نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا، للصحفي هنري مانس، قال فيه "إن ثلاثة مؤرخين إسرائيليين قاموا في عام 1988 بتقويض الرواية البطولية حول ولادة بلادهم؛ وقد وثق بيني موريس عدد
الفلسطينيين الذين لم يغادروا منازلهم طوعا في عام 1948، ولكن تم إجلاؤهم بوحشية على يد القادة الإسرائيليين".
وتابع: "لقد أظهر إيلان بابي أن بريطانيا لم تعطل قيام الدولة اليهودية فقط، لكنها تجاهلت الفلسطينيين". وأشار آفي شلايم إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي، خلال حرب عام 1948، لم تقف بمفردها في مواجهة الجيوش العربية أقوى، بل "كان تواطؤ الأردن والقوة العسكرية الأفضل".
وأضاف بأن من يوصفون بـ"المؤرخين الجدد" يتناغمون مع مزاج النقد الذاتي في دولة الاحتلال الإسرائيلي. مردفا أنه "مع تحول المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين على مدى العقدين الماضيين، أصبحت الرؤية التصحيحية غير مرحب بها مرة أخرى".
وأوضح مانس، في تقريره، أن "موريس غيّر لهجته لتتناسب مع العصر: حيث جادل في عام 2004 بأن خطأ إسرائيل لم يكن طرد جميع الفلسطينيين في عام 1948"، مسترسلا: "أصبح بابي وشلايم منبوذين أيديولوجيا. يقول شلايم، وهو الآن أستاذ فخري في جامعة أكسفورد: لم يستمر احتضان المؤسسة لفترة طويلة لأنني واصلت انتقاد إسرائيل".
وأبرز أنه "منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تقلّص جمهور نسخة شلايم من التاريخ بشكل أكبر بين اليهود في الشتات؛ وكان من المقرر أن يلقي محاضرة حول مذكرات طفولته في جامعة ليفربول هوب بعد أسابيع من العمليات. طلبت منه الجامعة التأجيل بعد أن أثار اليهود المحليون والموظفون مخاوف تتعلق بالسلامة. وبسبب غضبه من حرمانه من المنصة، ألغى شلايم المحاضرة".
وقال: "ما يوضحه هذا هو الحساسية المفرطة لدى بعض اليهود البريطانيين في تفسير أي انتقادات لإسرائيل على أنها هجوم على اليهود؛ لا يمكنهم إسكاتي. ولكنني أشعر بقلق بالغ إزاء الأكاديميين الفلسطينيين الشباب في الجامعات البريطانية الذين يتعرضون للترهيب".
وقال الكاتب إن "شلايم شخص بارز ومثير للجدل في نفس الوقت، وهو رجل لطيف يبلغ من العمر 78 عاما، وله شعر مجعّد يذكرنا بكريمر في المسلسل الكوميدي سينفيلد، وقد دعم زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين عندما تم اتهام كوربين بمعاداة السامية. فهو يتهم بنيامين نتنياهو بتحويل البلاد إلى دولة فصل عنصري، وانضم مؤخرا إلى المتظاهرين البريطانيين الذين كانوا يهتفون من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر، وهي عبارة يزعم العديد من اليهود أنها تعني الإبادة الجماعية لليهود".
وتابع التقرير نفسه: "مثل هذه المواقف تعني أن شلايم، الذي انتقل إلى بريطانيا عندما كان في السادسة عشرة من عمره، يجد هويته موضع تساؤل". ويتساءل موريس: "لماذا يصر [شلايم] على استخدام هذا الاسم [آفي] الإسرائيلي الشائع، والذي عادة ما يكون اختصارا لاسم أبراهام؟، (جواب شلايم: هو ما سمي به منذ أن كان في الخامسة من عمره)".
وأوضح: "مع ذلك، حتى موريس يقبل أن بحث شلايم قيّم وسهل القراءة. ويقدم التاريخ جانبا مضيئا محتملا للصراع الحالي. لقد خلقت أحداث العنف التي وقعت في الماضي المجال للدبلوماسية. يقول شلايم: أفضل مثال على ذلك هو حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، لم تكن إسرائيل مستعدة لها على الإطلاق. وقد مهدت الحرب، التي أعقبتها زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس، الطريق لمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية عام 1979".
ومضى في المقال نفسه بالقول: "على نحو مماثل، أدت الانتفاضة الأولى التي بدأت عام 1987 إلى اتفاق أوسلو في عام 1993، والذي وفر إطارا لمحادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان العالم قد شاهد وحشية الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين".
ويقول شلايم إن عملية حماس على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ورد فعل الاحتلال الإسرائيلي، الذي أدّى حتى الآن إلى استشهاد حوالي 32 ألف شخص في
غزة، وفقا لمسؤولين فلسطينيين، هو "كارثة، ولكن قد تتكشف عن شيء جيد لاحقا".
ويعلّق أن وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي السابق: "قال أبا إيبان ذات مرة إن الدول قادرة على التصرف بعقلانية عندما تستنفد جميع البدائل. وما زلت آمل أنه بعد أن استنفدت إسرائيل كل البدائل العسكرية، فإنها ستبدأ في التصرف بعقلانية".
ويقول شلايم إن "الضغط الخارجي هو الشيء الوحيد الذي يمكنه دفع التغيير. أمريكا هي المعقل الأخير [لإسرائيل]، وفي يوم من الأيام سوف تتغير السياسة الأمريكية".
وكثّف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، انتقاداته لنتنياهو. لكن رؤساء الولايات المتحدة الآخرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، كما يقول شلايم. "لو قال بايدن لنتنياهو، يجب ألا تغزو رفح، وإذا فعلت ذلك، فسوف أقوم بإبطاء الإمدادات العسكرية، فإنه سيوقف نتنياهو".
وأوضح المقال: "ولد شلايم في بغداد لعائلة ثرية. وتصور مذكراته "العوالم الثلاثة" الوقت الذي كان يمكن فيه لليهود أن يعيشوا جنبا إلى جنب مع المسلمين في العراق دون عداء، وكتب أن هذا التعايش هو أفضل نموذج لدينا لمستقبل أفضل".
وأضاف: "لقد أثبت إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي رحّب به اليهود الأوروبيون بشدة، أنه أمر مرير بالنسبة للعديد من يهود الشرق الأوسط. لقد واجهوا رد فعل عنيفا في بلدانهم الأصلية بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948".
ويقول شلايم إن الكثيرين ممن انتقلوا إلى إسرائيل، عندما كان في الخامسة من عمره، وجدوا تراثهم موضع ازدراء. (تم رش بعض العائلات بمادة الـ دي.دي.تي لدى وصولها). "كنت أعاني من عقدة النقص التي شكلت علاقتي بالمجتمع الإسرائيلي" يردف المقال نفسه.
وتابع: "ومع ذلك تشرّب النسخة الصهيونية من التاريخ، وأدى الخدمة العسكرية، وحاول الالتحاق بالجيش في حرب الشرق الأوسط عام 1967، عندما احتلت إسرائيل غزة والضفة الغربية. لكن عندما درس الصراع لاحقا، تغير موقفه".
وأكّد: "بينما ألقت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى اللوم منذ فترة طويلة على القادة الفلسطينيين لعدم قبول السلام الذي عرضته إسرائيل، يقول شلايم: إن إسرائيل لم تقدم قط صيغة لحل الدولتين تكون مقبولة حتى للزعيم الفلسطيني الأكثر اعتدالا".
ويقول إن "أفضل عرض قدمته إسرائيل كان اقتراح إيهود أولمرت في عام 2008، والذي بموجبه كانت السلطة ستتنازل عن 94 في المئة من الضفة الغربية. لكن شلايم يقول إن أولمرت، الذي كان قد أعلن استقالته لمواجهة اتهامات بالفساد، كان بطة عرجاء، وربما كانت أي صفقة غير دستورية".
ويقول شلايم إن "الدولة الفلسطينية أصبحت الآن غير قابلة للحياة، بسبب توسع المستوطنات الإسرائيلية، ويفضل حل الدولة الواحدة"، فيما يقول منتقدوه إنه يتجاهل تصرفات الدول العربية والفلسطينيين. وقد أيّد العديد من الفلسطينيين عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر. فهل يتحملون نفس القدر من المسؤولية عن غياب السلام؟ لا، يصر شلايم. لكنه يقبل أن وجهات نظره تتشكل من خلال تجربته مع إسرائيل: "التاريخ لا يُكتب في الفراغ".
وتابع: "الأمر يتعلق أيضا بالمصادر: الدول العربية لا تفتح أرشيفاتها. شلايم، الذي يقرأ العبرية بطلاقة ولكن ليس العربية، يعمل من الأرشيف الإسرائيلي وبعض المصادر الأولية العربية".
ولعل الموقف الأكثر إثارة للجدل الذي اتخذه شلايم، وخاصة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، هو وجهة نظره بشأن حماس، التي دعا ميثاقها لعام 1988 إلى تدمير دولة الاحتلال الإسرائيلي. ويقول إن الغرب عزل حماس بعد فوزها "بانتخابات نزيهة وحرة" في عام 2006 وأن قادتها السياسيين قالوا: إنهم قد يقبلون بدولة فلسطينية إذا كانت قائمة على الحدود قبل حرب عام 1967.
"اليوم قادة حماس عنيفون للغاية وغير مستعدين للتنازل. لقد تحوّلت السلطة داخل حماس من القيادة السياسية [الأكثر] تطورا واعتدالا [مثل إسماعيل هنية] إلى القادة العسكريين [مثل يحيى السنوار]" يردف المقال.
وأبرز: "لقد جربت القيادة السياسية الطريق الدبلوماسي ولم تصل إلى أي مكان. يقول القادة العسكريون إنه لا يمكنك التفاوض مع إسرائيل، بل عليك إلحاق الألم بإسرائيل. إنهم يستخدمون مثال حزب الله الذي أخرج إسرائيل من جنوب لبنان".
في الوقت الراهن، يبدو شلايم "بمشاعر مختلطة" بشأن جنسيته الإسرائيلية. ومع اشتداد المزاج السياسي، فهو غير متأكد مما إذا كان سيتم استجوابه في المطار في زيارته القادمة. ولا يستطيع العودة إلى العراق، لأن الاتصال بأي شخص يروّج للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أصبح الآن جريمة جنائية. لقد خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، لذا فإن أي عراقي يتعامل معه يمكن أن يكون مسؤولا.