قضايا وآراء

فلسطين على منصة العدالة الدولية

يرى الكاتب أن قرارات المحاكم الدولية "ليست حبرا على ورق"- جيتي
قبل سنوات زرت مقر المحكمة الجنائية الدولية قبل الافتتاح الرسمي لها، حينها كان الأمل يحدو المنظمين والمؤسسين بعالم أكثر عدلا يخلو من إفلات المجرمين ضد الإنسانية من العقاب. فلم يكن العالم يعرف مثل هذه المحاكم من قبل سوى عدد من المحاكم الدولية المؤقتة التي تنصب بعد أن تقع المصيبة ويموت الضحايا بالآلاف، مثل المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة. وفي هذه الأخيرة حضرت إحدى جلسات محاكمة السفاح الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش الذي انتحر في محسبه بعدئذ.

ولم تفلح المحكمة الجنائية الدولية في أن تقوض نظام الإفلات من العقاب، وظلت الجرائم ترتكب في أماكن مختلفة من العالم. ربما كان إنشاء المحكمة هو الكاشف للغطرسة الأمريكية مع العدالة الدولية وكشف تحيّزها بشكل أكثر سفورا، وهو ما استمر كلما فتحت المحكمة الجنائية الدولية ملف فلسطين.

الأمر نفسه ينطبق على قرارات محكمة العدل الدولية، إذ لا تحظى كلا المحكمين بأية مصداقية أو سمعة طيبة بين الشعوب العربية التي لم تنصفها هذا المحاكم. ظلت هذه السمعة قائمة حتى قرعت جنوب أفريقيا باب العدالة بقوة وأقحمت الملف الفلسطيني وفرضته على محكمة العدل الدولية.
المنظومة القضائية الدولية هي منظومة معيبة في شكلها ومضمونها لأنها تأسست في ظل هيمنة غربية واضحة، ورغم ذلك فإنها منظومة غير تابعة بشكل كامل للحكومات الغربية. ومرد ذلك أولا إلى أن نظام الفصل بين السلطات هو نظام معمول به في معظم الدول الغربية، وبالتالي من الصعب تدجين منظومة قضائية دولية بشكل كامل. وهذا لا ينفي الضغوط التي تمارس على المحاكم الدولية
وظلت القرارات تتوالى منذ ذلك الحين، ودول تنضم للدعوى وأخرى تستنكر، الأمر الذي أحدث حراكا قانونيا دوليا غير مسبوق بمثل هذا المستوى، بعد أن تحولت القضية الفلسطينية على المستوى القانوني الدولي من قضية شعب أو شعوب عربية إلى قضية إنسانية عالمية.

من الإنصاف القول إن المنظومة القضائية الدولية هي منظومة معيبة في شكلها ومضمونها لأنها تأسست في ظل هيمنة غربية واضحة، ورغم ذلك فإنها منظومة غير تابعة بشكل كامل للحكومات الغربية. ومرد ذلك أولا إلى أن نظام الفصل بين السلطات هو نظام معمول به في معظم الدول الغربية، وبالتالي من الصعب تدجين منظومة قضائية دولية بشكل كامل. وهذا لا ينفي الضغوط التي تمارس على المحاكم الدولية، ولكنها تظل في الأغلب الأعم ضغوطا وليس تحريكا كاملا وتحكما في الملفات القضائية.

وبالتالي يمكن القول إن كثيرا من الأفراد النافذين والدول الكبرى يمكن أن تتجاهل قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لكن من المؤكد أن هذه قرارات هذه المحاكم ليست حبرا على ورق لأنه تدخل للمنظومة الدولية. وبالتالي سيكون على الأفراد الصادرة بحقهم أحكام أو مذكرات اعتقال أن يكونوا على حذر شديد من السفر، بالإضافة لذلك فإن الدول تقوم وتسقط باستخدام مثل هذه القرارات التي لا غنى عنها من أجل الشرعية الدولية ولو من الناحية الشكلية.

الحراك القانوني الدولي الأخير الخاص بفلسطين وفّر مادة خصبة وملفا متخما ليس ضد إسرائيل وجرائمها فحسب، ولكن قرار اعتراف بمظلومية شعب عانى الأمرّين. ولا ننسى أن المعركة القانونية لا تزال قائمة في الدول الغربية لتجريم كل ما هو مناهض للسياسات الإسرائيلية، وهذه القرارات تشكل سوابق قضائية دولية هامة
كان الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل يقول بأن إعلان أو رسالة بلفور المعروف باسم وعد بلفور هو مجرد خطاب من وزير خارجية ليست له أية حجية قانونية بأي شكل من الأشكال، لكن المجهود الذي بُذل من أجل شرعنته وإدخاله إلى النظام الدولي هو مجهود غير عادي. وكان يعقّب على القرارات الدولية الخاصة بفلسطين؛ وأنها وإن بدت عاجزة عن التطبيق إلا أنها مادة خام للضغط من أجل تطبيقها واستخدامها في كافة المحافل.

أعتقد أن الحراك القانوني الدولي الأخير الخاص بفلسطين وفّر مادة خصبة وملفا متخما ليس ضد إسرائيل وجرائمها فحسب، ولكن قرار اعتراف بمظلومية شعب عانى الأمرّين. ولا ننسى أن المعركة القانونية لا تزال قائمة في الدول الغربية لتجريم كل ما هو مناهض للسياسات الإسرائيلية، وهذه القرارات تشكل سوابق قضائية دولية هامة، وقد تكون الخطوة القادمة هي أن تنفذ إلى داخل التشريعات المحلية لمنع ارتكاب مزيد من هذه الجرائم.

x.com/HanyBeshr