، قد تستمر سنوات بسبب عدم إدراك الطرفين لخطورة الموقف والعند المتبادل".
وأوضح سليمان في تصريحات لوكالات أنباء، أن "المواجهة بين الأجهزة الأمنية وأنصار مرسي ستشهد عنفا متبادلا خلال الفترة القادمة؛ فمن جهة الأمن الذي يمتلك أدوات العنف بدأ فعليا التصرف بعنف وقسوة، وهو ما يفسر عدة مشاهد في مظاهرات الجمعة، منها سحل قوات الأمن لفتاة جامعية خلال محاولة فض مظاهرة واحتجاز 10 فتيات بالصعيد (سوهاج)، في مقابل (ردات الفعل) العشوائية من جهة المتظاهرين، سواء عبر إضرام النيران في سيارات تابعة للشرطة، أو إلقاء زجاجات المولوتوف على قوات الأمن".
وأعلنت مصادر طبية رسمية وشهود عيان الجمعة، مقتل 5 أشخاص بينهم أحد
الطلاب خلال اشتباكات بمسيرات مؤيدة لمرسي.
بينما سقط قتيلان من الطلاب، أمس السبت، بعد اشتباكات دامت أكثر من 8 ساعات بين الأمن والطلاب داخل حرم جامعة الأزهر للبنين، شرقي القاهرة، بحسب مصادر طلابية.
وأعلنت وزارة الداخلية المصرية، الجمعة، القبض على 265 من الإخوان شاركوا في مظاهرات، خلال اليوم ذاته، لافتة إلى أنه جار حاليا اتخاذ الإجراءات القانونية بشأنهم، في إطار قرار الحكومة اعتبار جماعة الإخوان "إرهابية".
وأشار بيان للداخلية إلى أن "المواجهات مع عناصر الإخوان أسفرت عن إصابة عدد من رجال الشرطة بطلقات نارية وخرطوش (طلقات نارية تحتوي على كرات حديدية صغيرة) وجروح قطعية من بينهم نائب مدير أمن محافظة المنيا، وإصابة أحد المواطنين بطلق ناري بمدينة الفيوم، وإضرام النيران في 3 سيارات شرطة تصادف مرورها بمناطق تلك المسيرات".
وهذا هو أسلوب الداخلية، منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب، في صياغة بياناتها وتصريحات مسؤوليها، حيث محاولات إظهار المتظاهرين السلميين أنهم مليشيات مسلحة ومجهزة بالعدة والعتاد، وأنهم هم الذين يهاجمون قوات الأمن ويقتلون "المواطنين" بحسب تعبيرات الداخلية. كما أنه لا بدّ من إصابات في صفوف قوات الأمن كل مرة تشتعل فيها المظاهرات ويسقط قتلى في المتظاهرين.
التحالف المؤيد لمرسي الداعي لتظاهرات الجمعة بدوره، قال في بيان له، الجمعة، مخاطبا أنصاره: "لقد أكدتم فشل الانقلاب مجددا، فاستمروا في تحركاتكم بسلمية. اجعلوا أسبوع الغضب علامة فارقة في الحراك الثوري المتصاعد، ولا تنجروا لعنف.. امضوا بقوة في حشد المصريين إلي المقاطعة الثورية للعبث الأكبر في 14 كانون الثاني/ يناير المقبل"، في إشارة للاستفتاء القادم على الدستور.
علاء عز الدين، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة سابقًا، يرى أن "المرحلة القادمة ستشهد تعاملا أمنيا صارما في مواجهة أنصار مرسي، أشد مما حدث يوم الجمعة، فكل طرف سيعتبر المواجهة إثبات وجود له، وبدلاً من أن تتسم قوات الأمن بضبط النفس، فسيكون التعامل بعنف ضد هذه المظاهرات تحت ضغط مطالب الدولة والشعب".
لكن سليمان خالفه الرأى حيث اعتبر أن مصر لن تشهد تكرارا لسيناريو العراق، لكنها ستشهد سيناريو مصريا مليئا بمحاولات البعض في ابتكار وسائل للعنف تمتاز بعدم الاحتراف، بينما سيكون على الجانب الآخر عناصر تحاول استغلال هذه المحاولات في أغراض أعمق من حيث تنفيذ عمليات عنف وربما اغتيالات، لو ترك لها المجال بشكل احترافي وهو ما حدث في تفجير مبنى مديرية الدقهلية (التي أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنه).
واتفق كل من عز الدين وسليمان على أن "العنف يرتبط بإعلان الحكومة المصرية جماعة الإخوان جماعة إرهابية وكذلك الاقتراب من الاستحقاقات الانتخابية المتمثلة في الاستفتاء على دستور مصر المقرر في منتصف شهر كانون ثاني/ يناير المقبل".
من جانبه، قال صفوت الزيات الخبير العسكري، وهو ضابط متقاعد بالجيش المصري، إن "العلاقة بين الأمن وأنصار مرسي تشهد نقطة تحول كبيرة، فمن جهة ما زالت الفكرة الأمنية مسيطرة على الأجهزة الأمنية فيما نجد أن أنصار مرسي لديهم شعور بأنها تستطيع إنهاك قوات الأمن، وبالتالي نحن في اختبار إرادات وصراع ليس من المتوقع أن ينتهي قريباً".
الزيات وصف ما يحدث بأنه "مواجهة عنيفة وصلت إلى الذروة وهو ما سيتضح خلال الأيام القادمة، فالقتل أصبح على الفكرة وهي انتماء شخص أو تعاطفه مع الإخوان والتي أصبحت مؤسسياً جماعة إرهابية، بالإضافة للحشد الإعلامي الذي يشجع على استخدام العنف بمستوياته القصوى"، محذرا مما أسماه بالاستقطاب الداخلي والكراهية الشديدة أن يستغلها مجهولون في أعمال من السهل اتهام أي من الطرفين بها بغرض زعزعة استقرار البلاد والاستمرار في سيناريو تصعيد العنف.
ويوم الجمعة ظهرت تصعيدات الأمن ضد أنصار مرسي واضحة، ففى الوقت الذي نجحت قوات الأمن في فض عدد من تلك المسيرات، استطاع أنصار مرسي مواصلة فعاليات لهم في القاهرة، وفي سبع محافظات أخرى، حتى مساء نفس اليوم نفسه، في ظل اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن ومعارضين لهم، سقط خلالها العشرات من المصابين، فضلا عن 5 قتلى، اثنان منهم في المنيا، والباقون في محافظات القاهرة، ودمياط، وأسوان، بحسب مصادر طبية رسمية.
إعلان إخوان مصر "جماعة إرهابية" أغلق باب المصالحة
اتفق خبيران سياسيان على أن قرار الحكومة المصرية اعتبار جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" أغلق باب المصالحة السياسة مع أنصار الرئيس السابق محمد مرسي في الوقت الراهن.
وبينما توقع أحدهما أن يكون غلق باب المصالحة السياسية "مؤقتا"؛ نظرا للضغوط التي يخلقها كل طرف للأخر، والتي تحتم عليهما الالتقاء، رأى الثاني أن المصالحة "ليست مستحيلة" حال وجود استعداد لها لدى الطرفين، لكنه قال إن هذا الاستعداد "غائب" حاليا.
وأعلنت الحكومة المصرية المؤقتة الأربعاء الماضي، جماعة الإخوان "جماعة إرهابية" وجميع أنشطتها "محظورة"، واتهمتها بتنفيذ التفجير الذي استهدف مبنى مديرية أمن محافظة الدقهلية، شمال البلاد، الذي وقع فجر الثلاثاء الماضي وأسفر عن مقتل 16 شخصا، وذلك رغم إدانة الجماعة للحادث، ونفيها المسؤولية عنه، بل وتبني جماعة "أنصار بيت المقدس" للتفجير.
وتعقيبا على هذا القرار، قال مختار محمد غباشي، الخبير السياسي ونائب رئس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة إن ما تشهده مصر حاليا من مواجهة بين السلطة الحالية وأنصار الرئيس (المنتخب) محمد مرسي هو صراع إرادات، "يسعى كل طرف فيها لتطويع الآخر لمصلحته".
وأضاف أنه "خلال تلك المواجهة سيكون هناك فترات يغلق فيها باب التفاوض والمصالحة السياسية بين الطرفين كما هو الحال في الوقت الراهن" بعد قرار اعتبار جماعة الإخوان "جماعة إرهابية".
يذكر أنه مع فض اعتصام مؤيدي الرئيس المنتخب مرسي في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" في 14 آب/ أغسطس الماضي، الذي أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف، وأعقبه تصاعد في الاحتجاجات وأعمال العنف في البلاد، طرحت أطراف وشخصيات سياسية مختلفة عدة مبادرات لحل الأزمة والبدء في حوار سياسي بين قيادة السلطات المؤقتة (الانقلابية بحسب مؤيدي مرسي) وبين التحالف الوطني المؤيد للشرعية، لكنها عادة ما كانت تواجه تعثرا.
وما بين التشاؤم والتفاؤل حول مصير المصالحة السياسية، اتخذت القوى السياسية المعارضة والمؤيدة لمرسي مقاعدها.
وفي هذا السياق، اعتبر أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس حزب الاشتراكى المصرى، المعارض لمرسي، أن "الوضع الحالي تسبب في وجود حاجز أشبه بسور الصين العظيم بين الحكومة الحالية وبين الإخوان، على الأقل في الوقت الراهن، الأمر الذي من المتوقع أن يتصاعد تدريجيا".
ورأى أن "باب المصالحة أغلق نهائياً ليس بسبب القرار الأخير فحسب، لكن نظراً للتراكمات الطويلة التي أدت في النهاية إلى إعلان الحكومة أن الإخوان جماعة إرهابية".
لكن أحمد بديع، المتحدث الرسمي باسم حزب الوطن (السلفي)، أحد مكونات "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب" المؤيد لمرسي، بدا أقل تشاؤما؛ فرغم اعتبارة أن قرار إعلان الحكومة الإخوان "جماعة إرهابية" "أوصد الأبواب أمام محاولات إيجاد تسوية سياسية للأزمة التي تعاني منها مصر"، لكنه في الوقت نفسه لم يستبعد استئناف المصالحة في نهاية المطاف.
وقال بديع في تصريحات لوكالة لأناضول: "لا مفر من حدوث المصالحة في النهاية فيما ستكون المعضلة أن ذلك سيحدث بعد فترة يستمر فيها النزيف ويدفع الجميع تكلفة العنف، لكن في النهاية لن يستطيع طرف محو الآخر؛ ما سيدفع العقلاء والحكماء لطرح مبادرات تنهي الأزمة السياسية بالبلاد".
وبينما يتواصل جدل السياسيين والخبراء بشأن إمكانية حدوث مصالحة من عدمه، ويحاول كل من طرفي الأزمة فرض رؤيته على الشارع، يستمر نزيف الدماء المصرية بلا توقف.