صحافة دولية

بلومبيرغ: أوروبا تستعد لخوض حرب على الغذاء

أوروبا واحدة من أكبر موردي المواد الغذائية في العالم - CC0
نشر موقع "بلومبيرغ" الأمريكي تقريرا، تحدث فيه عن استعداد أوروبا لأزمة غذائية محتملة بسبب ما ينسب إلى ظاهرتي النينيو والنينيا المناخيّتين، اللتين تؤثران على إنتاج فول الصويا في أمريكا اللاتينية، والصراعات التي تؤثر على صادرات الحبوب الأوكرانية والروسية، وحظر إندونيسيا تصدير زيت النخيل إلى أوروبا، والطلب المتزايد على المحاصيل في الصين. 

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن القوى المشتركة لظاهرتي النينيو والنينيا أدت إلى شل إنتاج فول الصويا في أمريكا اللاتينية. يخوض مزارعو الحبوب الأوكرانيون والروس حربًا، ومنعت إندونيسيا شحنات زيت النخيل إلى أوروبا، في حين أن الصين متعطشة للمحاصيل، وأصبحت منطقة البحر الأبيض المتوسط أشبه بالصحراء.




وبطبيعة الحال، فإن التصادم الدراماتيكي للأحداث لم يحدث بعد. لكن على مدار يومين في وسط بروكسل الشهر الماضي، اجتمع حوالي 60 مسؤولاً من الاتحاد الأوروبي والمسؤولين الحكوميين وخبراء الأمن الغذائي وممثلي الصناعة وعدد قليل من الصحفيين؛ لمواجهة احتمال حدوث أزمة غذائية كاملة. 

وعلى بعد بضعة شوارع، كان المزارعون يكثفون احتجاجاتهم ضد الاتحاد الأوروبي، ويعطلون الإمدادات عن المحلات التجارية كما لو كانوا يهدفون إلى زيادة تركيز المشاركين. لكن صور الفيديو للجفاف والفيضانات والاضطرابات المدنية على وقع الموسيقى المشؤومة خلقت شعورا بالإلحاح.

من جانبه، حذّر بيوتر ماغنوسزيوسكي، مصمم الأنظمة ومصمم الألعاب الذي عمل مع الأمم المتحدة، قائلا: "توقعوا مستوى من الفوضى. قد تكونون مرتبكين في بعض الأحيان وليس لديكم معلومات كافية. سيكون هناك سفر عبر الزمن".

ذكر الموقع أن مشاهدة إحدى أفضل المناطق تغذية في العالم وهي تختبر نظامها الغذائي يسلط الضوء على مستوى متزايد من القلق بين الحكومات بشأن تأمين الإمدادات لسكانها. ففي غضون أربع سنوات، هزت صدمات متعددة طريقة زراعة الغذاء وتوزيعه واستهلاكه. أدت جائحة فيروس كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، والاضطرابات في طرق الشحن الرئيسية إلى اضطراب سلاسل التوريد ودفع الأسعار إلى الارتفاع. كما يقوّض الطقس غير المنتظم والمتطرف حاليا الزراعة. وعلى هذه الخلفية، لم يعد المسؤولون يتساءلون عن موعد حدوث أزمة الغذاء، بل عن عدد الأزمات التي يمكنهم التعامل معها في آن واحد.

وهكذا، ستستمر الأزمة إلى سنة 2025، وسيكون هناك المزيد من فشل المحاصيل. فهي تؤثر على أسعار الأعلاف الحيوانية، ما يحد من إنتاج الماشية والأسماك. وتبتعد بعض السفن التي تحمل المحاصيل عن أوروبا لتلبية احتياجات مقدمي العروض الأعلى في أماكن أخرى.

وحسب الموقع، تعمل حدود تصدير زيت النخيل في آسيا الآن على تقليل إمدادات المواد الغذائية الأساسية اليومية، بدءا من السمن النباتي وصولا إلى الخبز. وتنتشر مزاعم جشع الشركات والمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة.




من جانبها، قالت كاتيا سفينسون، كبيرة مستشاري النظم الغذائية في مجلس وزراء بلدان الشمال الأوروبي التي شاركت في المحاكاة، إن "توقيت طرح الموضوع كان في محله بشكل لا يصدق". وهي تريد الآن أن تحتفظ منطقتها باستقلالها.

ذكر الموقع أن اختبار الإجهاد سمة شائعة في الصناعة المصرفية منذ الأزمة المالية، في حين قام المسؤولون الحكوميون وصناع السياسات في الولايات المتحدة بما يسمى المناورات من وقت لآخر، حتى لو كان ذلك يتضمن جائحة قبل أشهر فقط من ظهور فيروس كورونا. وفي أوروبا، تعد التدريبات التي تقودها الحكومات نادرة، ناهيك عن تلك التي تركز على الغذاء، وذلك وفقًا لما ذكره ماغنوسزيفسكي، المدير العلمي في مركز حلول الأنظمة في فروتسواف، بولندا.

ومن الواضح أن أوروبا في وضع لا تحسد عليه. إنها واحدة من أكبر موردي المواد الغذائية في العالم، بدءا من الحبوب ومنتجات الألبان وصولا إلى لحم الخنزير وزيت الزيتون، مع أدنى مستويات انعدام الأمن الغذائي. وفي المتوسط، أنفقت الأسر 14 بالمئة فقط على الغذاء في سنة 2021، مقارنة بنحو 60 بالمئة في نيجيريا و40 بالمئة في مصر. ويصنف مؤشر الأمن الغذائي العالمي بانتظام الدول الأوروبية باعتبارها الأكثر أمانا في العالم.

لكن هناك نقاط ضعف إذ تهدد مشاكل الطقس والمناخ المزارعين بانتظام، مما كلف أوروبا أكثر من 50 مليار يورو (54.3 مليار دولار) من الخسائر الاقتصادية في سنة 2022.

وارتفعت تكلفة الأسمدة والطاقة اللازمة لزراعة المحاصيل والحفاظ على البيوت الزجاجية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وستتكشف الأمور أكثر في وقت لاحق في سنة 2025 حيث سينهب اللصوص المحلات التجارية وستكافح الشرطة لاحتواء أعمال الشغب المنتشرة في المدن ولن يستطيع الناس في ألمانيا العثور على الأسماك واللحوم في محلات البقالة وسيكون مزارعو الماشية في طريقهم للإفلاس. ومن ناحية أخرى، يتحول تركيز عامة الناس إلى التربح من قِبَل تجار السلع الأساسية. 

إذا ما هي الحلول؟

انقسم المشاركون إلى مجموعات حيث تم تكليف كل شخص بدور جديد، بدءًا من جماعات ضغط المزارعين وحتى نقابات عمال الأغذية. وفي دوائر مكونة من أربعة أو خمسة أشخاص، قامت المجموعات بوضع سياسات تتراوح من إدارة الأزمات وبناء الاحتياطيات إلى توفير الغذاء للفئات الأكثر ضعفًا.

على المدى الطويل، هناك تساؤلات حول كيفية الحد من اعتماد أوروبا المفرط على واردات المحاصيل مثل فول الصويا اللازمة لتغذية صناعة اللحوم والألبان الضخمة. لذا، قامت فرقة العمل بالضغط على خفض الدعم المقدم لتربية الماشية. وفي اليوم الثاني تم التركيز على مقترحات السياسة وأي استنتاجات. ولم يكن هناك اعتراض كبير على فكرة أن الأنظمة الغذائية تحتاج إلى التحول نحو خيارات صحية وبعيدا عن اللحوم. وطُرحت أسئلة حول أفضل السبل لإدارة الاحتياطيات الغذائية ومراقبة مستوى المخزونات.

نقل الموقع عن سفينسون أن المشاركين حددوا مواضيع أخرى للتدريبات المستقبلية، بدءا من سلامة الغذاء والإرهاب البيولوجي، وصولا إلى مكافحة المعلومات المضللة والتحضير للأمراض التي تنتقل عن طريق الحيوانات، حيث تعتبر الأخيرة "قضية كبيرة وقد تصبح أكبر". 

وفقا لكريس هيجادورن، الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد الذي شارك في تنظيم ورشة العمل، هناك عدد قليل من الحكومات في أوروبا مستعدة لإدارة الأزمات الغذائية في المستقبل. وقال هيجادورن، الأستاذ المساعد في سياسات الغذاء العالمية في معهد العلوم السياسية في باريس: "كنا نعيش في أزمة على امتداد السنوات الثلاث الماضية. وهناك الكثير للقيام به على كل المستويات"، مؤكدا: "سوف تأتي الأزمات بشكل أسرع وأصعب".