وصف إريك تريغر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى منظور
الدستور المصري بأنه قاتم. وقال إن "التصويت على مسودة الدستور الجديدة قد يترك آثارا مدمرة على الاقتصاد المصري (..)، ما يستدعي أن تدفع واشنطن وحلفاؤها مصر إلى القيام بالإصلاحات الضرورية".
يذكر أن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى هو الذراع الفكري للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
ويرى الكاتب أن مسودة الدستور تعكس رؤية الأحزاب السياسية المصرية
اليسارية واللاعبين الذين ساعدوا على الإطاحة بحكومة مرسي.
وعلى المدى البعيد يرى الكاتب أن "قدرة هذا التحالف على تحقيق تفويض شعبي مقنع في استفتاء الشهر المقبل، ستحدد مسار عملية التحول السياسي، وما إذا كانت ستسير نحو الأمام. أما على المدى البعيد فسيظل الوضع في مصر قاتما. وهو أمام حالتين؛ إما فرض سياسة الإنفاق الحكومي الضخمة التي يطالب بها الدستور، ما سيؤدي إلى دمار إقتصادي، أو أن لا يتم فرض ما تطالب به الوثيقة، وفي هذه الحالة ستظل مصر محكومة بنظام قانوني لا يوثق به".
ويشير الكاتب إلى دستور "مرسي الذي جرى تمريره بنسبة 60 % (الصحيح 64%)، لكن نسبة المشاركة المتدنية 33% (هي 38%) أثرت كما يقول الكاتب على شرعيتها.
كما أدت طبيعة الدستور التي لم تلب احتياجات قطاعات من المعادلة السياسية إلى معارضة شعبية لحكمه. وأدت في النهاية إلى تدخل الجيش الذي أعلن بعد الإطاحة بحكم مرسي عن تعطيل العمل بالدستور السابق، وعن تشكيل لجنة لتعديل الدستور من 10 قانونيين أولا، ومن ثم وسعت لخمسين شخصا "يمثلون قطاعات واسعة من المجتمع والتنوع السكاني"، وهي التي قامت بتعديل وإجازة الدستور.
ويقول الكاتب "في الوقت الذي كانت فيه اللجنة تمثل الطيف الإجتماعي، إلا أنها كانت متسقة أيديولوجيا مع التحالف الذي أطاح بمرسي ولم يكن فيها إلا إسلاميين اثنين لم يكن أي منهما من الإخوان المسلمين، ومثلت تعددية جاءت من الأحزاب غير الإسلامية التي فازت تاريخيا بعدد قليل من المقاعد البرلمانية".
ويرى الكاتب أن الدستور الحالي يعكس موقف التحالف الذي أطاح بمرسي من خلال ثلاث ملامح: الأول أنه أقل إسلامية من سابقه، ففي الوقت الذي يؤكد على أن "الشريعة الإسلامية هو مصدر التشريع" (مادة 2) فإنه قام بحذف المادة 219 التي أكدت على مصادر معينة من الشريعة كمرجع للتشريع. كما حذف الدستور الحالي المادة 44 التي نصت على منع "سب أو إهانة الرسل وأنبياء الأديان". وأهم ما في الدستور أنه يحظر إنشاء الأحزاب الدينية (مادة 74).
الملمح الثاني، يعطي الدستور استقلالية واسعة للأجهزة الأمنية، والمؤسسات الأخرى التي شاركت في الإطاحة بحكم مرسي. فهو ينص مثلا على إنشاء مجلس أعلى للشرطة تجب استشارته في كل القوانين المتعلقة بالشرطة (مادة207)، ويعطي الدستور كل جهاز من أجهزة القضاء "ميزانية خاصة" واستقلالية في "إدارة شؤونه" (مادة 185).
كما ويعزز الدستور من استقلالية الجيش وسلطة مجلس الدفاع الوطني ويسمح بتقديم المدنيين للمحاكم العسكرية (مادة 204) وما إلى ذلك.
الملمح الثالث الذي تعكسه المسودة الحالية يتمثل في إصرار الأحزاب اليسارية على توسيع دور الدولة في مجال الخدمات الإجتماعية. وتدعو المسودة الحالية إلى التزام
الحكومة "بتحقيق العدالة الإجتماعية" (مادة 8) و"توفير الطعام لكل المواطنين" (مادة 79).
ومهما يكن فمستقبل العملية الإنتقالية في مصر لا يزال رهنا بقدرة النظام الحالي على الاستمرار في الحكم أو السقوط، خاصة أن النظام السابق سقط فقط بعد ستة أشهر من الاستفتاء على الدستور.
وكل هذا يعتمد على الاستفتاء الجديد المقرر في 14-15 كانون الثاني/ يناير المقبل. ففي حال حصل الاستفتاء على "نعم" بهامش معقول، فهذا سيؤدي إلى تعزيز شرعية التحالف الحالي، وتعبيّد الطريق أمام الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وفي الإطار نفسه سيجد التحالف نفسه أمام معضلة إن تم التصويت على الدستور الحالي بـ"نعم" ضيقة، لأن ذلك سيضعف من قدرة العملية السياسية الحالية، خاصة إن ترافقت مع إقبال ضعيف على الإقتراع وحملة قمع واسعة. ومن هنا "فسيؤدي رفض العملية السياسية إلى تقوية حركة الاحتجاج، مما قد يدفع بعض الأحزاب اليسارية للانشقاق عن حكومة التحالف"، والنتيجة أن "كلا السيناريوهين قابل للتحقق في الوقت الحالي، وفيما تظهر الإستطلاعات شعبية الجيش الذي يدير العملية السياسية، إلا أن حالة من الإحباط زادت في الفترة الأخيرة بسبب بطء عملية الانتقال السياسي، كما اتسعت حركة الإحتجاج ضد الحكومة المدعومة من الجيش لتشمل قطاعات خارج الإخوان خاصة في الجامعات".
وحتى في وضع يتم فيه تمرير الدستور، تعاني عملية التحول السياسي من مشكلة أخرى، هي الاقتصادية كما يقول، "فالإنفاق الحكومي الضخم الذي يدعو إليه الدستور لا يمكن الحفاظ عليه، مما يشير إلى أن الحكومة الحالية ليست لديها النية لتطبيق مواده. وبشكل أكثر تحديدا، لو قامت الحكومة بإنفاق نسبة 10% من المدخول العام بدلا من الميزانية، فسيؤدي هذا إلى أزمة نقدية حادة، وسيؤثر بالضرورة على الدعم الحكومي للمواد الأساسية، وهو ما سيؤدي إلى حالة غضب في قطاعات معينة من الشعب وبالضرورة توسيع حركة الاحتجاج".
ويقول الكاتب إن الأرقام الأخيرة عن الإقتصاد المصري تظهر خطورة هذا الوضع، فقد انخفض الإحتياطي المصري في الآونة الأخيرة من 18.6 مليار دولار إلى 17.8 مليار دولار (من أكتوبر إلى نوفمبر). ولا تتوقع الحكومة دعما دائما ومستمرا من دول الخليج الثرية التي تعهدت بمبلغ 12 مليار دولار بعد الإطاحة بمرسي.
وفي حال قررت الحكومة تجنب هذه الآثار السلبية، فهذا يعني غياب الإطار القانوني الذي سيحكم مصر، والذي تحتاج إليه أية حكومة مستقرة.
ويدعو الكاتب في النهاية الولايات المتحدة التي لها مصلحة في استقرار النظام إلى التأكد من تحقيق استفتاء نزيه، وتشجيع الحكومة على القيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة، بما في ذلك التلويح بإلغاء أو تعليق جزء من المساعدة السنوية الأمريكية لمصر.